لا مراء اليوم فى أن ما أصدرته موسكو من قرارات حول وقف رحلات «مصر للطيران» الى موسكو، كان لا بد ان يستند الى قرائن وأدلة قد تكون أبلغت بها الجانب المصرى فى حينه .. او على الاقل أوعزت اليه بها. لكن ما لا مراء فيه اليوم ايضا ان العلاقات المصرية الروسية لا بد ان تكون اكبر واقوى من ان تهتز تحت وقع قرار او حادث ارهابى لا احد يمكن إلا ان يعترف بجسامته، وبفداحة تقصير هيئات او أفراد لا بد ان يعمل الجانبان المصرى والروسى على استيضاح هويتهم ومحاسبتهم بأقسى انواع الحساب . بالامس أعلن الرئيس بوتين عن اسباب سقوط طائرة الركاب الروسية فوق سيناء. وقال ألكسندر بورتنيكوف رئيس جهاز مخابراته ان عبوة ناسفة يدوية الصنع جرى تهريبها الى داخل الطائرة أدت إلى تحطمها فى سيناء. وذلك ما يفسر ما سبق أن اتسم به قرار السلطات الروسية حول حظر طيران رحلات مصر للطيران من «قسوة وحدة «، وما قد يعنى ايضا ان موسكو سبق وأن ابلغت الجانب المصرى باشارات تفيد ذلك. بالامس فقط أماطت موسكو اللثام عما سبق وأن كان طى الكتمان طوال الايام القليلة الماضية منذ اتخذت موسكو قرارها حول وقف رحلات «مصر للطيران». وكانت موسكو قد باغتتنا به فى توقيت بالغ الحرج كانت فيه مصر ولا تزال، فى امس الحاجة الى من يتفهم مواقفها، ويشد من ازرها فى مواجهة التنظيمات الإرهابية التى تواجهها قواتنا المسلحة فى شبه جزيرة سيناء ومواقع اخري. صدر هذا القرار بعد سلسلة من التصريحات الرسمية لم تكن تعنى سوى ان موسكو تتفهم جيدا الموقف الراهن فى المنطقة. وكان الرئيس بوتين استبق ما عداه من مسئولين بتأكيد ضرورة عدم تعجل اصدار الاحكام والتريث الى حين الانتهاء من التحقيقات. بل وانتقدت موسكو الرسمية فى حينه ما صدر عن وزير خارجية بريطانيا فيليب هاموند من تعليقات تقول بوجود «احتمال قوي» لوقوف «داعش» وراء كارثة سقوط طائرة الركاب الروسية. وقال دميترى ميدفيديف رئيس الحكومة الروسية «أنه يعتقد أنه من السابق لأوانه استخلاص أى نتائج حول أسباب تحطم الطائرة». من جانبه اعلن دميترى بيسكوف الناطق الرسمى باسم الكرملين: «لا يحق لأحد باستثناء فريق التحقيق تقديم أى فرضيات أو التخمين بشأن أسباب الحادث». ووصفت السلطات الروسية ان مثل هذه التصريحات والتقديرات التى صدرت وتصدر عن جهات لا علاقة لها بجهات التحقيق فى لندن وواشنطن حول اسباب سقوط الطائرة الروسية بانها «غير جديرة بالثقة». وكانت ماريا زاخاروفا الناطقة الرسمية باسم وزارة الخارجية الروسية انتقدت بدورها ما قاله وزير الخارجية البريطانية ، بوصفه ضمنا انه يملك من المعلومات ما لا تعلمه جهات التحقيق، وهو ما يستوجب قيامه بتسليم هذه المعلومات او الاعلان عنها. كما حذر الكسندر نيرادتشكو رئيس هيئة الطيران الروسية من مغبة تعجل اصدار الاحكام، فيما اكد ان ذلك ليس سوى «خيالات واوهام» لا اساس لها فى الواقع، وكلها تصريحات كانت تقول بموقف عقلانى من جانب السلطات الروسية، وتسقط عمليا كل الاتهامات التى تناثرت فى حق الكرملين وتلقتها مصر ومواطنوها بالكثير من الدهشة الممزوجة بالشديد من الآلام. الآن علمنا .. لماذا فعلتها موسكو؟.. وكانت موسكو اعلنت اكثر من مرة عن ارتياحها لمواقف السلطات المصرية وتعاونها مع موسكو الى اقصى الحدود. بل وسجل مراسلوها الذين اوفدتهم الى القاهرة مدى تعاطف المصريين ومواساتهم فى ضحايا الحادث الاليم. فماذا حدث؟ لماذا غيرت موسكو موقفها بمثل هذه السرعة وعلى مثل هذا النحو من الحدة؟ فما ان اعلن الكرملين عن مكالمة هاتفية اجراها الرئيس بوتين مع ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطانى حتى توقفت عقارب الساعة وراحت تخيم على الافق ظلال كئيبة. قالوا ان كاميرون اطلع بوتين على معلومات وتسجيلات تتصل بالحادث وهو ما استند اليه قرار الرئيس بوتين حول وقف الطيران الروسى الى مصر واجلاء الرعايا والسائحين من هناك. وكان للقرار والخبر وقع الصاعقة. صحيح ان الكرملين عاد وقال ان القرار يتعلق فقط بالسائحين ولا ينسحب على كل الرعايا .. وصحيح ان موسكو عادت وقالت انها لن تسحب فورا كل السائحين وتركت لهم حرية الاختيار لاستكمال اجازاتهم .. لكنه من الصحيح ايضا انها كانت قاطعة فيما يتعلق باعلان ترجيحها فرضية العمل الارهابي، وإن عادت لتقول بضرورة التريث وعدم تعجل اصدار الاحكام قبل اعلان لجان التحقيق عن نتائج عملها. وكانت «اللجنة الوطنية لمكافحة الارهاب» اول من استبق الاحداث بتوصيتها حول «ضرورة حظر الطيران الى مصر»، وهو ما استند اليه الرئيس فلاديمير بوتين فى قراره الصادر حول هذا الشأن فى السادس من نوفمبر الحالى . قالت ب «وقف الخطوط الجوية مع مصر».