تقول الأسطورة أن بداخل كلا منا إعلامي, خلق الانسان ليتواصل مع الآخر ويتصل به من خلال رسائل كلامية بهدف نقل الأخبار أو تبادل الخبرات والآراء, وحين اخترع العالم الألماني جوتنبرج آلة الطباعة أصبحت الكتابة وسيلة اتصال مهمة, ثم تلاها التليغراف ومن بعده اللاسلكي علي يد ماركوني وصولا الي آلة التصوير السينمائي واخراج أول فيلم سينمائي صامت مدته4 دقائق عام1895 م ومن ثم الأفلام الناطقة عام1924 م, و خرج علينا عالم الفيزياء الأمريكي( الروسي الأصل) فلاديمير كوزما زوريكين باختراع اقتحم البيوت ليدشن الإتصال المرئي والمسموع ويدعي التلفاز بينما سبق الاتصال المقروء بانتشار الصحف مع مطلع القرن ال19, ولا أعلم هل نشكر جميعا البروفسير فلاديمير أم نكشف رؤوسنا داعيين عليه بأشد العذاب علي ما أصابنا به نتاجا لما نعيشه الآن فبعد أن كانت بالوعة الصرف الصحي محلها دورات المياه, فتحت علينا مجاري صرف لاأخلاقي في غرف معيشتنا وأحيانا في غرف النوم!! وبعد هذه الثورة التكنولوجية في عالم الاتصال والتي حولت النزعة الماكلوهانية المعتمدة علي الاتصال الشفهي( مقروء أو مسموع) الي اتصال تفاعلي افتراضي من خلال شبكات الإنترنت.. وكأن المشرحة ناقصة قتلي! وكما تحول التليفزيون في وقت ما الي حالة إدمان فقد تحول الإعلام البديل بوسائله الإلكترونية والافتراضية الي ما بعد الإدمان, واذا كان العالم مصطفي محمود رحمه الله حذرنا من الخنوع لتلك الوسائل في كتابه الشيطان يحكم قائلا: تتباري أجهزة التليفزيون و الإذاعة و السينما و صفحات المجلات و الجرائد علي شئ واحد خطير هو سرقة الإنسان من نفسه, شد عينيه و أعصابه و أحشائه ليجلس متسمرا كالمشدوه أمام التليفزيون أو الراديو أو السينما, وقد تخدرت أعصابه تماما, كأنه أخذ بنجا كليا وراح يسبح بعينيه مع المسلسل, و يكد ذهنه: من القاتل, ومن الهارب ؟. فماذا سيقول الآن ونحن نتعرض لغزو فضائي يتحكم فيه التجار, ليتباري الإعلاميون الذين لا يفقهون شيئا عن الحقائق ولا عن طبيعة المرحلة العصيبة التي تمر بها مصر إلي أن يحققوا أعلي نسبة مشاهدة للقناة أو للبرنامج لترتفع اسعار المذيع أو مقدم البرنامج الي16 وربما20 مليون ومتفوقين علي اسعار النجوم مما دفع بالسادة الفنانين الي الهرولة نحو رجال الأعمال في محاولة للحصول علي الهوية الإعلامية بدلا عن الفنية لأنها مابقتش تأكل عيش معتمدين علي عناصر رثة مثل الإثارة والشهرة والتشويق!. وماذا كانت النتيجة ؟.. سأجيبك بكل شجن عزيزي القاريء لقد أصبت حضرتك في مقتل وانتقلت العشوائية المعلوماتية والثقافة الهامشية إلي تلافيف سيادتك الذهنية, ولما لا! وكل قناة تبث المعلومات التي تروق لصاحبها وتتماشي مع توجهاته البراجماتية, ولن تحتاج مزيدا من الجهد لتنقل ما تلقيت من خلال حسابك علي الفيس بوك بضغطة زر دون أن تتحرك من مكانك ويتفاعل مع الآخرون بينما ينقل آخر المعلومة وفقا لفضائية آخري ويتفاعل مع الأصدقاء وفجأة تتسلل المواقع الإلكترونية لتنقل الأحداث المتضاربة وهنا يعم الإندهاش وتنطلق الأفواه بالصراخ في محاولة لإثبات صحة معلومة كل فرد ثم تفاجئنا الأجهزة الحكومية والقيادات السياسية أن كل ما سبق محله صندوق القمامة الفكرية في جهاز حضرتك العقلي!!. ليس فقط بل ربما تحدث مشادات دولية تصل في أحيان كثيرة الي قطع العلاقات نتيجة تلك الثرثرة الإعلامية التي شاركت فيها دون عمد وآخرها حادثة الطائرة الروسية التي تضاربت فيها الأقاويل حول كونها نتاجا لعملية ارهابية أو بسبب عطل فني وما الي ذلك واصبحت المعلومات العصرية في بلادنا مجرد فتاوي حصرية.. فطفح الكيل بنا ونطق الرئيس في تحذير شديد اللهجة لقطيع الإعلاميين!. وهذا بالطبع ليس حلا لتلك الأزمة الراهنة فعلينا أن نسعي الي تفعيل القوانين الخاصة بالتشريعات الاعلامية, وتقنين الفضائيات وفقا للمخالفات, واستخدام سياسة الثواب والعقاب, وفي حقيقة الأمر نحن شعب لا يرضخ لاسلوب التوبيخ والتأنيب.. و بنعمل مليون حساب للعقاب!. فضلا عن تطوير تليفزيون الدولة ماسبيرو بكل قطاعاته ليستطيع مواكبة هذا النزح الفضائي ومحاربة أراجوزات الإعلام, فالوضع أصبح وكأن سيدتين تتباريان علي مركز ملكة جمال الكون واحدة منهما ذات خبرة وجمال عمرة50 عاما بينما الأخري لا تمتلك خبرة أو ثقافة ولكنها شابة حيوية في كامل رونقها! أعلم أن المهمة شاقة وليست بالهينة ولكن لم يعد أمامنا خيار حين أصبح الإعلاميون لا يعلمون أي منقلب ينقلبون. [email protected]