كيف يمكن مواجهة حملات الاعتداء على المساجد في أوروبا بعد حادث فرنسا الإرهابي؟ وهل قصرنا نحن المسلمين في توضيح صورة الإسلام للخارج وبيان براءة الدين الإسلامي من أفعال «داعش»؟ وما واجب المسلمين تجاه وقائع حرق المصاحف والمساجد وردات الفعل العشوائية والتحريض ضد المسلمين وتنامي ظاهرة «الإسلاموفوبيا» التي تجتاح أوروبا، بسبب تداعيات الأحداث الإرهابية الأخيرة بباريس وعدد من دول العالم. وكيف نواجه استغلال أحزاب وجماعات اليمين المتطرف في أوروبا للأحداث الأخيرة في تأجيج مشاعر الكراهية، وانتهاك حقوق المسلمين والاعتداء عليهم وعلى مقدساتهم، وهو ما يصب في مصلحة التطرف، ويهدد أمن البلاد والعباد، ويولد عنفًا مضادًا لا يسلم منه الجميع. دار الإفتاء المصرية أطلقت مبادرة عالمية للتصدى لتلك الظاهرة وتتضمن المبادرة شرحا لتعاليم الإسلام الصحيحة وتبين الفرق بين الإسلام الحق والتصورات المشوهة التى تروجها الجماعات المتطرفة فى الغرب، وكشف البنية الأيديولوجية لجماعات التكفير. وعلماء الدين يؤكدون أن بيانات الشجب والاستنكار لا تكفي، ويطالبون المؤسسات الدينية فى الدول الإسلامية بإطلاق مراجعات فكرية جديدة لجماعات العنف والإرهاب، وإبراز ثقافة الحب تجاه الآخر. ويقول الدكتور شوقى علام، مفتى الجمهورية، إن المبادرة التى أطلقتها دار الإفتاء تستهدف غير العرب من مختلف بلدان العالم عن طريق عدة آليات يتم من خلالها مواجهة ظاهرة «الإسلاموفوبيا» وكشف البنية الأيديولوجية لجماعات التكفير، وشرح تعاليم الإسلام الصحيحة وتبيين الفرق بين الإسلام الحق والتصورات المشوهة التى تروجها الجماعات المتطرفة فى الغرب، وإبراز تلك الحقائق حول الإسلام بعدد من اللغات المختلفة منها الإنجليزية والفرنسية والألمانية والإسبانية حتى نستطيع الوصول لأكبر شريحة ممكنة، وشرح تعاليم الإسلام الصحيحة وتبيين الفرق بين الإسلام الحق والتصورات المشوهة التى تروجها الجماعات المتطرفة فى الغرب. وكذلك التأكيد من خلال مرصد دار الإفتاء ووسائل التواصل الاجتماعى أن الأفعال الإرهابية يرفضها الدين والإسلام ولا ذنب للمسلمين فى أوروبا بها، وأن مرتكبى تلك الأعمال الإرهابية لا ينتمون للمسلمين، وقلوبنا مع أسر ضحايا الأعمال الإرهابية، ونحن ندين ذلك ونتضامن مع الشعوب التى حدثت فيها الأعمال الإرهابية. الشجب لا يكفي وحول سبل مواجهة ردود الأفعال الغاضبة فى الدول الغربية يقول الدكتور عبد الفتاح محمود إدريس، أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة بجامعة الأزهر، إنه لا تزال الأسئلة تلو بعضها عن سبب هذه الحملات الضارية على الإسلام، والتى يتمثل بعضها الانفعالى فى صورة تمزيق كتاب الله تعالى، أو بيوته فى الأرض، ويتمثل الجواب الطبيعى عنه، بأنه ردة أفعال طبيعية لتقصيرنا نحن المسلمين، وعدم توضيح حقيقة الإسلام بطريقة عملية لا حنجورية، لهؤلاء الذين لا يؤمنون به، فقد أطلقنا غالبا لحناجرنا العنان، لنشجب ونستنكر هذه الأفعال، وما أفضى إلى حدوثها، ولكنا لم نبين للقوم بطريقة عملية - لا حنجورية - أن منهج الإسلام ليس استعمال العنف أو القتل أو الإيذاء، وليس من منهجه بغض غير معتنقيه، وأنه دين لا يفرق البتة بين أتباعه وغيرهم، وكل نصوص الشرع فى الكتاب والسنة تنطق بهذا وتبينه صراحة، حتى إن العوام ليمكنهم فهم هذا دون تفسير أو تأويل أو بيان، وإذا كان فى المجتمع المسلم سفهاء يأتون بأفعال لا يمكن نسبتها إلى الإسلام، فمن المتصور أن الذين قاموا بهدم المساجد وتمزيق كتاب الله تعالى واضطهدوا المسلمين وآذوهم، من سفهاء هذه المجتمعات، ولا يزال فى هذه المجتمعات عقلاء، تتسع صدورهم لغيرهم ولو كان يختلف معهم فى المعتقد والفكر، ونحو ذلك، وإن مما يدعو إلى العجب أن جهات تملك من الآليات ما يمكنها تصحيح صورة الإسلام فى نظر سفهاء المجتمعات غير الإسلامية، إلا أنها شغلت نفسها بإطلاق الشعارات وهى قابعة فى موضعها، أو تراوح فى مكانها دون حراك، وما أسهل الكلام وتدنى أثره فى النفوس، وأقدم المذاهب الإسلامية اتخذت منهج الإقناع بالحجة مع غير المسلمين، حتى صارت لهم مدرسة فى ذلك، كان لها فضل هداية كثير من غير المسلمين إلى الإسلام، فلنتبع نهجهم إن شئنا أو نهج غيرهم، المهم أن نسمع منهم ما يحيك فى صدورهم عن الإسلام وأهله، ونسمعهم ما يزيل من أنفسهم المريضة بغضهم للإسلام وأتباعه، حتى ننزع من صدورهم هذا البغض، ويعلم القاصى والدانى موفدى الجهات الدعوية، ومنهجهم فى البلاد التى أوفدوا إليها، والذى لا يختلف كثيرا عن منهجهم ومنهج غيرهم الحنجوري، الذى يردد فيه المبتعث كلمات تجاوزها الزمن، حفظها منذ أمد بعيد، ولم يعد لها واقع تصدق عليه، ولذا فإن من المتصور أن لا تنتج الأثر المبتغى من بعثه، ولا يجد الناس بعد ذلك إلا الشعارات والأنباء والأخبار، ليعود التساؤل بعد ذلك مرات ومرات، إذا كان من مهمة هؤلاء تصحيح صورة الإسلام، فلماذا ظلت صفحته قاتمة فى نفوسهم. وفى سياق متصل يقول الدكتور أحمد عمر هاشم، رئيس جامعة الأزهر الأسبق، لا وقت للشجب والاستنكار للحملات التى حدثت على المساجد فى أوروبا بعد حادث فرنسا الإرهابي، وأن الإسلام براء من أى عنف وأنه دين سلام، وعلى الدولة أن تتحرك سريعا للقضاء على العنف والإرهاب والمحافظة على أبناء الوطن الواحد كما أن الدور الحقيقى للمؤسسات الدينية بكافة أنواعها أن العلماء هم الصف الأول مع القوات المسلحة والشرطة والشعب، يمثلون الصف الأول لأنهم الذين يوضحون الحلال والحرام، وخطورة الإرهاب ليس على فرنسا فقط، وإنما الإرهاب جاء على المنطقة بأسرها فلابد من عودة الحوار الذى يستهدف الجماعات المتطرفة بإعادتها إلى الرشد والصواب، ومن واجبنا نحن العلماء وأعضاء هيئة كبار العلماء، ورجال الأزهر، فى هذه المرحلة الحالكة من عمر الوطن الذى لم تمر به مرحلة كهذه المرحلة، ويكون الحوار من حيث إعادة المتطرفين الذين يعملون باسم الإسلام أو الجماعات الإسلامية إلى الصواب والمتطرفين إلى الرشد حوارا مفتوحا يستهدفهم جميعا، ويضيف، الأزهر والعلماء ليسوا مقصرين فى ذلك، بل هناك بعثات تنشر الإسلام الوسطى المستنير، والعلماء يقومون بمحاولات كثيرة ومتعددة للقضاء على الفتن ونشر الرسالة الإسلامية السمحة من خلال قوافل تنطلق إلى سائر المحافظات وتسير على نفس الخطى إن شاء الله. مدعوة بقوة من جانبه يؤكد الدكتور محمد الشحات الجندى، الأستاذ بجامعة الأزهر وعضو مجمع البحوث الإسلامية، أن ميراث الفكر المتطرف على أرض الواقع لجأ إلى وسائل التطرف والعنف الذى صاحبته ممارسات شريرة وأدت إلى إثارة الرعب والفزع بين أبناء الدين والوطن الواحد، كما تشهده الساحة على امتداد دول العالم العربى والإسلامي، ومن هنا يصبح دور المؤسسات الدينية فى عالمنا العربى باعتباره (قلب الأمة الإسلامية) أمرا واجبا على أساس أن هذه المؤسسات الدينية وعلى رأسها الأزهر الشريف، مدعوة بقوة، بموجب أنها المكلفة والأمينة على توصيل الفكر الإسلامى الصحيح وإصدار الفتاوى التى تعبر عن صحيح الشريعة والالتحام بفئات المجتمع المختلفة وخاصة الشباب منهم الذين طالهم العديد والكثير من هذا الفكر الضال الذى تمثل فى عمليات ضد أبناء دينهم ووطنهم فى أماكن متعددة وما نشاهده فى الميادين أو الشوارع، وتفاقم هذا الأمر حتى أصبحت المنطقة بأسرها ساحة للاقتتال والعنف والإرهاب، والإسلام براء من ذلك، وهذا الأمر يهدد بتقسيم الأوطان ووجود حروب بين أبناء هذه البلدان، وهو ما حذر منه النبي، صلى الله عليه وسلم، حينما قال: (لا ترجعوا بعدى كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض). لغة التسامح ويقول الدكتور محمد جميعة، رئيس لجنة إشهار الإسلام بالأزهر وعضو بيت العائلة، إنه للأسف اختفت لغة التسامح، التى يتشدق بها بعض دعاة الديمقراطية فى الغرب، ودعاة الانتهازية التى نراها ونعيشها، مع أن التسامح يعنى احترام التعددية الدينية والعرقية والثقافية والحضارية، وقبول رأى الآخر، مهما كان مخالفا لرأيه، لأن بغض الرأى الآخر يعنى ضعف الحجة، فالتسامح بهذا المعنى ليس واجبا أخلاقيا أو إنسانيا فحسب ولكنه واجب شرعى وقانوني، لأن عكس التسامح يعنى التعصب والعنف، وهو اتجاه نفسى وسلوكى لدين بعض الناس فى كثير من أنحاء العالم الذى يتخذون مواقف متصلبة ومتشددة فى الرأى والسلوك، كما حدث الآن فى موضوع حرق المصاحف تجاه بعض القضايا، والتى تعتبرها حقيقة مطلقة، وكل ما عداها خطأ وكفر، وهذا له أشكال متعددة، فعلى الصعيد الفكري، يقوم المتعصب أو المتشدد فى أى ملة، وفى أى حضارة سواء فى الشرق أو الغرب، على تحريم حق التفكير، والتعبير لدى الآخر، وتجريم من يتجرأ على ذلك. واجب علينا وأشار الدكتور جميعة إلى أنه من الواجب علينا أن نتعاون جميعا ونتكاتف فى تقديم الصورة السمحة للإسلام لأن كثيرا من المسلمين أصبحوا منفرين لدينهم سواء من تصرفاتهم أو أخلاقهم، فهذه مسئولية المسلمين بصفة عامة، ومسئولية خاصة للمؤسسات الدينية، وعلى رأسها الأزهر الشريف، أن يكون لها إستراتيجية شاملة، وألا تعمل المؤسسة على المستوى الإسلامى بسياسة الجزر المعزولة، لأننا الآن نعمل برؤية شاملة، لأن الطامة تطال الجميع مما يستوجب تكثيف الهمم، وبذل الجهد بإخلاص، حتى يزيل الله بهذا الغمة.