تعد وصيته بأن يدفن فى صنعاء رغم خصومته للمسيطرين عليها حاليا مؤشرا مهما ورسالة إلى كل اليمنيين بأنه ليس هناك أغلى من الوطن، ومؤملا أن تفصح دموعهم المتناثرة فى وداعه عن رسالة إلى المتقاتلين بأن يكفوا عن سفك الدماء . كان الإريانى من أبرز رجال النظام السياسى والحزب الحاكم، حتى عام 2001، الذى ترك فيه آخر منصب حكومى تنفيذى كرئيس للحكومة، وانتقل بعده إلى منصب المستشار السياسى للرئيس غير أنه بقى أميناً عاماً للمؤتمر الشعبى حتى عام 2005، ثم النائب الثانى لرئيس الحزب . وسواء إعترف على صالح أو أنكر فإن فضل الدكتور عبد الكريم الإريانى عليه فى فترة حكمه واضحة للعيان وظاهرة على مدى الأيام، فقد رسم له كافة ملامح العلاقات الخارجية خاصة وقت الحرب العراقية الإيرانية التى دعم فيها صدام حسين ولم يخسر إيران، ويعود الفضل للإريانى فى توجيه سياسة اليمن المعتدلة إزاء كافة التكتلات الإقليمية والدولية، فمع أنه لعب دورا فى إنضمام اليمن إلى مجلس التعاون العربى عام 1989 والذى كان يضم مصر والأردن والعراق واليمن، إلا أنه كان الفارس الرئيسى فى معالجة قضية الحدود مع السعودية والتى بدأت عام 1995 وتوجت بإتفاق عام 2000 بترسيمها بشكل نهائى وإستفاد صالح من تحفظ الإريانى فى سياسته تجاه دول الخليج حتى أنه كان يطرح فى بعض الأوقات أنه بعثى الهوى، كما أدار ملف إستعادة جزيرة حنيش التى إستولت عليها أرتيريا عام 1998 بحنكة ومهارة عبر التحكيم الدولى، ولا ينسى اليمنيون جهود الإريانى أثناء أحداث 11 سبتمبر فى أمريكا وإحتوائه للغضب الأمريكى الذى أوشك على توجيه ضربات عسكرية إلى اليمن وتصنيفها كدولة راعية للإرهاب . كان الإريانى لسان صالح الفصيح ومبرمج أفكاره وتواصله إلى العالم، وأدار بإقتدار كافة الملفات الشائكة فى العلاقات الدولية وجعل التوازن والإعتدال منهجا ثابتا إستطاعت اليمن بموجبه أن تستفيد من المعسكرين الشرقى والغربى دعما إقتصاديا وتسليحا، وظل الإريانى على إخلاصه لصالح حتى تبين له عقب إنتفاضة الشباب عام 2011 أن الرجل لا يستطيع البعد عن السلطة وأنه ما يزال سببا رئيسيا فى حياكة المؤامرات وإرباك النظام السياسى وخلط الأوراق متماهيا فى شق صفوف الجيش والأمن، فرفض الإريانى ممارسات صالح لإضعاف الرئيس الشرعى، لكن تحالف صالح مع الحوثيين وإصراره على هدم المعبد فوق كل الرؤوس جعل الإريانى يعلن صراحة تحديه له وغضبه منه، وترك اليمن صامتا لفترة ثم إنضم إلى شرعية الرئيس عبده ربه منصور هادى كمستشار سياسى له فى الرياض وفى ظل مشهد اليمن القاتم هل يمكن أن يؤثر غياب الرجل فى مراجعات سياسية وتقارب بين الأطراف المتحاربة إحتراما لتاريخ الرجل وحرصه على تضميد الجراح، أم أن شهوة الدم التى كان يحاول الإريانى ترويضها ستنطلق بلا ضابط مطيحة بكل آمال التسوية السياسية ؟ هذا ما ستجيب الأيام القادمة عليه .