اتصور بعد أن هدأت الاحداث الساخنة التي شهدها مبني ماسبيرو مؤخرا عقب اندلاع ثورة شباب 52 يناير انه قد آن الأوان لإعادة ترتيب البيت من الداخل في هذا المرفق الاعلامي الحيوي المهم والذي يلعب دورا كبيرا في تشكيل وجدان الناس بكل تياراتهم ومستوياتهم الفكرية. وبداية ترتيب البيت لابد ان تأتي من وزارة الاعلام المهيمنة علي الاعلام المرئي والمسموع وبقية الانشطة الاخري المتعلقة بكل عمليات الانتاج البرامجي والدرامي والغنائي إلي آخره من قطاعات اخري كونت في نهاية الامر ما اطلقنا عليه بالمنظومة الاعلامية. وقد اثبتت الاحداث الاخيرة ضرورة مراجعتها واعادة النظر فيها بما يحقق الصالح العام ويتفق مع طبيعة العصر الذي نعيش فيه في ظل ثورة علوم الاتصالات وتحرير كل وسائل الاعلام من القيود التي لم تعد تنفع في عصر السموات المفتوحة علاوة علي ان العالم كله اصبح اشبه بالقرية الصغيرة وبالتالي لم يعد هناك حاجة لوجود ما يسمي بوزارة الاعلام سوي في الدول المتخلفة التي لاتزال خاضعة لقوالب سياسية وفكرية لا تتماشي مع طبيعة العصر والتطور الهائل في مجال علوم الاتصالات ومن هنا اصبح من الواجب علينا ضرورة الغاء وزارة الاعلام ونحن نتطلع إلي المستقبل في ظل المتغيرات الجديدة التي تشهدها مصر الآن بعد ثورة 52 يناير التي احدثت زلزالا قويا في كل اركان الدولة وهي تبدأ شهرها الاول من عام 1102. وإلغاء وزارة الاعلام يترتب عليه إعادة هيكلة الاعلام المصري المملوك للدولة والمتمثل في كل القطاعات المرئية والمسموعة والانتاجية والاخبارية التي تندرج كلها تحت مظلة اتحاد الاذاعة والتليفزيون والذي ينبغي ان يتحول الي هيئة عامة مستقلة تخضع مع الهيئة العامة للاستعلامات لاشراف مجلس الوزراء كجهة ادارية فقط، مع تحرير العمل الاعلامي من سيطرة قيود الروتين الحكومي وربطه بسياسات عقيمة وجامدة تجعله غير قادر علي الحركة واطلاق حرية التعبير والابداع وهي اشياء لابد من حدوثها الان قبل فوات الأوان بعد ان فشلت تجربة الاعلام الحكومي الذي خضع لسيطرة فكر الدولة المتمثل في قبضة وزارة الاعلام وجعلت اعلامنا في واد وما يحدث علي ارض الواقع في واد اخر، وهو ما ترتب عليه تراجع الخطاب الاعلامي الحكومي وتركه للساحة السياسية ليلعب فيها الاعلام الخاص بقنواته الفضائية منفردا قبل ان تتنبه قياداتنا الاعلامية الي ضرورة تكسير القيود من حولها حيث اطلقت لنفسها العنان في مواكبة الاحداث والتحمت بقضايا وهموم ومشاكل الناس وراحت تتفاعل مع فعاليات ثورة شبابنا في ميدان التحرير بل وفي كل مكان علي ارض مصر وشهدنا تحولا كبيرا في برامج جميع الشبكات الاذاعية وتحديدا في اذاعة الشباب والرياضة وهو نفس الشيء الذي وجدناه يحدث علي شاشة التليفزيون بقنواته الارضية والفضائية بينما رأينا ميلادا جديدا لقطاع الاخبار المرئية والمسموعة وهي صحوة جاءت متأخرة لاسباب خارجة عن ارادة العاملين في المجالين المسموع والمرئي فقد كانت الامور كلها تخضع لادارة وزارة الاعلام المعبرة عن النظام السابق كوزارة سيادية غير قابلة لاطلاق حرية الحركة والتفكير المهني السليم في تغطية ومواكبة الاحداث بحرفية وآلية منظمة تقدم عملها وفقا للمفهوم الاعلامي الراقي الذي يلتزم بمعايير النزاهة والشفافية في نقل حقيقة ما يدور علي ارض الواقع دون ان يتجمل أو يكذب علينا، فقد انتهي وإلي الابد عصر النظريات الشمولية في اداء الخطاب الاعلامي، ولم يعد ممكنا ان تكذب علي الناس طول الوقت فالدينا من حولنا تتحرك والقنوات التليفزيونية تصول وتجول كاميراتها بين الناس بالصوت والصورة، ونحن من خلال الاعلام المرئي والمسموع الحكومي نائمون في العسل نكتفي بقول الحقائق المبتورة أو المغلوطة مما افقد ابناء الامة الثقة في اعلام الدولة الرسمي. ولاشك ان القائمين الآن علي تسيير دفة الاعلام المسموع والمرئي يعلمون تفاصيل الصورة وكيف كانت مؤلمة طوال ايام الاحداث الماضية الساخنة وهم يحاولون الآن ترتيب البيت علي اسس علمية واعلامية جديدة ولابد انهم قد شعروا كيف عاد الناس وألتصقوا مرة اخري مع الراديو وشاشة التليفزيون اللذين اصبحا نافذة صادقة تعبر عن آلامهم وأمالهم وطموحاتهم في التمتع بالحياة الكريمة. انني اتمني من حكومة الفريق احمد شفيق رئيس الوزراء التي تتولي الآن تسيير أمور الدولة ان تضع علي رأس اولوياتها خلال الستة شهور المقبلة دراسة ملف الاعلام المصري المسموع والمرئي وكيفية ادارته في المستقبل بعيدا عن النمط الاداري القديم الذي كانت تمارسه وزارة الاعلام من قبل خاصة ونحن الان في ظل تطور سياسي وديمقراطي اصبح لا يليق معه وجود مثل هذه الوزارة التقليدية التي لاجدوي منها في عصر الانترنت والفيس بوك وعلوم الاتصالات وثورة تكنولوجيا المعلومات وكلها تهدف الي بناء عالم جديد من المعرفة والتنوير نحن في اشد الحاجة اليه بعد ثورة 25 يناير .