إن ما يبدو لي اليوم جوهريا, فهو مواجهة النفس, الغوص في النفس بصدق, ومن تعاليم الماضي المدفون الخروج برؤية أوضح للمستقبل, كنا نتكلم عن دقة الكلمات, هل تعلم معني مواجهة؟ أن تواجه العدو في نفسك, وتتعرف اليه, أن تتعلم توقع رد فعلك الذاتي وردود الفعل لدي الآخرين, تواجه حقيقتك وتقبل بها هكذا يتحدث المخرج السينمائي يوسف شاهين في محاورة له مع الناقد سمير نصري نشرت عام1982 ذاكرا أيضا: أيام العملية الجراحية, آلاف الأشياء دارت في عقلي ووجداني, وخرجت بخلاصة جوهرية, اذا كنت لا أحب نفسي فكيف يمكنني أن أحب الآخرين؟ ما هي حقيقتي, ما هي حقيقة الآخرين؟ ................ وبما أن الأفلام السينمائية تثير عادة آلاف الأشياء في عقولنا ووجداننا فان مشاهدتها ثم الحديث عنها وأيضا مناقشتها لهي أمور تسعدنا وتفيدنا وبالتالي لا يمكن تجاهلها أو الامتناع عنها مهما كانت الأسباب والمبررات. انها فعلا بالصوت والصورة السحر الذي لا يمكن مقاومته. خاصة اذا كان الفيلم غوصا في النفس بصدق ومرآة أو مرايا تعكس ذواتنا وحياتنا وأحلامنا وذكرياتنا. هذا ما قلناه منذ عدة سنوات وتحديدا في عام2010 عندما قدم لنا المخرج الكبير داود عبد السيد فيلمه الجميل رسائل البحر بعد غياب دام تسع سنوات بعد فيلمه مواطن ومخبر وحرامي. انه فيلميحرض علي الرقي كما قالت الصحفية الصديقة نجلاء بدير وقتها. فيلم رسائل البحر( بطولة آسر ياسين وبسمة)رسالة في حب العشق والذوبان في الآخرين والبحر والاسكندرية.. و طبعا يحيا البحر الذي لا أفق له ويحيا الخيال الذي لا حدود له. وهذه هي دائما معادلة ومهمة السينما وسحرها. بعد عرض هذا الفيلم كتب الناقد العزيز طارق الشناوي الحصيلة التي قدمها لنا داود حتي الآن ثمانية أفلام روائية.. تعيش فينا أكثر مما نعيش معها.. تشاهدنا قبل أن نشاهدها.وهذه الأيام يعود الينا مخرج الكيت كات وأرض الأحلام بفيلم جديد اسمه قدرات غير عادية بطولة خالد أبو النجا ونجلاء بدر. داود ولد بحي شبرا في23 نوفمبر1946 وعندما كان في العاشرة من عمره تقريبا انتقلت أسرته الي مصر الجديدة. ويحكي داود( كما ورد في كتاب داود عبد السيد أبواب ورسائل من تأليف محمد رجاء) بأنه كان حريصا علي مشاهدة الأفلام الأمريكية في سينما نورماندي بمصر الجديدة. وغالبا ما كان يشاهد أي فيلم مرة واحدة. إلا أنه ذات يوم شاهد فيلم أرفيو الأسود.وحرص علي مشاهدته مرات أخري. والفيلم أضاء له ونبه له شيئا ما. وهو أن السينما فن قد نستمتع به من خلال تكرار المشاهدة أكثر من مرة, وبشكل أعمق وأكثر اشباعا في المرات التالية عن المشاهدة الأولي, مثل الموسيقي والفن التشكيلي,من هنا دخل عندي مفهوم جديد لمشاهدة الفيلم, يتخطي مفهوم الحدوتة حيث تنتهي المشاهدة بمجرد معرفتها وتكرار المشاهدة بالطبعيعني الكثير الكثير جدا بالنسبة للمشاهد وللفيلم ذاته.وأسالوا في هذا عشاق السينما والأفلام في أي مكان وبأي لغة.الناقد الأمريكي الشهير روجر ايبرت له قوله في هذا الشأن اذ ينبه كل فيلم عظيم يجب أن يبدو لك فيلما جديدا كلما شاهدته. ويذكر أيضا في احتفائه بسحر الخيال لهذا السبب يوجد الخيال.. يساعدنا في أن نري الأشياء أفضل مما هي في الواقع. هذا الناقد المبدع احتفي وأشاد علي مدي عقود طويلة بكل ما هو جميل ومبدع ومبهج ومنطلق في عالم السينما والأفلام في أمريكا والعالم كله. وتشهد دور العرض السينمائية في أمريكا هذه الأيام موسم الأعياد وتعرض فيه عادة مجموعة من أفضل الأفلام تسعي للدخول في السباق مع أفلام أخري عرضت من قبل علي امتداد العام من أجل الفوز بترشيحات جوائز أوسكار. وسوف تعلن الأسماء المرشحة يوم14 يناير2016 الساعة الخامسة ونصف صباحا بتوقيت كاليفورنيا. أما حفل توزيع جوائز أوسكار سيكون يوم28 فبراير المقبل. في بداية الشهر الحالي( ديسمبر) كان عيد ميلاد الناقد السينمائي الكبير سمير فريد( من مواليد1943 القاهرة). وقدبدأ ينشر كتاباته منذ عام1962 وعمل صحفيا وناقدا سينمائيا في صحيفة الجمهورية عام.1964 صدر له أكثر من خمسين كتابا مؤلفا ومترجما. سمير فريد ساهم وشارك في مهرجانات سينمائية مصرية وعربية وعالمية. وكتاب سمير فريد مغامرة النقد تأليف وائل عبد الفتاح يلقي الأضواء علي جوانب عديدة وثرية في تجربة ناقد متميز وجاد ومثابر..له بصماته في النقد السينمائي وشاهد عيان ومراقب للمشهد الثقافي المصري علي مدي العقود الخمسة الأخيرة. والكتاب صدر قبل عشر سنوات وبالتأكيد في حاجة الي تحديث واضافة ما أنجزه سمير فريد في الفترة الماضية. سمير فريد صديق عزيز أعرفه عن قرب منذ أكثر من52 عاما.وأري في كتاباته وفي حواراته من يحتفي بالابداع والموهبة ومن يقدر قيمة التأريخ والذاكرة ومن يؤمن بضرورة وأهمية التوثيق. وأيضا أجد فيه من يحث دائما علي توفير المناخ القادرعلي استيعاب الكل واحتضان التجربة الجديدة وحماية حرية التعبير. كما أنه يؤمن بأنذاكرتنا السينمائية مثل ذاكرتنا المكانية والزمانية في مصرهي ذاكرة مديدة وجديرة بالتقدير وبالتالي يجب أن نعتز ونفخر بها وعلينا أن نحافظ عليها ونحميها من الاهمال والنسيان. وعموده اليومي صوت وصورة في المصري اليوم تجسيد لمواقفه ومعتقداته. وقد كتب منذ فترة السينما التي تشهد32 فيلما جديدا في تسعة شهور سينما حية, والسينما التي شهدت منذ عام2000 حتي2014, أي في14 سنة,125 مخرجا جديدا في أفلامهم الطويلة الأولي, نعم مائة وخمسة وعشرين مخرجا جديدا, سينما حية, بل وتفيض بالحيوية. وذكر أيضا: لاتوجد أفلام من الأعمال الفنية الكبيرة,وإنما أفلام جيدة ربما لا تزيد علي عدد أصابع اليد الواحدة, وهذا مؤسف بالتأكيد, ولكن العدد الإجمالي يعني أن الصناعة بخير, بل وكل خير, ودعك من الأصوات التي تنعي السينما المصرية, والتي تطالب بعودة الدولة للإنتاج الهادف, وغير ذلك من الأفكار البالية ................ سحر الفيلم الجميل وسره انه يعشش في قلبك. وهو الفيلم الذي يغريك أن تبحثوتدور أكثر وأيضا يدفعك أن تخاطب وتلاغي وتدلع وتطبطب وتحضن كل ما هو جميل في حياتك.