سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
كواليس عودة مصر إلى مقاعد الكبار فى الملاحة الدولية الخارجية والنقل والمجتمع المدنى كلمة السر فى اكتساح انتخابات المنظمة البحرية
«الأهرام» ترصد التفاصيل والأسرار قبل اللحظات الأخيرة لبدء التصويت
بعد أن فازت مصر بعضوية المكتب التنفيذي للمنظمة البحرية العالمية خلال الانتخابات التي شهدتها العاصمة البريطانية لندن خلال الأسبوع الماضي، تكون قد عادت إلي مقاعد الكبار علي ساحة الملاحة العالمية. حدث كبير لاشك في ذلك، ومنصب دولي رفيع يضاف إلي عضويتها غير الدائمة في مجلس الأمن، وهو ما يؤكد أن الأمة المصرية بدأت تستعيد دورها الدولي والإقليمي. اللافت في هذا الأمر ليس هو الفوز بهذا المقعد بعد أن فقدته قبل عامين، ولكن الاكتساح هو الذي يجعلنا نتوقف كثيرا أمام فريق كبير من المسئولين لعب دورا كبيرا في هذا الانتصار، والذي يمكن أن نطلق عليه «روح الفريق» أو «فريق العمل» الذي يعمل بهذه الكفاءة، والمنظومة الرائعة بين وزارتي الخارجية والنقل والمنظمات العربية ممثلة في الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري، إلي جانب مؤسسات المجتمع المدني التي تمثلها غرفة الملاحة. «الأهرام» كان هناك قبل بدء التصويت بأيام، والتقي المسئولين ورصد الكواليس والأسرار والاستعدادات والجهود الجبارة التي بذلها فريق العمل الذي كان يعمل بكل التفاني من أجل الوطن، لتأتي إليه المكافأة المعنوية الكبري التي نسي خلالها كل متاعبه عندما أبلغ الدكتور سعد الجيوشي وزير النقل جميع المشاركين في الانتخابات بعد هذا الفوز المشرف، أن اتصالا تليفونيا تم مع الرئيس عبدالفتاح السيسي قدم خلاله التهنئة لمصر، والشكر لمن أسهم في صنع هذا النجاح. وقبل الدخول في كواليس الانتخابات ورصد وقائع ما حدث علي أرض العاصمة البريطانية، لابد من إلقاء الضوء علي أهمية المنظمة البحرية العالمية بالنسبة للملاحة، فهي إن شئنا الدقة تمثل برلمان المجتمع الملاحي في العالم، فهي التي تصدر القرارات والتوصيات الملزمة لجميع الدول وجميع الأنشطة والخدمات والموانئ. وتمثل خطورة هذه القرارات أنها يمكن أن تؤثر سلبيا وبدرجة كبيرة علي أي دولة لا تلتزم بها، وعلي سبيل المثال إنه في غياب عضوية مصر خلال العامين الماضيين ظهرت بعض التوصيات المغرضة ضد مصر تحذر الخطوط الملاحية من أن منطقة البحر الأحمر وخليج السويس من المناطق عالية الخطورة ملاحيا، وهو ما يدفع شركات التأمين إلي زيادة المخصصات المالية علي السفن العابرة. وفي المحصلة يؤدي ذلك إلي التأثير سلبيا علي عبور السفن لقناة السويس، ولجوء بعضها إلي ممرات ملاحية أخري، وهذا نموذج واحد فقط من عشرات ومئات الأمثلة التي قد يؤدي بعضها إلي إحجام الخطوط الملاحية عن الدخول إلي موانئ بعض الدول. صحيح أن وفدا مصريا رفيع المستوي تمكن من إلغاء التحذيرات الخاصة بالبحر الأحمر، لكن الأمر استغرق أشهرا، وبالتالي تأتي الأهمية القصوي لعضوية مصر في هذه المنظمة، خاصة إطلاق مشروع تنمية محور قناة السويس، وتوقعات بمضاعفة حركة الملاحة والسفن في هذه المنطقة. ونعود إلي كواليس الانتخابات التي يجب ألا نختزلها في المشهد الذي اختلطت فيه دموع الفرح مع ضحكات وعناق المصريين بعضهم بعضا لحظة إعلان نتيجة الفوز، بل إنه يرجع إلي اليوم نفسه (الجمعة 27 نوفمبر من 2013). فمن هذا اليوم الكئيب الذي فقدت مصر فيه هذا المقعد، تولدت إرادة التحدي لاستعادته مرة أخري كما يقول الدكتور سعد الجيوشي وزير النقل من خلال العمل الجاد والمنظم بين جميع الأجهزة والمسئولين. ويضيف أن البداية كانت من القاهرة قبل عدة أشهر، حيث تم التنسيق مع وزارة الخارجية لعقد عدة لقاءات مع السفراء وممثلي الدول في المنظمة البحرية، وتم اطلاعهم علي الجهود التي تبذلها مصر في قطاع النقل، الذي يحظي باهتمام القيادة السياسية، ويأتي علي رأس ذلك افتتاح قناة السويس الجديدة، وهو الحدث الذي أبهر العالم وكان محور الحديث بين الوفود المشاركة في الانتخابات. ويضيف أن ذلك كان واضحا لدي الوفود الأجنبية في الكلمة التي ألقيتها أمام جميع المشاركين قبل التصويت بساعات محددة، وكان له وقع كبير تمثل في الترحيب الشديد من جانبهم، بالإضافة إلي المساندة والدعم من رئيس المنظمة البحرية، وهو ما هيأ جوا من الثقة والتأييد للموقف المصري الذي ظهر في التصويت الكاسح لتحصل مصر علي الترتيب السابع من 20 دولة فازت بالعضوية. سبق الوزير إلي مقر المنظمة بأيام اللواء عبدالقادر درويش رئيس قطاع النقل البحري علي رأس وفد يمثل اللواء طارق غانم رئيس هيئة السلامة، وأيمن صالح رئيس ميناء دمياط، واللواء خالد زهران مستشار رئيس القطاع، وسعاد عبدالمقصود رئيس وحدة العلاقات الدولية بالقطاع، ويمني ياقوت، ووائل عفيفي من قطاع النقل البحري، وإيمان عطية من ميناء الإسكندرية. ويقول درويش: إن أعضاء الوفد كانوا يواصلون الليل بالنهار، سواء داخل مقر المنظمة أو خارجها لإجراء اللقاءات والترتيبات مع سفراء ومندوبي الدول، إلي جانب الحضور والمشاركة في جميع الفعاليات للدعوة والحشد لدعم مصر والتصويت لها. ويضيف أن أهم ما يميز الانتخابات هذه الدورة أن الجميع تفانوا في العمل وأنكروا ذاتهم من أجل تحقيق الهدف الكبير، وهو عودة مصر إلي مقعد الكبار في المنظمة إلي درجة أن قيادات كبيرة كانت تقوم بأعمال بسيطة قد يبدو للبعض أنها لا تليق بها، ولكن الرغبة في خدمة الوطن جعلت الجميع ينسي منصبه في هذه المناسبة. من أبرز المشاركين في الوفد المصري الدكتور إسماعيل عبدالغفار رئيس الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري، الذي قال: إن خريجي الأكاديمية في العديد من الدول العربية والإفريقية يعتبرون سفراء لمصر في بلادهم، خاصة أن كثيرا منهم يتولي مناصب عليا في قطاعات النقل البحري، وبالتالي غالبا ما يتخذ هؤلاء مواقف مساندة لمصر. ويضيف أن الأكاديمية تسعي دائما كمنظمة عربية إلي حشد هذه الأصوات لدعم الموقف المصري والدول العربية التي تترشح لخوض هذه الانتخابات، معبرا عن حزنه الشديد لعدم توفيق السعودية للفوز بهذا المقعد، حيث يمثل ذلك خسارة كبيرة، لأن المملكة دولة كبيرة ومؤثرة في المنطقة، وبالتالي وجودها داخل المكتب التنفيذي يمثل دعما لكل العرب. ويوضح أنه إلي جانب الاستفادة من الخريجين هناك أيضا علاقات وثيقة مع المنظمات والمؤسسات الدولية المعنية بنشاط وخدمات النقل البحري، وفي المقدمة رئيس المنظمة البحرية، الذي تمت استضافته في مصر مع مطلع العام الحالي. ويطالب عبدالغفار بالاستفادة من هذا النجاح الكاسح والبناء عليه من خلال التركيز علي المرحلة المقبلة في ترسيخ الوجود المصري والفعالية في المشاركة داخل لجان المنظمة في صياغة القرارات والتوصيات والمبادرة بتقديم الرؤي والأفكار والاقتراحات التي تضع مصر في المكان المتميز اللائق بها داخل أسرة الملاحة الدولية. وأشار إلي أن المسئولين بدأوا بالفعل منذ اليوم التالي لإعلان الفوز، وذلك بالمشاركة في الفعاليات والاجتماعات الخاصة بالمنظمة. قبل التصويت بساعات، وتحديدا صباح الجمعة 27 نوفمبر الماضي، وفي إحدي قاعات المنظمة، جلس أعضاء الوفد المصري برئاسة الدكتور سعد الجيوشي، والسفير المصري النشيط في لندن ناصر كامل إلي جانب بقية أعضاء الوفد، وبحس السفير المتمرس قال ناصر كامل: لقد أدينا الواجب والمطلوب منا بكل إخلاص وجهد، إلا أنني أشعر بالقلق، وشاركه الوزير في ذلك، لكن يبدو أنه قلق الواثقين، فقد أشار السفير إلي أن هناك تأكيدات كتابية وموثقة من أكثر من مائة دولة سوف تصوت لمصلحة مصر قبل بدء الاقتراع من بينها السودان وقطر وإثيوبيا رغم ما يبدو للبعض أن هناك بعض الخلافات السياسية مع هذه الدول. وقال: إن السفارة شكلت فريق عمل يمثل عددا من أعضائها للتنسيق مع وفد وزارة النقل وجميع المشاركين من مصر، حيث تم ترتيب اللقاءات مع السفراء داخل المنظمة، والذهاب أيضا إلي السفارات الأجنبية للقاء ممثلي ومندوبي الدول المنظمة حتي يتم الحصول علي التأكيدات والحشد في التصويت لمصلحة مصر. الإضافة غير المسبوقة في هذه المناسبة كانت المشاركة والحضور الفاعل من جانب المجتمع المدني، التي تتمثل في عدد من قيادات غرفة ملاحة الإسكندرية، وهم: المهندس أحمد العقاد، ومحمد مصيلحي، وفتح الله عبدالعزيز، وعقب فرحة الفوز بساعات أقام مصيلحي حفلة حضرها وزير النقل والسفير المصري وجميع أعضاء الوفد المشاركين في هذه المناسبة، حيث قدم لهم الوزير الشكر علي هذه المشاركة والدعم والمساندة لمصر. وقد ألقي العقاد كلمة أكد خلالها أن المجتمع الملاحي يمثل الجناح الآخر مع الحكومة لصناعة خدمات النقل البحري، وأن المرحلة المقبلة تحمل آمالا عريضة، وطموحات كبيرة لمستقبل هذه الصناعة، وأن التواصل سوف يستمر بكل قوة مع الدولة في هذا الشأن، خاصة مع تولي محمد مصيلحي رئاسة غرفة ملاحة الإسكندرية عقب انتهاء فترته في يناير المقبل. انتهت الانتخابات وأصبحت مصر شريكا في صنع القرار بواحدة من أهم منظمات الأممالمتحدة، ويبقي السؤال مقلقا: لماذا بعد هذا النجاح الكاسح؟ وكيف نستثمره في دعم موقف مصر إقليميا وعالميا، خاصة في جذب الاستثمارات لصناعة النقل البحري عامة، ومحور التنمية بقناة السويس خاصة خلال المرحلة المقبلة؟!