بمبادرة من الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما، قامت عدة جهات ثقافية مرموقة بتكريم الكاتب الكبير محفوظ عبد الرحمن الاريعاء الماضي. وفي حضور الكاتب حلمي النمنم وزير الثقافة المصري، سلمت نقابة السينمائيين واتحاد الفنانين العرب ونقابة التمثيليين وجمعية مؤلفي الدراما والبيت الفني للمسرح دروع التكريم لمحفوظ. والرجل ربما يكون معروفا لعموم الجماهير بعدة اعمال هامة حصدت شهرة ومحبة كبيرتين خاصة مسلسلاته بوابة الحلواني وام كلثوم وفيلميه ناصر 56 وحليم.لكن عبد الرحمن قيمته الادبية والفكرية اكبر من ذلك بكثير. فطوال عمره المديد الذي جاوز ال 82 عاما، اثري محفوظ عوالم الادب والفن العربيين بلآلئ ودرر حقيقية قلما تجد مثيلاتها عند كاتب اخر. بل واضاف وجدد في كل المجالات من المقال الصحفي للقصص القصيرة للرواية للكتابة المسرحية حتي دخل الدراما التليفزيونية ليصبح من اوائل روادها واهم علاماتها بلا منازع، بالاضافة لزيارته القليلة لكن المتميزة جدا لعالم السيناريو السينمائي. وبعد سنوات طويلة من الصمت المعيب عن كتابة سيرة محفوظ عبد الرحمن وتحليل اعماله، تصدت الناقدة والكاتبة سميرة أبو طالب لهذة المهمة الجليلة والشاقة والممتعة واخرجت لنا مؤخرا كتابان هامان عن حياة وآثار هذا المبدع الكبير. في كتابها الاول (محفوظ عبد الرحمن.مقاطع من سيرة ذاتية) تفاجئنا ابو طالب ان كاتبنا لم ينل المجد بسهولة بل واجه الكثير من الصعاب خلال مشواره، والعقبات التي من شانها تجعل اي شخص يتوقف عن الصمود اي يحيد عن هدفه، لكن ما كان يحرك محفوظ هو منظمة قيمه التي يؤمن بها ويدافع عنها. وهي منظومة قيم انسانية بالمقام الاول ووطنية في بعدها الاعمق. وتقول ابو طالب: " البحث عن غير المألوف هو سمة بدايات محفوظ عبد الرحمن. بدأت الكلمة لدية متمردة ثم ثائرة، فنسجت اطارا من المقاومة لكل الاوضاع العربية المترهلة. وتأخذ العربي الي حيث يستعيد امجاد تاريخه، ويعمل الفكر فيما الت اليه الحال في لحظته الراهنة. لكن محفوظ يكتب ايضا متحررا من الزمان والمكان. ولعل اهم ما يميزه ايمانه بقيمة ما يكتب وبدوره في المجتمع.وكانت كلماته وسيلته الي الاهتداء الي حقيقة الانسان وحقيقة وجوده وحقه في الحياة والكرامة والحرية والعدل. ان المرء يستطيع ان يري في كتاباته غربته ووحدته ومقاومته وتمرده وبساطته وحبه واحساسه بذاته وكرامته ونزوعه الي الوحدة العربية. فقد انشغل محفوظ علي مدار كتاباته بالاخطار التي تحيط بالكيان العربي ارضا وانسانا". يتحدث الناقد الكبير سامي خشبة عن مسرحيات محفوظ عبد الرحمن ويقول ان بها هما فلسفيا مستمدا من التراث العربي، وان لديه موهبة فريدة في صياغة الجملة المسرحية وان كتابته مشحونة بالتوتر وانه نجح في المزج بين الحكاية والبناء المسرحي. بينما يقول د مصطفي عبد الغني عنه ان قيمته مستمدة من معرفته لطبيعة العلاقة بين المسرح والتغيير.ويقول فؤاد دوارة عنه انه اثري المسرح العربي بمسرحيات ناضجة كلها تتميز بالاصالة والجدة والالتزام القومي والوطني مع براعة الحبكة وشاعرية الحوار وسمو الهدف. بينما راي نبيل بدران ان شخصياته الدرامية اسرة وان حواره شديد التكثيف زاخر بعمق الدلالات. ويقول د.حمد كامل القليوبي ان عبد الرحمن اكثر مؤلف درامي تناول التاريخ في اعماله خاصة المسلسلات التليفزيونية ومنها " الكتابة علي لحم يحترق" عن مواجهة العرب للحلف الافرنجي المغولي، وسليمان الحلبي عن البطل العربي الذي واجه احتلال الفرنسيين لمصر، ومحمد الفاتح عن البطل الذي قضي نهائيا عن الامبراطورية البيزنطية، وليلة سقوط غرناطة عن زوال دولة الاندلس، وليلة مصرع المتنبي عن الشاعر العربي الكبير، وثلاثيته الخالدة بوابة الحلواني عن اهم علامات التاريخ المصري الحديث. اما عن التاريخ المعاصر فقد وضع بصمته بمسلسل ام كلثوم عن المطربة العظيمة، واهل الهوي عن الشاعر بيرم التونسي. ويضيف القليوبي ان رصد محفوظ للتاريخ كان برؤية قومية تحمل هموما معاصرة، وانه يري التاريخ برؤية ناقدة، ليس كمجرد أحداث انما كدراما كبري للبشرية، وانه حول وبجدارة حلمه بالتاريخ الي تاريخ لاحلامنا. ويقول د. حسن عطية ان ابحار محفوظ نحو التاريخ وعي من الكاتب انها مقدمات منطقية لما سيحدث بالمستقبل. وينبه محمد محمد مستجاب ان القصة القصيرة هي العشق الاول لمحفوظ، وحبه القديم والتي تتجلي في مجموعتيه البحث عن المجهول واربعة فصول شتاء. ثم عشقه للرواية والذي تمثل في روايتيه اليوم الثامن ونداء المعصومة. وان كتابة القصة هي التي بدأت في تشكيل وعيه، وفهمه لانماط واجناس الكتابة الاخري. ويقول الكاتب عبد الله السناوي انه قلما ان يتحول عمل فني مهما كانت قيمته الابداعية الي ظاهرة سياسية وثقافية.لافتا النظر الي فيلمه ناصر 56، ويقول ان جريدة لوموند قالت في صفحتها الاولي ان هذه عودة مظفرة لعبد الناصر علي الشاشة، وان محفوظ لخص معركة التاميم انها معركة كرامة. وتضيف سميرة ابو طالب ان تجربة محفوظ ملهمة بقدر ما جسدت قيم الالتزام دون ادعاء او زيف. اما في كتابه الاداء السياسي في مسرح محفوظ عبد الرحمن فيقول عبد الغني داوود ان اللغة النثرية من اهم جماليات مسرحه، فهي لغة خاصة الا انها لغة مسرح في آن الوقت، فهي لغة متأصلة في التقاليد الادبية للسرد والمشهد والشخصية والدلالة. ويضيف داوود ان السياسة في مسرح محفوظ لا تأخذ اشكال المسرح السياسي في المسرح الغربي، لكن القضايا الاساسية لديه هي قضايا العدل والانسانية والوعي والضمير.