أخيرا ستصل الازمة السورية إلى نهايتها. حينما بدأت القوى الكبرى فى العالم تدرك ان لا حل واقعيا فى سوريا دون اجماع عربى فى غياب اى توافق بين العرب وتركيا وإيران بدأ الحل يلوح فى الأفق. لم يكن طلب روسيا ان تكون مصر أحد المشاركين فى صياغة تسوية سياسية للأزمة الطاحنة هناك تجاهلا لرغبات السعودية أو أى من حلفاء القاهرة الرئيسيين، بل كان توافقا مع ما بات يراه هؤلاء الحلفاء ضرورة لحفظ ماء الوجه لكل من المعارضة السورية التى تحظى بدعمهم، والنظام السورى الذى ترى مصر ان بقاءه ولو لمرحلة انتقالية مؤقتة ضرورى للحفاظ على ما تبقى من مؤسسات سوريا، وحرمان التنظيمات المتشددة المنتشرة كالفسيفساء على الأراضى السورية من السيطرة على البلد. صار واضحا أن الائتلاف الوطنى وقوى المعارضة الأخرى لن تكون قادرة على التحكم بمجريات الأمور وضبطها وإعادة الاستقرار مرة أخرى إلى سوريا إذا ما سقط النظام بالقوة العسكرية. باتت مصر وحلفاؤها فى الخليج على قناعة بأن تغيرا جذريا فى الشكل والطبيعة الديمغرافية والعقائدية أيضا سيشهده المشرق العربى بأكمله إذا ما صُبغت سوريا على غرار أفغانستان بألوان التشدد القاتمة. كان طلب روسيا بضرورة اشراك مصر فى رسم ملامح الحل السياسى المستقبلى فى سوريا إجماعا. إلى جانب مصر فى فيينا هناك الاماراتوقطروالأردن ولبنان والعراق أيضا. طلب روسيا يوُجد من جهة توازنا إقليميا فى الرؤى بين الدول الداعمة للحل العسكرى وتلك التى ترى ان الحل يكمن فى السياسة. من جهة أخرى يحاول الروس كسب نقاط على حساب الامريكيين فى صراعهم المزمن على القوة. السعوديون هم أكثر الأطراف سعادة باحتمال مشاركة مصر كاحدى كفتى ميزان القوى العربى فى الحل السوري. لا تريد السعودية أن تتحمل عبء حل معضلة الحرب الأهلية فى سوريا منفردة بحيث يبدو فى النهاية من الجانب العربى حلا سعوديا. فى الظاهر، تظهر وجهتا النظر المصرية والسعودية للمتابعين متضادتين، لكن على النقيض سياسيا لا تبدو هذه التحركات عشوائية، إذ تشهد الجولات الدبلوماسية المكثفة بين الجانبين تنسيقا يفوق فى فاعليته أى وقت مضى. تريد السعودية، ومعها مصر والإمارات والاردن ودول اخرى فى المنطقة ان يكون الحل السورى عربيا. من قبل التوغل الروسى عسكريا فى سوريا كان واضحا ان التشدد تمكن من التهام الاعتدال فى صفوف المعارضة السورية المسلحة. كانت الاطراف الاقليمية الداعمة للمعارضة منقسمة طول الوقت أيضا بين متشددين ومعتدلين. حملت قطر وتركيا كالعادة راية التشدد فى مواجهة دول خليجية أخرى ومعها الأردن. فى الوقت الذى يحمل فيه الأتراك والقطريون قائمة حساب طويلة يتوقعون من السوريين تسديدها لاحقا، لا تريد قوى الاعتدال سوى وضع حد لتمدد إيران من دون حساب فى المشرق العربي. لكن تحت إدارة الرئيس باراك أوباما انقلبت الامور رأسا على عقب وبدأ العرب يدركون أن لا زحزحة لإيران ورجالها مادامت الولاياتالمتحدة لا ترغب فى ذلك. تلاعب واشنطن العرب بالبيضة والحجر. صارت مصرة على اعادة ادماج ايران بين القوى الرئيسية فى المنطقة، بل وضعها فى مقدمة كل هذه القوى دون أى تحفظات او تنسيق مع من يفترض انهم حلفاؤها. ضاق العرب ذرعا بالتخاذل الأمريكى وأدركوا ان الوقت قد حان لكى يكون هناك قطب آخر يمكن التوصل معه إلى تفاهمات يقتسم على إثرها مع الولاياتالمتحدة النفوذ فى المنطقة. طبعا هذا القطب لم يكن غير روسيا. تفهم القوى العربية المؤثرة ان الوجود الروسى فى سوريا سيكون حتما على حساب التحكم الإيرانى غير المسبوق فى كل دوائر الحكم ومؤسسات الدولة السورية. تشعر مصر وحلفاؤها الآن تجاه الحضور الروسى فى سوريا بالارتياح، رغم عدم رغبة دول خليجية فى الإعلان عن هذا الموقف بشكل أكثر صراحة. يلتقى طموح مصر وروسيا فى البحث عن نفوذ يفتقده كلاهما كثيرا. لكن فى سوريا يبدو الأمر مغايرا. تشعر مصر بالرضا لإبعاد ايران عن المشهد السورى ولو قليلا، مع ذلك إبعاد تطلعات بهيمنة طائفية على الحل المستقبلى. فى الوقت نفسه تدرك الادارة المصرية ان الحضور العسكرى الروسى يقضى أيضا على أى طموح للرئيس التركى رجب طيب اردوغان بإقامة منطقة عازلة على الحدود الروسية مع سوريا، قد تسمح له بتوجيه دفة هذا الحل المستقبلى لمصلحة تمكين حلفائه الاسلاميين. فى اللحظات المفصلية يكون ضجيج الخطوات التى تخطوها الدول الكبيرة أعلى من أى وقت عادي. انتظرت مصر طويلا قبل ان تخطو بحذر فى المستنقع السورى معولة على موسكو، فى الوقت تفسه الذى كان فيه حلفاؤها يبحثون عن مخرج لهم من أعماق هذا المستنقع السحيق. الخروج من المعمعة السورية الآن ليس كما الدخول إليها قبل خمسة أعوام. سيحتاج جميع المتورطين فيه إلى خروج يحفظ ماء وجوههم عبر دخول أطراف لم تتورط فيه منذ البداية. حان لمصر أن تلعب دورها! لمزيد من مقالات أحمد أبودوح