لقد كانت مصر سباقة إلى التنبيه على خطورة الإرهاب والفكر المتطرف الملتحف بالدين، فدعا الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى مواجهة هذا الفكر بفكر الإحياء الذى هو عقيدة الإسلام (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ)،(وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا)، (أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ)، (لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا). وكرر دعوته غير مرة إلى المؤسسة الدينية لكى تستشعر المخاطر التى أدت إلى اتساع رقعة سفك الدماء على رقعة الإحياء. فسيرت المؤسسات الدينية القوافل الدعوية شرقا وغربا، ولم تأل جهدا ولا وسعا فى الندوات والمحاضرات والصالونات والمؤتمرات.. إلخ.. ولكن كل هذا ليس بكاف لدحر الإرهاب، وما زال المأمول من المؤسسة أكبر من المعمول به. فى إدارة الوعظ بمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، يتم تسيير مئات القوافل الدعوية إلى المحافظات، والمراكز والتجمعات الشبابية، والجامعات، والهيئات والمصانع، والمناطق النائية، وكان آخر تلك الجهود انطلاق قوافل دعوية الى شمال وجنوب سيناء وشرم الشيخ والمناطق السياحية بعد حادث الطائرة الروسية ،الذى القى بظلال سلبية على السياحة فى مصر. وعلى الرغم من العجز الواضح فى عدد الوعاظ وعدم كفاية الرواتب والبدلات المخصصة لتسيير القوافل الدعوية، فإن وعاظ الأزهر الشريف أخذوا على عاتقهم مواجهة الفكر التكفيرى ونشر مفاهيم الدين الإسلامى الصحيحة فى كثير من المناطق التى وقعت تحت وطأة الإرهاب. ولكى لا يفتر الحماس وتشجيع نفوس الدعاة والعلماء ينبغى ألا أن نجعل الدعاة فى آخر الصفوف وتوفير من العدالة الاجتماعية والمعيشة الإنسانية الكريمة لهم، لكى يستطيعوا أن يتفرغوا ويرابطوا على ثغور الإسلام التى بدأت تنقص من دعاوى الإرهاب. يقول الدكتور محيى الدين عفيفي، أمين عام مجمع البحوث الإسلامية: إن إدارة الوعظ فى المجمع تقوم بأدوار مهمة منها تزويد المسلمين فى أنحاء العالم بالكتب والمراجع الإسلامية، وتعمل أيضا على إقامة الأنشطة الثقافية للطلاب الوافدين فى مدينة البعوث الإسلامية، وطرح قضايا عصرية، تهدف من خلالها إلى تحصين وتحذير الوافدين من تسرب الفكر التكفيرى التى تقوم الجماعات التكفيرية بتسويقه عبر المواقع الإلكترونية، كما نعمل على وضع البرامج العلمية التى تعمل على التكوين العلمى الرصين لهؤلاء من خلال منهج الأزهر الشريف فى نشر وبيان معالم الوسطية والسماحة واليسر والاعتدال ورفع الحرج ومراعاة مصالح الناس، وأهمية فهم بُعد الزمان والمكان والحال، وتأثير ذلك على الفتوى التى تتغير حسب تلك الأمور. موضوعات عصرية وأضاف ان القوافل الدعوية تؤدى دوراً توعوياً فى بيان التعاليم السمحة للإسلام، ونشر الإسلام الوسطي، وذلك من خلال طرح موضوعات عصرية يحتاج إليها المواطن فى حياته، خاصة فى ظل حالات التضليل والتزييف التى تمارس باسم الدين، من خلال ما تقوم به الجماعات التكفيرية التى تقتل وتذبح وتحرق باسم الدين، وتمارس تجارة الرقيق الأبيض، كما أننا نركز من خلال القوافل العلمية على التجديد فى طرح الموضوعات المعاصرة، مما يدور الجدل حولها، ونرشد الوعاظ إلى أهمية النظر فى واقع الناس عند اختيار المسائل الدعوية، بالإضافة إلى التركيز على صلب الموضوع بعيداً عن الأساليب الإنشائية التى تؤدى إلى نفور الناس، وتعمل القوافل العلمية على التركيز على شريحة الشباب، وتلمس اهتماماتهم ومعرفة المداخل المناسبة لخطاب تلك الشريحة من الشباب، ولذلك أصبح للدورات التدريبية دور كبير فى تنمية قدرات الوعاظ وتأهيلهم التأهيل العلمى المناسب للقيام بتلك المهام الصعبة. وأوضح أن هذه القوافل عملت وتعمل على شريحة الشباب كى تحصنهم من الأفكار المشوهة التى تتبناها جماعات العنف والتكفير، ونرى آثارا ملموسة على الأرض لتلك الجهود العملية التى تقوم بها تلك القوافل، ولدينا قوافل نسيرها لمدن القناة فى شمال سيناء وجنوبها والإسماعيلية وبورسعيد ومطروح وأسوان وحلايب وشلاتين والبحر الأحمر والوادى الجديد، ولمس الناس بشكل واضح جهود الأزهر فى كل المشاهد، بل هناك قوافل إغاثة لشمال سيناء ليس على المستوى الدعوى فقط، بل قوافل تحمل معونات وإغاثات ويرافقها الدعاة لتوضيح حقائق الإسلام وتحذيريهم من الأفكار التكفيرية. تبليغ الدعوة ويقول الدكتور سعيد عامر، الأمين العام المساعد للدعوة والإعلام الدينى ورئيس لجنة الفتوى بالأزهر: إن وعاظ الأزهر الشريف يبلغون دعوة الله بالحكمة والموعظة الحسنة بما يناسب المكان والزمان، فى جميع مؤسسات الدولة، من القوات المسلحة ورجال الشرطة، وقصور الثقافة ومراكز الشباب، والنوادى والمدارس والمعاهد، وغير ذلك من مؤسسات الدولة، وتقام المحاضرات والندوات صباحا وظهرا وعصرا ومساء، وهناك قوافل دعوية أحيانا يكون معها معونات اجتماعية (غذائية وطبية، وأطباء ودواء) فى ربوع مصر، وتكون هذه القوافل من أساتذة الجامعة، ووعاظ الأزهر الشريف، بالتنسيق مع المحافظة ومديرية الأوقاف والتربية والتعليم، وكذلك الشباب والرياضة، ويكون عمل القافلة ندوات بالمساجد ومراكز الشباب والنوادى ومحاضرات فى المدارس صباحا، بالتنسيق مع وكيل التربية والتعليم بالمحافظة. من جانبه، أكد الشيخ عبدالعزيز النجار، مدير عام شئون مناطق الوعاظ بالأزهر، أن عدد الوعاظ على مستوى الجمهورية يقترب من 2500 واعظ، وجار الآن تعيين 2205 واعظين 1000 من الذكور و 500 من السيدات، و705 من حاملى اللغات الحاصلين على مؤهلات إسلامية أزهرية بالإضافة إلى دراسة أى لغة، للاستعانة بهم لنشر الإسلام الصحيح عن طريق البعثات ومواقع التواصل، وهذه لأول مرة تحدث فى تاريخ الوعظ، وهذا العدد سيقترب من 5000 وبرغم ذلك لا يتناسب مع التعداد السكانى 95 مليون نسمة، وهذا العدد لا يكفى فالقاهرة وحدها 10 ملايين نسمة مقابل 65 واعظا فكيف يكفى ذلك على هذا العدد، ونطاق عملنا ليس مقتصرا على المساجد، ولكن نعمل فى التجمعات بالتعاون مع القوات المسلحة والشرطة على مستوى الجمهورية ومراكز الشباب، والنوادى والمعاهد والمدارس الحكومية وبعض الجامعات وبعض العشوائيات. العدالة الاجتماعية وأضاف: إننا نقوم بتغطية الأماكن التى لا تستطيع الأوقاف الوصول إليها نظرا لانشغالها بالمساجد وهذا عملها الأصيل.. أما عن الرواتب والبدلات فهى غير كافية لسد الحاجات الأساسية لعلماء الوعظ، مما يؤثر سلبيا على الأداء، فينبغى على المسئولين فى الدولة، أن يعتبروا أن الدعوة والدعاة المعينين أمن قومى لمصر بل للعالم كله، فهم يحتاجون إلى الرعاية والعناية وتوفير المسكن الملائم لهم، وإحساسهم بالعدالة الاجتماعية، فهناك مؤهلات عليا مثلهم ويتقاضون رواتب تفوق الدعاة بكثير، ويحققون وضعا اجتماعيا مرموقا، بينما الداعية يظل فى انحدار مما يجعل عنده فتورا فى الأداء الدعوي، والعدالة الاجتماعية تعطيه دافعا قويا على الصمود فى وجه أعداء الوطن.