كان عشّاق أدب أمريكا اللاتينية على موعد مساء الخميس الماضي مع أحد أشهر أدباء تلك المنطقة من العالم ، وهو الأديب الأرجنتيني خورخي لويس بورخيس، حيث أقام المجلس الأعلى للثقافة احتفالية كبرى استضاف فيها أرملة الأديب الكبير السيدة ماريا كوداما ، وحضرها وزير الثقافة حلمى النمنم، والسفير الأرجنتيني بالقاهرة سيرجيو أ. بور، والشاعر والمترجم رفعت سلاّم ، ومدير المركز القومي للترجمة د. أنور مغيث ولفيف من المثقفين والدبلوماسيين والأدباء- كل هؤلاء فى ضيافة الدكتورة أمل الصبان أمين عام المجلس.
بدأت الاحتفالية بكلمة حلمي النمنم التي أكد فيها أن الاحتفاء ببورخيس هو مناسبة مهمة لكل المثقفين المصريين والعرب . وأضاف النمنم أن بورخيس حالة خاصة نعتز بها ، مشيرا الى أنه لم يحصل على نوبل ، ولكنه تم الاحتفاء به في كل ثقافات العالم . من جانبه وصف السفير الأرجنتيني سيرجيو بورالأديب بورخيس بأنه الأب الروحي للأدب في أمريكا اللاتينية كلها ، وليس فقط في الأرجنتين وأكد السفير أن بورخيس كان مهتما منذ نعومة أظافره بالأدب العربي، مشيرا الى أنه كثيرا ما أِشار في أعماله الأدبية الى الحضارة المصرية القديمة، ومنها التفاصيل التي ذكرها عن مسجد عمرو بن العاص بالقاهرة . وأشاد السفير الأرجنتيني بأرملة بورخيس السيدة ماريا كوداما وبدورها في التعريف بأديب الأرجنتين الأشهر وبأعماله التي حفرت لنفسها مكانة عالية في نفوس محبيه في كل أنحاء العالم . وفى كلمتها سردت السيدة ماريا كوداما سيرة موجزة لحياة زوجها الراحل منذ الطفولة وحتى وفاته وتحدثت عن أعماله بدءاً من كتابه الأول الذي كتبه عام 1923 عن " حمى بوينس أيرس"والذى لفت الانتباه لموهبته. ثم أكد د. أنور مغيث مدير المركز القومي للترجمة في كلمته أن لبورخيس مكانة راسخة في قلوب العرب، مشيرا الى أن أدب أمريكا اللاتينية دائما ما يقابل بالترحيب والحفاوة في العالم العربي . أما الشاعر والمترجم رفعت سلاّم فقد استهل كلمته بالتأكيد على أننا في العالم العربي تأخرنا في اكتشاف قيمة بورخيس، مشيرا الى أننا سمعنا عن قيمته دون أن ندرك تلك القيمة بتوفر نصوصه للقارئ العربى، إلى أن تمت ترجمة بعض أعماله الى العربية ، عن طريق د. محمد أبو العطا لاسيما ترجمته الرصينة لكتاب " الألف "، فأصبحنا "في منتصف الطريق إلى المعرفة ببورخيس". ووصف سلاّم بورخيس بأنه حالة فارقة مختلفة عن كل الأدباء الغربيين الذين كانوا معبرين في كتاباتهم عن ثقافتهم الغربية ، على العكس من بورخيس الذي كان ابنا لكل عالمنا متعدد الحضارات والثقافات . وأضاف سلاّم أن بورخيس نجح في تقديم نمط مختلف عن الآخرين فيما يتعلق بكتابة القصة القصيرة ، مشيرا الى أن أعمال بورخيس لا تنطوي على نظرة أحادية ، وإنما تتعدد فيها الرؤى وطبقات المعنى والأبعاد. وانتقد سلاّم المنطق الاستشراقي الذي هيمن على كتابات أدباء الغرب الذين حاولوا تبرير سياسات بلادهم الاستعمارية ضد بلادنا العربية ، على العكس من بورخيس الذي وجدنا لديه وعيا وتقديرا بثقافتنا العربية ، واحتفاء بكتابها البديع " ألف ليلة وليلة " . واختتم سلاّم حديثه مؤكدا الحاجة الماسة الى ترجمة أعمال بورخيس الكاملة الى العربية ، وهي الدعوة التي قابلها السفير الأرجنتيني بحفاوة ، مؤكدا دعم وترحيب بلاده بفكرة ترجمة بورخيس كاملا الى العربية، وهي الفكرة التي ستسهم في إيجاد نوع من الحوار الخلاّق بين الثقافة العربية وثقافة أمريكا اللاتينية.