أثارت السيول التى تعرضت لها مدينة الإسكندرية،وتسببت فى خسائر بالأرواح والممتلكات..تساؤلات كثيرة حول طرق التعامل مع الأزمات والكوارث، إلا أن خبراء البيئة المصريين تجاوزوها إلى دق ناقوس الخطر من أزمات وكوارث مقبلة على مدى عشرين عاما نتيجة تغير المناخ، قد تتزايد مخاطرها مع إصرار الحكومات المتعاقبة على صم الآذان، إزاء تحذير العلماء من تبعات تغير المناخ على مصر، وعدم تنفيذ الخطط الوطنية لمواجهتها، والتعامل بمنطق «رد الفعل». خلال الأسبوع الماضى اجتمع خبراء المنتدى المصرى للتنمية المستدامة برئاسة د.عماد الدين عدلى لمناقشة ما تمر به مصر من ظروف مناخية ظهرت واضحة فى محافظاتالإسكندرية والبحيرة والدقهلية بسبب تغير المناخ على الساحل الشمالي. فى البداية أكد د. مجدى علام أن الأزمات المرتبطة بتغير المناخ بدأت تأخذ أبعادا عنيفة خلال السنوات الماضية، ويتمثل ذلك فى ازدياد حدة الأعاصير، وزيادة المساحات التى تتعرض للجفاف، وارتفاع درجة الحرارة خلال الصيف بشكل ملحوظ عن ذى قبل. وتابع أن منظمة الأممالمتحدة قامت بتقديم دليل إرشادى للتعامل مع الأزمات والكوارث، يتضمن خطة تشمل الإنذار المبكر، والتدريب، وتوعية السكان، والجهات المسئولة. وأضاف: كذلك تم إنشاء لجنة لمواجهة الكوارث ذهبت كل توصياتها أدراج الرياح، ومنذ سبتمبر الماضى وصلت إلى المحافظات تحذيرات من قطاع مواجهة الأزمات والكوارث بمجلس الوزراء، بأنه سوف تحدث أزمات حادة فى المناخ فى أكتوبر تزيد من احتمال حدوث كارثة، فأين ذهبت؟ وتابع: قبل أن تتعرض الإسكندرية للكارثة الأخيرة شهدت مدينة «جمصة» رياحا وأمطارا عنيفة اقتلعت الشاليهات بالقرى السياحية، وكان ذلك بمثابة إنذار يستدعى التحرك، إلا أنه لم يتحرك أحد، كما دلت الأحداث على أن الحوادث العنيفة المرتبطة بالمناخ يمكن أن تستمر 20 عاما قادمة، وبالتالى على الدولة أن تستعد لتكرار سيناريو الإسكندرية فى مناطق أخرى على الخريطة المصرية. ويؤكد د. مجدى علام أن مشروع الإبلاغ الوطنى الثالث حول تغيرات المناخ الذى نُفذ فى مصر تحت إشراف الأممالمتحدة، وبتضافر جهود الوزارات المعنية؛ قدم للحكومة المصرية خرائط بالمناطق المهددة سواء من السيول أو البحر أو من الجفاف، وأن الحكومة يجب أن يكون لديها برامج لمواجهة الكوارث فى المناطق الساحلية و الزراعية، وإيجاد مناطق سكنية بديلة للمتضررين . ومن جهته يوضح د. محمد فوزي، النائب السابق لرئيس قطاع مواجهة الكوارث والأزمات بمجلس الوزراء، أن نظرة العالم لأسلوب مواجهة الكوارث قد تغيرت من كونه عملا يتم بعد حدوث الكارثة لتخفيف آثارها، إلى خطة معدة لتلافى هذه الآثار مسبقا، باتخاذ التدابير اللازمة، ومن بينها وضع نظام للإنذار المبكر، وعدم البناء فى مخرات السيول، وإيجاد المدارس والمستشفيات الآمنة التى تنشأ بعيدا عن مخرات السيول. وعن تقويم الاستعدادات لمواجهة الكوارث فى مصر يقول: فى عام 2005 وضعنا إستراتيجية وطنية للحد من أخطار الكوارث، وبحثنا كيفية إدماجها فى خطط التنمية المستدامة،وتم تقديمها لجميع الوزارات والهيئات لتطبيقها، وكذلك تم اعتماد خطة للكوارث المتعلقة بتغير المناخ عام 2010، ولكن لم ينفذ منها شيء حتى الآن، والمهم الآن وضع هذه الخطط موضع التنفيذ. أما د. المحمدى عيد، الرئيس الأسبق لجهاز شئون البيئة، فيشير إلى أن التغيرات المناخية ليست صانعة أزمات حادة بالضرورة، لأن التغير الطبيعى فى المناخ يحدث بشكل تدريجى كل 11 ألف سنة ، أما ما يصنع الأزمات الطارئة فهو التغير الناتج عن تدخل الإنسان، مشيرا إلى تحذير العلماء من ارتفاع درجة حرارة الأرض 4.5 درجة مئوية بحلول عام 2050، وأن ذلك سيكون له تبعات وخيمة على كوكب الأرض، وسيؤدى لكوارث كبيرة. وقال إننا نعمل فى مصر بمنطق »رد الفعل »، لهذا نتعرض دائما للآثار المدمرة نفسها التى نتعرض لها فى كل مرة، فى حين أنه توجد لدينا بالفعل حلول لمعظم ما يواجهنا من مشكلات، ولا تتطلب سوى الجهد وإمعان التفكير. وأضاف أن السيول التى تعرضت لها مصر خير يمكن الاستفادة منه، وقد عرف المصريون نظام الآبار الرومانية لتخزين مياه السيول والأمطار، وبالمعالجة الكيميائية لمياه الصرف والتوعية الجماهيرية يمكن أن نحل مشكلة نقص المياه اللازمة للزراعة بالمناطق الفقيرة مائيا. ومن جانبه، استعرض الدكتور محمد الزرقا، الخبير البيئى العالمى فى مجال المخلفات الخطرة والكوارث، تجربة الإسكندرية فى التعامل مع الصرف الصحي، التى شغلت وسائل الإعلام فترة الثمانينيات بالسؤال: نصرف على البحر أم البر؟ وقال إنه للأسف انتهى هذا السؤال إلى الصرف على الشاطيء! والأمر هكذا، أجمعت آراء الخبراء المشاركين فى حلقة العمل على ضرورة تحويل ما نعتبره كوارث إلى فوائد، ومنها السيول التى تسقط فى سيناء والساحل الشمالي، وتهدر دون الاستفادة منها، مع وضع الخطط الوطنية لمواجهة الكوارث موضع التطبيق، وتوعية المواطنين. هذا الأمر عبر عنه الخبير الإعلامى محمد محمود السيد، فى ختام حلقة العمل قائلا -: إن الخطاب الإعلامى يحتاج إلى ترشيد وتنمية، بما يمكن أن يسهم أيضا فى الإنذار المبكر بالأخطار التى قد تنشأ نتيجة السلوكيات القائمة، وتقويمها.