أكد الدكتور إبراهيم نجم مستشار مفتى الجمهورية، أن الإعلام الغربى يميل إلى تصدير صورة الإسلام البدائى المعادى لكل القيم الغربية، والمُتَبنى كل أساليب العنف والقتل والذبح، الأمر الذى اثر بشكل كبير فى مواقفهم المعادية لمصالح المسلمين وشئونهم الخاصة فى المجتمعات الغربية. وطالب الدول الإسلامية بالتواصل مع وسائل الإعلام الغربية لتوضيح وتصحيح الصورة الذهنية المشوهة عن الإسلام فى الخارج، واستعادة الصورة الحقيقية للدين الإسلامى من قوى الظلام والإرهاب والتطرف، محذرا من أن الخطر الحقيقى يتمثل فى انتشار أفكار هذه التنظيمات المنحرفة عن تعاليم الإسلام ومبادئه وسط بعض الشباب المسلم الذى يعيش فى الغرب الأمر الذى يمثل تحديا كبيرا فى المرحلة المقبلة. وأوضح مستشار المفتى أن الانتصار فى حربنا الفكرية ضد التشدد هو انتصار للقيم الإنسانية بشكل عام وتحقيق للاستقرار العالمي، مؤكدا مجموعة من الرسائل كان من أهمها أن مصر حريصة على الانفتاح على العالم وتمد يدها للتعاون بما يحقق المصلحة المشتركة ويعزز من السلم العالمي. وأكد الدكتور إبراهيم نجم، مستشار مفتى الجمهورية، فى حوار مع «الأهرام» أن مشاركة دار الإفتاء المصرية فى مؤتمر قمة لمكافحة التطرف فى نيويورك، جاءت لتؤكد ان مصر لديها مباردات قادرة على الرد على التطرف. ولنوضح للعالم ان مواجهة الأيديولوجيات المنحرفة، تحتاج إلى حرب فكرية يتعاون فيها علماء الدين مع وسائل الإعلام الدولية، والأوساط الأكاديمية فى مجال النشر والبحث، لتفنيد الأيديولوجيات، وفضح أفكارهم الخاطئة، عبر إتاحة المجال للعلماء المسلمين الوسطيين واستضافتهم ودعمهم لتفكيك تلك الادعاءات الكاذبة، والفهم المشوه للقرآن الكريم. والى نص الحوار.. ما الهدف من مشاركتك فى قمة مكافحة التطرف العنيف بنيويورك؟ شاركت فى قمة مكافحة التطرّف العنيف والتى حضرها الرئيس عبدالفتاح السيسى والرئيس الأمريكى باراك أوباما فى مقر الأممالمتحدة بمدينة نيويورك على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، وذلك لعرض تجربة دار الإفتاء فى مجالات مكافحة التطرّف والتواصل وبناء الجسور بين الحضارات والثقافات وإرساء مفاهيم السلام فى مؤتمر التعايش بين الأديان. وعرض تجربة دار الإفتاء يمثل اعترافا بالجهود التى تبذلها فى مجال الإفتاء وحوار الأديان ونشر ثقافة التسامح والتقارب وتدعيم المشترك بين شعوب الأرض. وما مدى تأثير جولاتك فى الدول الأوربية؟ نعمل دائما على نشر الوسطية والدفاع عن الإسلام ومحاربة الفوضى فى الخطاب الدينى فى الداخل والخارج على قدم المساواة، ونحن قد لا حظنا هجومًا شديدًا فى الغرب على الإسلام ومحاولة تصويره على أنه دين يحض على العنف وسفك الدماء، فأردنا أن نقوم بدورنا للذود عن الدين، كما أنه توجد هناك أيضًا أقليات إسلامية فى الغرب لها قضاياها الدينية التى تريد الإجابة عنها، وهذا من واقع دورنا أيضًا، والدار تقوم بدورها فى الداخل حتى فى المحافظات من خلال أفرعها المختلفة ومن خلال علمائها، هى منظومة يكمل بعضها بعضًا، الغاية واحدة لكن الوسائل متعددة. وما أكثر الدول التى نحن بحاجة للتركيز عليها لتصحيح صورة الإسلام بها؟ أوروبا وأمريكا الشمالية وأستراليا هى من أهم المناطق التى يجب التركيز عليها نظرًا لعدائها الشديد مع الإسلام وكثرة حملات التشويه بها، على الرغم من وجود نحو 50 مليون مسلم فى أوروبا بكاملها، إلا أن العداء فى أوروبا لا يزال مستمرًّا وهذا الأمر له أسبابه التاريخية المعروفة، وقد نبرر هذا العداء بأنه نتيجة للصورة الذهنية المترسبة لدى الأوروبيين وهذا ما اتضح فى العداء الشديد الذى وصل إلى حالات القمع والإبادة كما حدث فى البوسنة والهرسك، ولقد عانى أبناء الدول الأوروبية الأصليون الذين دخلوا الإسلام لكنهم حافظوا على دينهم رغم ما لاقوه من أذى ومحاولات محو هويتهم الإسلامية مثل الألبان والبوسنيين، والكوسوفيين المقدونيين، والمسلمين فى بلغاريا، أضف إليهم المسلمين الجدد، من أمثال المفكر الفرنسى رجاء جارودي، والمفكر الإسلامى الألمانى مراد هوفمان، وغيرهما ممن اعتنقوا الإسلام. ما أهم التحديات الفكرية التى تواجه المسلمين بالخارج؟ وجود فجوة فكرية فى التاريخ الإسلامى هناك، ومصدر هذه الفجوة أن العلماء والفقهاء ظلُّوا على امتداد التاريخ الإسلامى يفكرون فى الجاليات غير الإسلامية التى تعيش فى ديار المسلمين، وقد وضعوا لهؤلاء كتبًا وفقهًا تغنى هذا الجانب، ولكن هؤلاء العلماء لم يفكروا فى وضع الجاليات الإسلامية التى تعيش فى الغرب، فالحاجة متنامية بصورة كبيرة لوجود فقه للأقليات الإسلامية فى الغرب، يدرس أحوال المهاجرين، ويحصر أمرها لتجد سبيلها إلى أحكام فقهية تيسِّر وتسهِّل حياتهم فى الخارج. لماذا ازدادت وتيرة الفتاوى الشاذة فى مصر والعالم العربى رغم وجود مؤسسات دعوية وشرعية كثيرة؟ هذا أمر طبيعى نظرًا للأحداث التى يمر بها العالم العربى بوجه عام وتمر مصر به بوجه خاص، وهذا يرجع أيضًا إلى وجود جماعات متطرفة تتبنى فكرًا شاذًّا يسهم فى الإساءة للدين والأوطان، ونحن نحاول التصدى لمثل هذه الأفكار وهذه الفوضى فى الفتاوي، وهذه المهمة ستكون الهم الأكبر عندنا فى المرحلة المقبلة وهو القيام بوظيفة الدار من بيان الأحكام الشرعية بطريقة منضبطة تحد من الفتاوى التى تحدث بلبلة فى المجتمع وتقضى على ما يسمى فوضى الفتاوي. كيف نواجه حملات تشويه الإعلام الغربى للإسلام؟ دعنا نعترف بقصور الخطاب الإعلامى الإسلامى الموجه للغرب، مما يتطلب ضرورة انفتاح العالم الإسلامى على العالم الغربى وعلى حقائق العصر مع الحفاظ على ثوابت الأمة وتقاليدها وأن يُشكل المسلمون فى الغرب قوة ضاغطة ترفع صوتها مدافعة عن دينها وصورتها وهويتها، كما أن الضرورة أصبحت ملحة لإنشاء قنوات فضائية إسلامية موجهة للغرب تخاطب الغرب بلغته وتعطى صورة شاملة عن الثقافة الإسلامية وتسهم فى تصحيح صورة الإسلام والعرب والمسلمين، ومن ثم فلا بد من إنتاج برامج تخاطب الغرب باللغات الأجنبية بغية تصحيح صورتنا لديهم، هذه البرامج والحملات الإعلامية تركز على تفعيل دور الإعلام الإسلامى فى تحسين صورة الإسلام والمسلمين من خلال التعرف على صورة الإسلام والمسلمين فى وسائل الإعلام الغربية والأجنبية، كما ينبغى طرح رؤية مستقبلية فى مواجهة ذلك، والتعرف على تأثيرات العولمة فى تشكيل الصورة الذهنية عن الإسلام والمسلمين، وتفعيل دور الاتصال المباشر فى مواجهة الصورة السلبية عنهم فى الغرب، ومن خلال كل هذه الجهود نستطيع أن نواجه حملات التشويه ضد الإسلام فى الغرب، ولا بد من ضرورة إنشاء جهاز إعلامى يتبع للرئاسة، يتولى رصد وتحليل واقع ما يقدم عن الإسلام والمسلمين فى وسائل الإعلام الغربية وإعداد الدراسات العلمية والحقائق التى يعتمد عليها فى الرد على ما يقدم من صور مشوهة أو إساءة تتعلق بالمسلمين وثقافتهم ودينهم. هل ترى أن الخطاب الدينى الموجه للخارج فى حاجة إلى تجديد وتطوير؟ .. بالطبع .. لكن علينا ونحن نسعى إلى تجديد الخطاب الدينى للخارج أن نؤكد مجموعة من الأسس التى تحدد طبيعة الفئة المستهدفة وأنماطها، حتى يكون هذا التجديد على علم وبينة ويؤتى ثماره، أولها لا بد من تأكيد أن الوجود الإسلامى اليوم فى الغرب ليس وجودًا طارئًا أو استثنائيًّا، ولم يعد مجرد جماعات مهاجرة للعمل لا تلبث أن تعود إلى بلدانها، بل أصبح جزءًا من النسيج الاجتماعى لسكان تلك البلاد، خاصة أن أغلبية المسلمين هناك هم من جيل الشباب الذين لا بد أن تقع على عاتقهم مستقبلاً مهمات ومسئوليات كثيرة داخل هذا المجتمع. وثانيها أنه من الأهمية بمكان تأكيد أن الوجود الإسلامى فى أوروبا هو أمر مفيد للمسلمين، وللمجتمعات والدول الغربية على حدٍّ سواء، ويمكن أن يمثل المسلمون هناك حلقة وصل للحوار الحضارى والتواصل الثقافى والفهم والاستيعاب المشترك، دون ذوبان، أو فرض أنماط ثقافية ودينية معينة على أصحاب المعتقد من الجانبين. هل ترى أن هناك إشكاليات قد تواجه عملية تجديد الخطاب الدينى الموجه للخارج؟ بالفعل هناك عدة إشكاليات يجب أن تؤخذ فى الاعتبار، منها إشكاليات تتعلق بالمؤسسات والشخصيات الداعية إليه، ومنها إشكاليات تتعلق بالسياق الذى ترتبط به الدعوات، ومنها كذلك إشكاليات تتعلق بالمفاهيم المستخدمة فى ذلك الخطاب ومدى ملاءمتها للمجتمع الغربي. حدثنا عن كل هذه الإشكالية باختصار؟ بالنسبة للإشكاليات التى تتعلق بالمؤسسات والشخصيات؛ فإن بعض المرجعيات الدينية فى الغرب تدعو إلى مكافحة التطرف والإرهاب وتجديد الخطاب الديني، بينما نجد بعض منتسبيها يتبنون دعوات العنف وهو ما يدفع البعض للتشكيك فى مدى إيمان هذه المؤسسات بقيم المواطنة والمساواة ومكافحة التمييز التى تنادى بها فى وثائقها التى تصدرها، وهو ما يدعو الكثيرين للتساؤل حول جدية هذه المؤسسات فى مكافحة التطرف والإرهاب. وفى الغالب سياق التجديد فى الخارج سياق أزمة وارتباك سواء بالنسبة للأنظمة أو المجتمعات، وغالبًا ما يكون هذا الخطاب رد فعل أو ارتجاليًّا أكثر منه خطاب متسق وعميق يتناول لب المشكلة وجذورها، فهو يتعامل مع النتائج لا مع الأسباب، ومثل هذه الخطابات تفتقد أيضًا لما يمكن تسميته التوجيه والاستهداف النوعى لخطابات مكافحة التطرف وتجديد الخطاب الديني، والتصرف على هذا النحو من رد الفعل تجاه أحداث إرهابية يجعل من الخطاب العنيف أكثر شرعية، وفى هذا الإطار ينبغى أن يقوم على أمر التجديد اجتهاد جماعى يجمع بين علماء المسلمين فى الأرض وعلى رأسهم علماء الأزهر الشريف، بالإضافة إلى علماء المسلمين المقيمين فى الغرب الذين يقومون على أمر مؤسسات الإفتاء والدعوة فى دولهم الغربية، ويحسن أن يتم التنسيق فى أمر هذا الاجتهاد الجماعى المتعلق بتجديد الخطاب الدينى بإنشاء لجان نوعية تناقش ما يعرُض من مشكلات تواجه المسلمين فى الغرب، وتتعلق بشئون دينهم ومعاشهم، كالمشكلات المتعلقة بالاندماج والمواطنة والتعددية الدينية والثقافية، بشكل دورى ومنتظم. هل هناك آليات أو خطوات تساعد فى معالجة هذه الإشكاليات؟ هناك بعض الآليات التى تساعدنا على التعامل بشكل متوازن مع قضايا المسلمين والدول التى يعيشون فيها، منها التواصل مع القيادات الدينية فى الخارج للتعرف على أهم الإشكاليات والمشكلات التى تواجه المسلمين، فكرًا وممارسة، والتعاون معهم وإمدادهم بكل الأدوات والوسائل التى تعينهم على أداء دورهم ليكون الخطاب الدينى خطابًا مؤسسيًّا ومعبرًا عن تنوعات المسلمين وروافده، وكذلك يجب تدريب الأئمة والدعاة الذين يمارسون الدعوة فى الغرب وتأهيلهم للتعامل مع النصوص الشرعية، والتعاطى مع معطيات الواقع، بالإضافة إلى إنشاء مركز عالمى لدراسة فتاوى الجاليات المسلمة فى الخارج، وهى إحدى المبادرات والتوصيات التى خلص إليها المؤتمر العالمى للفتوى الذى عقدته دار الإفتاء فى أغسطس الماضي. وما دور وسائل الإعلام الغربية فى ذلك؟ الإعلام الغربى يلعب الدور الأبرز فى تشويه صورة الإسلام والمسلمين فى الخارج، حيث يميل الإعلام إلى تصدير صورة الإسلام البدائى المعادى لكل القيم الغربية، والمُتَبنى كل أساليب العنف والقتل والذبح، وهى صورة ذهنية ترسخت لدى كثير من أبناء الحضارة الغربية، أثرت بشكل كبير فى مواقفهم المعادية والمضادة لمصالح المسلمين وشؤنهم الخاصة فى المجتمعات الغربية، لذا يجب أن يكون هناك تعاون فعال وتواصل مع وسائل الإعلام الغربية من أجل توضيح هذه الأمور وتصحيح الصورة الذهنية المشوهة عن الإسلام فى الخارج. هل هناك إشكاليات أخرى تواجه الخطاب الدينى الموجه للغرب؟ من المشكلات الكبرى التى تواجه تجديد الخطاب الديني، تصدر غير المتخصصين وغير المؤهلين للتحدث باسم الإسلام والمسلمين، فأصبحنا نواجه خطرين محدقين بالخطاب الديني، خطر يتعلق بالتفريط فى ثوابت الأمة وتراثها، ويدفع نحو إهمال وترك التراث كلية، وخطر يشوه الدين ويلوى عنق النصوص ليبرر جرائم العنف والقتل والذبح التى يرتكبها بعض الغلاة والمتطرفين، لذا يجب على المؤسسات الدينية الكبرى والمرجعيات الإسلامية المعترف بها إيجاد صيغة وآلية لاعتماد العلماء الثقات للتحدث والحوار باسم الإسلام والمسلمين، والتعبير عن قضايا ومشكلات المسلمين حول العالم.