أحداث فرنسا الإرهابية فى 13 نوفمبر ستصبح محطة مهمة فى تاريخ العالم اجمع ، ويتوقع معظم المحللين السياسيين أن العالم على اعتاب مرحلة جديدة لن تقل فى تصرفاتها عن احداث الهجمات الإرهابية التى شهدتها الولاياتالمتحدة عام 2001 ، فأحداث نوفمبر المؤلمة لن تقل أهمية عن أحداث سبتمبر الصعبة ولكن ستزيد عليها بفعل الشحن الزائد عبر مواقع التواصل الاجتماعى . فبعد ساعات قليلة من الحادث فاجأ مؤسس موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك»، مارك زوكربيرج، رواد الموقع من مختلف الجنسيات حول العالم بالدعوة إلى تغيير صورة بروفايلات صفحاتهم الشخصية، إلى علم فرنسا، تضامنًا مع الشعب الفرنسى ضد الإرهاب. نجح التطبيق الذى أطلقه موقع فيس بوك لإضافة ألوان العلم الفرنسى الثلاثة إلى صورة البروفايل الموجودة بالفعل لدى المستخدم لإظهار تعاطف الشعوب الأخرى مع الشعب الفرنسي. بالإضافة إلى ذلك فإن استخدام الهاشتاج القوى ساعد على انتشاره الاحداث المتلاحقة الكبيرة والتفاعل اللحظى تحت عبارة واحدة ، فقد تصدر هاشتاج «Pray For Paris» التدوينات على موقع تويتر لتحقق رقماً قياسياً . تتسابق الآن على الساحة السياسية العالمية العديد من التيارات الفكرية وتتنافس الأيدلوجيات الكبرى فى كيفية إقناع الناس بالمباديء والمعتقدات للتيارات المختلفة فى محاولات جدية لكى يقوم الفرد الجالس على الشبكة الدولية بالدعم لتلك الأفكار والسياسات ، ويقوم المسئولون الإعلاميون عن الحملات السياسية بإستخدام جميع الوسائل والآليات لمحاولة التسويق لقضية أوالدعاية لأفكار سياسية ، ولأن الهدف الرئيسى من تلك الحملات هو التواصل مع الناس على مستوى العالم فى ظل فكرة المواطنة العالمية فقد أولى مسئولو تلك الحملات فى الفترة الأخيرة اهتماماً كبيراً بالوسائل الإلكترونية والأنترنت وأدوات الشبكات الاجتماعية والإخبارية ، ومن هنا برز مصطلح آخر ظهر أخيراً وهو الإعلام الاجتماعى Social Media أو الإعلام الجديد، فبعد أن كان التليفزيون ثم فى وقت لاحق القنوات الفضائية والاخبارية المتخصصة هى محتكر المعلومات من خلال الوسائل الإعلامية التقليدية ، أصبحت اليوم المعلومات تنتشر بطرق جديدة تمامًا غيرت الأفكار السائدة ، من خلال وسائل الإعلام الجديد من مدونات، شبكات اجتماعية ... إلخ. بالمقارنة بالحالة المصرية تعرضت مصر خلال السنوات الأخيرة لهجمات إرهابية فى سيناء وغيرها للتأثير على القرار المصرى ولخدمة تيارات الإسلام السياسى وفكرة الخلافة ، وفى كل مرة وبدلاً من استغلال الدعم لقضيتنا نهدره فى جدل عقيم بين الإهمال والتقصير ومدى تغلغل تلك العناصر وقوتها من ناحية ، وفى المقابل من الممكن الاستفادة من الأساليب التكنولوجية والشبكات الاجتماعية كوسيلة للربط والوحدة فى ظل التنوع ، فنحن لدينا فرصة ذهبية وهى وجود الشباب بصورة كبيرة على الانترنت وهم طاقة يمكن إستغلالها بصورة جيدة ليشكلوا حائط صد ضد كل محاولات التشتيت والتفرقة بعيداً عن قضايا الأمة الحقيقية والمصيرية ، وحين نستطيع تجاوز تلك الخلافات نستطيع تحقيق القوة الحضارية للعرب . نقطة أخرى مهمة عند تفسير ماحدث وهى استخدام الصورة الرقمية على مواقع التواصل الاجتماعى للتضامن مع الأحداث ؛ فعصرنا هو عصر تكنولوجيا المعلومات الحديثة وأدوارها فى مختلف مناحى الحياة ، ورأيى إن كان يمكن تخصيص سمة العصر أكثر من ذلك لأطلقنا على العصر « عصر الصور الرقمية» التى أضافت أبعاداً عديدة فى الرؤية والتفسير للظواهر المختلفة . إن صورة واحدة قد تستفز مجتمع بأكمله للقيام برد فعل قوى وربما تساعد على إشعال الأجواء السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية . وقد لعبت الصور التى انتشرت على الجروبات والأحداث والصفحات الشخصية والرسمية على الفيس بوك دوراً كبيراً فى شحن الجماهير وخروجهم إلى الشارع خلال ثورة 25 يناير . وهكذا نطقت الصورة بالثورة وأطلقت أولى الطلقات التى استقرت فى قلب النظام ليسقط بعد ثمانية عشر يومًا من النضال الذى بدأ من الفيس بوك واستمر يستكمل مراحله فى الشارع بمشاركة جموع الشعب المصرى وأنتج أول ثورة اجتماعية إلكترونية عرفها التاريخ الصورة قد تنطق بملايين الحروف وألوف الكلمات ومئات السطور وعشرات الصفحات و تكون بمثابة كتاب كامل متكامل الأفكار .الصورة قد تنصف بريئاً وقد تدفع بمتهم إلى مصيره المحتوم فى غياهب السجون ، قد تساعد فى كشف سر كبير وتظهر الحقيقة وقد تساعد فى التعتيم والتضليل لمصلحة فرد أو جماعة ما .الصورة هى وثيقة الماضى و مشهد الحاضر و مصير المستقبل . نحن نحتاج إلى أن نستخدم الوسائط الاجتماعية فى إنتاج وحدة وطنية وعرض مطالبنا القومية واهدافنا المستقبلية ، بدلاً من أن نترك الشباب ضحية لأفكار تدمر عقولهم فى ظل محتوى إلكترونى ضعيف فمازالت حتى الآن المبادرات لدعم المحتوى العربى قليلة ، ولاتوجد منصة إلكترونية لزرع افكار أساسية كالحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية ويلتف حولها الشباب وينتجوا إبداعاتهم وأفكارهم للتطوير والتحديث لمصلحة الوطن . لابد من الاهتمام بالسياسات الثقافية الجديدة و قضية المحتوى على الأنترنت ، خاصة أن عدم وجود محتوى جيد أو حتى وجود محتوى هلامى غير ناضج شيء سيعود بنتيجة سيئة على الجيل الجديد ، فعلى الرغم من أهمية الشبكات الاجتماعية والإخبارية فإنها بدون صياغة جيدة و ثقافة تقوم على أسس وأخلاقيات المجتمعات تصبح ترسيخا لقيم مادية لا تضع مجالا للإنسان أو قيمه أو طموحاته أو مستقبله الشخصى والمهنى .