بينما ينتظر الحالمون برائحة المطر الشتاء ، ويتوق المثقلون بذنوب النفس لتطهير حمل صدورهم ببردها ، ويلتقط العارفون قطرات المطر احتضانا لملامستها فضاء السماء ، يكون هناك فى بقعة أخرى من البلاد قرى وأناس تخشى مجيء الشتاء ، لا تستطيع تحمل أعبائها ، لا تجد ماتتستر به من الشتاء. فبينما واجه 3 أشخاص العام الماضى الموت بردا ،تهدمت الأسقف الخشبية على رؤوس أصحابها هذا الشتاء، ثمة قرى لاتستطيع أن تهنأ بهدوء ليالى الشتاء العطرة برائحة مطره، فهم يرقبون أشياء أخرى ، تتعلق بتوفير الأغطية والبطاطين والملابس الثقيلة للتستر من البرد ، يبحثون عن "مشمعات بلاستيكية " للاحتماء من عراء أسقف منازلهم ،يتطلعون إلى أيادى الخير التى بإمكانها أن تنتشلهم من شدة الشتاء عليهم. ففى قرية أبو المطامير بالبحيرة أوضح د . احمد شلبى صعوبة الأوضاع المعيشية داخل قرية بريك يونس وعزبة عاشور والنجيلى قائلا إن بيوت هذه القرية تخشى حلول الشتاء لتضررها الكبير ، فالبيوت أسقفها من الأخشاب ، وإذا ماسقطت الأمطار تغرق هذه البيوت ، خاصة أنها لا ترتفع عن مستوى الأرض وهو مايسهل غرقها ،قائلا إننا نسعى لتغطية أسطح تلك المنازل «بمشمعات بلاستيكية» حتى لا تغرق، مضيفا أنهم ينقصهم توافر بطانيات ومراتب وسرائر كذلك فهم محرومون من كل ذلك. أما هانى غريب من البحيرة فقد أشار الى ان عزبة الخوصمه وعزبة عبد الغنى وعزبة مرسى بدت الشتاء أكثر رعبا بالنسبة لهم فقد خسر الف مزارع محاصيلهم جراء الأمطار الأخيرة، هذا بالاضافة الى أن البعض منهم يعيش بالعراء، ويبيتون بالمساجد، هذا فضلا عن أن الطرق لاتتحمل أمطار، فهى فى أغلبها طرق ترابية تغرق بالمياه ، مضيفا أن كوبرى عسل وهو الكوبرى الوحيد المؤدى الى بيوت عزبة عسل منهار تماما وبه فتحات كبيرة تظهر الترعة من تحتها، ويمر عليه الأطفال والكبار. أما محمود عثمان أحد الذين فاجأهم الشتاء بما لم يكن يتوقع، فقد هدم بيته وبات بالعراء يأوى الى المسجد هو وأسرته ليلا دون أغطية أو فروشات فكلها أكلتها أمطار الشتاء. وليس الحال عنها ببعيد فى قرية المعابدة فى أسيوط، فعبد التواب مرسى من أسيوط يقول إن المعابدة تحتاج الى توفير بطانيات عاجلة، فهناك أسر بها يقتصر دخلها على مزتبات الشئون الإجتماعية التى بالكاد تكفى سد جوعهم، كما أن البيوت كثير منها شيدت بالطوب اللبن والخوص، لايصلهم أية مرافق، وأفقر قراها فى عزبة المطرة وجسر الدابة وعشوائيات الكيمان، وفى الوقت نفسه فإن الطرق بها لاتتحمل أية أمطار، فطريق المعابدة ابنوب متهالك بالكامل، وطريق مدافن المعابدة فى الجبل ووعر ،وطريق المعابدة الغربية المصرف ليس افضل حالا منهم ، وإذا كان الأحياء باتوا يخشون الشتاء فالموتى أيضا غرقت أجسادهم بعدما غرقت المدافن بالمياه ، فهذه القرية الفقيرة تعيش حالة من نقص الخدمات الشديدة فالقرية التى تضم 120 الف نسمة بها مدرستين ان ، وتخلو من المستشفيات باستثناء وحدة تنظيم الأسرة ، فهذه القرية جبلية يعانى سكانها لدغات العقارب إلا أنهم لا يستطيعون الحصول على مصل العقرب فيها، كما أنها تخلو من وحدة إطفاء حرائق حتي، فسكان هذه القرية لايخشون الشتاء وحدها، لكنهم يخشون كل شيء . ثمة مآس أخرى ،يعيشها سكان بعض القرى فى الاسكندرية ،جعلتهم يخشون هذا الشتاء، فبين أناس سكنوا فوق الجبال فى منطقة جبل مهران بالقباري، تنهار منازلهم واحدا تلو الآخر بفعل الذين جنوا بالتنقيب عن الآثار فى بطن الجبال، والتى لاتتحمل سقوط أمطار جديدة على أساستها المتهالكة، وإلى منطقة نجع العرب بالورديان، تلك القرية التى غرق أهلها فى الصرف الصحي، القرية بالكامل غمرت جميع مساكنها بمياه الصرف والملاحة ،لكن الدولة لم تسكت ،فقد قطعت عنهم الكهرباء منذ 15 يوما خوفا من حدوث الكارثة بعد طوفان المياه الذى فتح على القرية المنكوبة ،وباتت كل منازلها آيلة للسقوط, وبالمقابل فإن قرية الجزائر أيضا بالكيلو 42 طريق مصر اسكندرية الصحراوى ارتفع منسوب مياه الصرف فيها مما أدى بالنهاية لغرق منازل القرية جميعا وغمر الاراضى بمياه الصرف وموت المواشى وهبطت الأرض، وبات الهروب هو المفر الوحيد أمام أهالى القرية ، لكن البعض لم يكن يملك إيجاد مهرب فبقى فيها رغم ماحدث، وقطعت الدولة الكهرباء ايضا عنهم خوفا من ملامستها للمياه التى غمرت البيوت، وتعيش قرية الجلاء بالعامرية وعشش منطقة مأوى الصيادين بالقبارى والدخيلة غرب الاسكندرية نفس ظروف قرية الجزائر، وليس عنهم ببعيد منطقة باب العبيد التابعة لأبيس الثامنة، تلك القرية التى ليس لها وسيلة مواصلات تمكنك من الدخول اليها سوى التروسيكل، وبغض النظر عن ذلك فهى عبارة عن قرية وسط مصرف سيدى بوغازى كل منازلها غرقى ايضا، تشاركها نفس الظروف منطقة زاوية عبد القادر غرب المدينة، وهى قرية شديدة الفقر، يضطرون لاستعمال الفلوكات للخروج من القرية عندما تمطر السماء. وإذا كنا قد سردنا نبض الناس فى تلك القري، فإن ثمة ظروف معيشية مماثلة، تجدونها فى قرى وعزب يوسف الصديق بالفيوم، ليس عنهم ببعيد نزلة خاطر فى سوهاج وأجهور الصغرى بالمنوفية وطويرات فى قنا والكلح فى اسوان، ولن ينتهى السرد فى تلك القرى وغيرها التى تصل الى 1153 قرية فقيرة وفقا للإحصائيات الرسمية، كلهم يخشون شدة وقسوة الشتاء عليهم .. فهل يجدوا من يتحرك لمساعدتهم ؟.