على الرغم من التباعد الجغرافي، واختلاف اللغات والثقافات والقضايا السياسية مجال الاهتمام، إلا أن هناك العديد من عناصر التشابه بين المجموعتين العربية واللاتينية فى الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وفى المزاج الثقافى والنفسي، تفرض على الجانبين التعاون معا، وتجعل لهذا التعاون نتائج إيجابية على كليهما. ومنذ أول قمة لهما فى مدينة برازيليا عاصمة البرازيل، حدد الجانبان مجالات التعاون المشترك على نحو شامل وجامع، وجرى تضمين رؤية الجانبين فى ما أسمى بإعلان برازيليا عام 2005، الذى تناول مختلف قضايا الاهتمام العربية والأمريكية اللاتينية، والتى لا تزال كما هى إلى حد كبير، وهو ما أضافت إليه قمتا الدوحة فى قطر مارس 2009 وليما فى بيرو أكتوبر 2012. انعكاسات الثورات العربية وتأتى أهمية القمة العربية اللاتينية الرابعة بالرياض فى ظل الظروف السياسية التى تواجهها المنطقة والعالم العربى كافة، حيث تنعقد القمة بعدما تجلت آثار وانعكاسات الثورات، وأسفرت عن انفراط وحدات أساسية من عقد الدولة العربية، وعلى الأقل هناك 4 كيانات عربية إضافية تواجه خطر تفتت حقيقى لأسباب عرقية وقبلية ومناطقية، على خلاف الحال فى آخر قمة عربية لاتينية فى ليما 2012، حيث لم تكن الأوضاع فى المنطقة قد بلغت هذا المستوى من السوء. كما تنعقد القمة فى ظل ازدياد التدخلات الإقليمية والدولية السلبية فى الشئون العربية، خصوصا التدخل الإيرانى فى سورياوالعراق واليمن والبحرين، وفى ظل تدخل عسكرى روسى يصعب الإحاطة بتبعاته على سوريا والأمن الإقليمي. وفى ظل تشكل حلفين كل منهما بقيادة دولة عظمى (أمريكا وروسيا) تحت لافتة مواجهة الإرهاب وداعش، مع تباين وجهات نظر الدول العربية بشأن سوريا وليبيا واليمن. وتعقد القمة فى ظل حالة تشير إلى انتهاء العصر الذهبى للنفط، مع تراجع أسعاره إلى الثلث، وهو ما يضيف تحديا جديدا ينال من المكانة الدولية للعرب، ويقلص قدرة الدول العربية على مواجهة التحديات الراهنة والمستقبلية، وينال من فرص استمرار معدلات التنمية والإنفاق. كما تعقد القمة فى ظل تنامى خطر الإرهاب فى المنطقة العربية، ووصوله حد التغلب على الدول الوطنية وبناء دويلات الخلافة والإمارات والولايات الدينية الأصغر، وتهديد الأوطان وضرب اقتصاداتها ومستقبلها فى الصميم. وأخير وليس آخرا، تعقد القمة فى ظل استمرار تعقد الحلول والتسويات للقضية الفلسطينية واستمرار السياسات الاستيطانية الإسرائيلية فى حق الشعب الفلسطينى وتجاهل كامل لحقوقه المشروعة، وفى ظل احتمال تفجر انتفاضة ثانية قد تتخذ وجهة مختلفة هذه المرة. حليف دولى مساند لكل هذه الأسباب تعتبر القمة العربية اللاتينية فى الرياض مهمة للعرب ربما بأكثر من أهميتها للجانب اللاتيني، حيث يحتاج العرب من خلالها إلى حليف دولى مساند فى إعادة التأكيد على كيانهم الجماعى الذى يتعرض لضربات طاعنة من قوى وتهديدات لا حصر لها. وفى ظل هذه الظروف يحتاج العرب الكثير من الجانب اللاتيني. وسيكون من باب التعسف أن يطرح العرب وجهة نظر واحدة يدعون تمثيلها لهم وتعبيرها عنهم، وهم غير متفقين حولها من الأساس. فمساحات التباين العربية كبيرة، وتطرح الشك فى إمكان التوافق حولها بين الدول العربية أولا قبل عرض وجهة نظر عربية متماسكة بشأنها أمام الجانب اللاتيني. وإذا تلافينا الخلافات العربية حول القضايا المختلفة، فإنه يمكن أن تتضمن وجهة النظر العربية التأكيد على ما يلي: أولا: التوحد فى مواجهة الإرهاب: تحتاج الدول العربية فى هذه المرحلة إلى أكبر إسناد دولى فى مواجهة الإرهاب، ليس فقط بالأقوال والبيانات وإنما بالأفعال، وبأجندات واتفاقيات الحركة والعمل، وعبر مختلف المنصات والمنابر الدولية. فخطر الإرهاب سوف يستمر لفترة مع المنطقة العربية، وإذا لم تكن هناك مواقف دولية حاسمة فى تجريمه والتصدى له عبر جهد أمنى وعسكرى وفكرى ودينى جماعي، فإن مستقبل الدولة الوطنية فى المنطقة العربية سيكون فى مهب الريح. وهنا مطلوب من الدول العربية كسب دعم وتأييد الجانب اللاتينى فى تفهم التحدى الذى يشكله الإرهاب وخطورته وإقرار إدانته فى القرارات والتشريعات الدولية والمحلية، وذلك حتى تخرج القمة بموقف قوى فى مساندة الدول العربية إزاء ما تواجهه من تحديات إرهابية غير مسبوقة، والتأكيد على أن عدم الاتفاق حول تجريم الإرهاب، وتوفير ملاذات آمنة له، وعدم التعاون الدولى إزاءه، سوف تكون له مخاطر على الجميع، ينتهى إلى استفحال جماعاته وطموحها بالتغلب يوما ما على عالم الدول، على نحو يهدد المجتمع الدولى بأسره. بقاء كيان الدولة ثانيا: إعادة الاعتبار للدولة الوطنية: من المهم أن يركز الجانب العربى على ضرورة إعادة التأكيد على الدولة الوطنية باعتبارها البوابة والمدخل الطبيعى للعلاقات الدولية، مع استهجان سلوك الدول التى تتعاطى مع الكيانات والأشكال الأدنى والجماعات الإرهابية وغير الوطنية، وهو ما يعنى إعادة الالتزام بمبدأ السيادة وعدم التدخل فى الشئون الداخلية للدول كسبيل لإصلاح الخلل، الذى شهدته العلاقات الدولية فى السنوات الأخيرة، التى انهار فيها هذا المبدأ أو أوشك على الانهيار. فالدول الوطنية رغم مشكلاتها وسوءاتها، هى - بالمنظور الواقعى وفى حدود الطموح السياسى الأدنى الخاص بالمجتمعات النامية - السبيل الوحيد للحفاظ على الاستقرار والسلامة الإقليمية والأمان الإنسانى والبشري. وتقدم تجارب سوريا وليبيا واليمن خلال السنوات الخمس الماضية دليلا دامغا على ذلك. وضمن هذا السياق، ينبغى على وجهة النظر العربية أن تؤكد أن كل المفاهيم الخاصة بالحقوق والحريات هى مفاهيم وقيم أساسية على الدول الالتزام بها والعمل اتساقا معها على الدوام، لكن مع التأكيد على أن بقاء كيان الدولة ومؤسساتها وإصلاحها التدريجى هو أهم ما يحقق ذلك، وأن هدم الدول بدعوى أنها قاصرة وظالمة، وبهدف استبدالها بأخرى صالحة، ليس هو المسار الصحيح فى التعامل مع هذه الحالات، لأنها تخلف كوارث إنسانية وبشرية لا يعادلها أى هدف نبيل آخر، ولأنها تقضى على مجهودات الشعوب التى بنتها بكدها وعرقها على امتداد عشرات السنين. وأن فحصا دقيقا فى أحوال العراقوسوريا تكشف عن ذلك بجلاء. ومن ثم فإن الحفاظ على الدول والكيانات الوطنية القائمة هو أقصر السبل للحفاظ على الإنسان، وهو أمر وغاية تتقدم على أى هدف آخر، بما فيها هدف الحفاظ على حرياته وحقوقه. وفى ظل ذلك ينبغى على وجهة النظر العربية فى القمة أن تؤكد ضرورة تفهم الخصوصيات المحلية فى قضايا حقوق الإنسان والحريات، رغم إدراك مكنونها العالمي، وأهمية احترام سيادة الدول ووحدة أراضيها، واحترام قيم التعددية الثقافية والتسامح، وإيلاء اهتمام أكبر إلى معالجة قضايا الجوع والفقر قبل الديمقراطية والتعددية. تعزيز المصالح الاقتصادية ثالثا: التعاون الاقتصادى بجانب السياسي: تكشف التجربة العربية اللاتينية عن أن هناك فرصا ومجالات تعاون اقتصادى واعدة وكبيرة، والدليل على ذلك أنه ما بين أول قمة عربية لاتينية فى 2005 وعام 2014 صعدت التجارة بين الجانبين من 6 مليارات دولار إلى 30 مليار دولار، مما يشير إلى إمكانية تحريك التجارة بتوجيهات وتشجيع رسمي، وضمن هذا السياق فإن طاقة الأسواق العربية واللاتينية التى تستوعب نحو 800 مليون نسمة على الجانبين، يمكن أن تشجع الاستثمارات البينية والصناعات المشتركة وعمليات التصدير والاستيراد وتتيح الاستفادة من الأسواق الاستهلاكية الضخمة، وتشجيع الاستثمارات المتبادلة، وتنويع مصادر الدخل، وتعزيز تواصل رجال الأعمال بين الإقليمين. ويمكن للدول العربية الاستفادة من تجارب التنمية فى دول أمريكا اللاتينية، بحث تصبح كل من الدول العربية ودول أمريكا اللاتينية أسواقا خلفية للصناعات القائمة فى كليهما. وعلى الصعيد السياسي، فإن الصوت اللاتينى الدولى الفاعل والقوى فى تجمعات ومنظمات دولية عديدة، يمكنه أن يشكل إضافة مهمة إلى الصوت العربى فى القضايا الدولية. ومن خلال عضوية هذه الدول فى التجمعات الدولية الآسيوية والأمريكية الشمالية والجنوبية فإنها يمكنها أن تبنى جسورا متينة من التأييد للجانب العربى فى هذه المحافل على نحو يعزز المصالح العربية. تكثيف الجسور الثقافية رابعا: تعزيز العلاقات الشعبية: تحتاج الدول العربية إلى تكثيف الجسور الثقافية والشعبية المشتركة مع دول أمريكا اللاتينية، والعمل الكثيف وفق خطط للترويج للأنشطة الثقافية والفنية التعريفية، التى تستهدف تحقيق هدف الوصول إلى شراكات متنوعة ومتعددة بين كل المستويات المجتمعية التحتية للجانبين، حيث إنه لا يمكن الاستثمار فى علاقات دولية على المدى الطويل من دون عناصر التعزيز المجتمعية، التى تشكل عوامل ضغط ناعمة على الدول للاستمرار تاليا فى هذه العلاقات وتكريسها. ومن خلال رصد أشكال محدودة من السلوكيات التى تشير إلى المزاج السياسى والنفسى والثقافى والأدبى والفنى لمجتمعات أمريكا اللاتينية يتضح أن هذه المجتمعات والدول تقوم على أبنية وتراكيب مشابهة للتراكيب والأبنية القائمة فى الدول النامية، برغم الخصوصيات التى تنعكس فى صور ونماذج محددة، وعلى سبيل المثال فإن التدقيق فى التاريخ السياسى فى دول أمريكا اللاتينية والثورات التى مرت بها وأنظمة حكمها المختلفة، وصور القيادة السياسية الكاريزمية المناهضة للسيطرة الغربيةالأمريكية على العالم(مثل كاسترو وشافيز)، تقدم نماذج متقاربة مع ما حدث فى العالم العربي، كما يجد الأدب والفن السياسى فى هذه المجتمعات عناصر شبه ورواج مع التفضيل والمزاج السياسى العربي، وهو أمر يمكن البناء عليه فى علاقات لعقود وقرون تالية، وليس فقط لتقارب ظرفى مرحلى فقط. خامسا: الرافد اللاتينى للقضية الفلسطينية: تحمل دول أمريكا اللاتينية مظلومية تاريخية تجاه الولاياتالمتحدة والاستعمار الأوروبى شبيهة بالمظلومية العربية، ولذلك هى من أكثر الدول التى تدرك نفسيا معانى الظلم التى يتعرض له الفلسطينيون من جراء الاحتلال الإسرائيلي، ويمكن من خلال ذلك جذب دعم معنوى جديد للقضية الفلسطينية، واستثمار ذلك فى الخطاب السياسى لهذه الدول، وأيضا فى تعزيز طاقات الرفض المجتمعية الداخلية ضد الاحتلال الإسرائيلي، وتدعيم سياسات معاقبة إسرائيل على انتهاكاتها لحقوق الفلسطينيين. معالجة داء الأقوال سادسا: المشروعات والخطط التنفيذية: على الرغم من أن البيانات والإعلانات التى تصدر عن القمم الدولية تعكس جوانب الاتفاق والاختلاف بين الدول، إلا أنه من المهم ألا تصاب العلاقات العربية اللاتينية بداء الأقوال دون الأفعال. وهو أمر يجب الانتباه إليه، ولذلك من الضرورى البدء فى خطط ومشروعات تنفيذية تعمل على تشبيك العلاقات بوشائج وروابط تؤسس لمصالح مستدامة على الجانبين. كما أنه من المهم التوعية بالآخر عبر البرامج التعليمية والأنشطة الثقافية المشتركة ودراسة النماذج التنموية اللاتينية كتجارب يمكن الاستفادة بها عربيا.