كان المصريون منذ زمن غير بعيد مضرب المثل والقدوة فى التمسك بالقيم النبيلة والأخلاق السامية، وللأسف فقد انتهى هذا الزمن الجميل، وأصبحنا نرى كثرة مظاهر الانفلات الأخلاقى والسلوكيات العنيفة بين طلاب الجامعات والمدارس. وآثار الفيديو المنشور على مواقع التواصل الاجتماعى الخاص برقص طلاب جامعة عين شمس على الأغانى الشعبية، بلبلة، حيث اعتبره مواطنون انحرافاً أخلاقياً وسلوكا غير مسموح به فى محاريب العلم، وبعدا عن الاقتداء بخُلق الرسول صلى الله عليه وسلم، الذى قال فى حديثه الكريم: “إنما بُعِثْتُ لأتمم مكارم الأخلاق”، وجعله الله تبارك وتعالى القدوة والمثلَ فى هذا الأمر فقال عن النبي: «وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيم». وأكد علماء الدين أن الجامعة كمؤسسة تعليمية تعد جزءًا من المجتمع وليس كله ولا يمكننا تحميلها عبء مسئولية الانحدار الأخلاقى للطلاب بصورة مباشرة، كما طالبوا بالرجوع إلى التربية الدينية بغض النظر عن إضافتها للمجموع وزيادة حصصها فى المدارس والجامعات وأن يكون المعلم الذى يدرس هذه القيم قدوة للتلاميذ. ويقول الدكتور نبيل السمالوطي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة الأزهر، أن سبب هذه الظاهرة فى الأساس يعود إلى التربية، وقضية التربية قضية شمولية لا تتعلق بالأسرة او المدرسة أو الجامعة وفقط، بل هى قضية شاملة تلعب فيها عدة مؤسسات معا أدوارا متفاوتة فى الأهمية، تتفاوت فى الأهمية، لكنها تتكامل فى النهاية لتفرز شخصية الطالب او الطالبة التى نراها. ولفت إلى أنه إذا كانت هذه المؤسسات تتشارك معا فى عملية التربية إلا أن الأسرة يظل عليها الدور الأكبر والأهم لأن أخطر سنوات التربية هى تلك التى تسبق الالتحاق بالمدرسة أى السنوات الخمس الأولي، فهى التى تغرس فيها بذور الاستقامة أو الانحراف فى الطفل. ومن أسف فإن كثيرا من الأسر قد تخلت عن مسئوليتها التربوية قسرا وليس طوعا فالأب مشغول فى عمله طوال اليوم يواصل الليل بالنهار لتوفير حياة كريمة لأبنائه، وكذا الأم مشغولة ببيتها أو عملها، ومن ثم غاب التواصل بين الأبناء والآباء فلم يعد الأب يعلم كل شيء عن ابنه ولا الأم أصبحت صديقة ابنتها تعلم سرها وشكواها كما كانت تفعل الأم فى السابق، وفى النهاية اغتربت الأسر وإن كانت تضمهم جدران واحدة. أما المؤسسات التعليمية فلم تكن أقل قسوة على الأبناء، فكثير من المدارس الآن تكاد تكون تخلت عن دورها التربوى هى الأخري، بل إن كثيرا منها تخلى عن دوره التعليمى والتربوى معا. فأين الأنشطة المدرسية التى كان يسهل التواصل خلالها بين الطالب والأستاذ؟!. والنتيجة الطبيعية لذلك أن قطاعا كبيرا من الطلاب الذين يلتحقون بالجامعة يدخلون الجامعة ولديهم أمية دينية وفكرية معا، لا يفرقون بين الحلال والحرام والموضة ومسايرة العصر، فبعض البنات يذهبن للجامعات فى تبرج وسفور وشاع الاختلاط غير المنضبط بين الجنسين، وانتشر ما يسمى بالزواج العرفى بالجامعات والعلاقات الآثمة بين الشباب والفتيات، لأنه ليس لديهم موروث أخلاقى مترسخ يهتدون به، ولعل ما ساعد على ذلك أن مادة التربية الدينية بالمدارس مادة هامشية غير مؤثرة فلا تضاف إلى المجموع ولا يرسب فيها أحد فمن أين تأتى التوعية؟!. وأكد السمالوطى أهمية العناية بمادة التربية الدينية كمادة أساسية فى مراحل التعليم الأساسى وتدريس مادة للثقافة الإسلامية فى المرحلة الجامعية..مشيرا إلى أن الدين يرتبط جدا بالأخلاق وهو المصلح والموجه الوحيد لها، ولابد أن يعى الجميع أن الثقافة الإسلامية هى الضامن الأساس لإصلاح المجتمع مسلميه ومسيحييه. كما طالب بعودة نظام الأسر بالجامعات وتفعيل دور المدرسين الأبوى فى هذه الأسر كما كان فى السابق بأن يتكفل كل أستاذ بمجموعة من الطلاب يكون بمثابة الأب لهم يتعرف إلى مشاكلهم وظروفهم ويساعدهم فى تجاوز ما يعترضهم من معوقات. وناشد الآباء والأمهات العناية بالتربية السليمة للأولاد منذ الصغر، وطالب مؤسسات الدولة بتبنى برنامج لإعادة توجيه أولياء الأمور للتربية السليمة عبر الوسائل المختلفة من تليفزيون وصحافة وندوات وخطب، وتفعيل دور الأنشطة المدرسية وأسر الجامعات. ليكمل الدور التربوى مع الدور التعليمي، وحينها يتم إفراز طالب صالح للمجتمع. من جانبه أوضح الدكتور إمام رمضان إمام، أستاذ العقيدة والفلسفة المساعد بجامعة الأزهر، يوضح أن آفة الانفلات الأخلاقى فى المجتمع المصرى ليست وقفا على شباب الجامعات فحسب، بل هى ظاهرة ابتلى بها جميع شرائح وفئات المجتمع إلا من رحم ربي، حتى إن الطفولة البريئة لم تنج من هذه الآفة، فلطالما شاهدنا أطفالا تصدر عنهم ألفاظ لا يتصور عاقل أن تصدر عن شاب، فضلا عن طفل لم يتجاوز التاسعة أو العاشرة من عمره. وهو ما يعنى أن النضج الفكرى لدى أطفالنا أصبح يسبق نضجهم الجسدي، ولكن للأسف لا ينضج لديهم إلا الغريب والشاذ والمستهجن من الأفكار تأثرا بمن حولهم ما يسمعونه ويشاهدونه سواء فى التلفاز ووسائل الاتصال الحديثة أو البيئة المحيطة بهم. وعليه فلم يعد غريبا أن يتلفظ طفل (لا يعقل) بألفاظ وإيحاءات جنسية لا تتماشى مع إدراكه ومرحلته العمرية. وما ذلك سوى لأننا تركنا أولادنا يربيهم التلفاز والمسلسلات المدبلجة والكمبيوتر ومواقع الإنترنت، وادعينا زورا وبهتانا بأننا مشغولون فى توفير حياة كريمة لهم!. المراقبة والتقويم وأكد د.إمام أن واجب التوجيه والمراقبة والتربية الدينية الصحيحة أهم بكثير من توفير المال وتحسين مستوى المعيشة، فالدين يصلح حياتنا ويجبر أى نقص عندنا، لكن الأموال ووسائل الرفاهية لن تكون أبدا عوضا عن الدين، وعليه فلا عذر للوالدين فى انشغالهم عن أبنائهم أو تقصيرهم فى التربية، فلو قاموا بواجبهم من الأساس لكان الأبناء نبتا صالحا لا يحتاج سوى للمباشرة والمتابعة، ولكن الأسر استقالت من التربية: فأين دور الأسرة من البنت التى تخرج للجامعة متبرجة، وأين هى من الفتاة التى تأتى متأخرة بصحبة زميل لها فى سيارته، وكم من الآباء والأمهات يعلمون جداول محاضرات بناتهم فبعض الشباب يذهب للجامعة حتى فى الأيام التى تخلو من المحاضرات، لا لشيء سوى للقاء الفتيات وارتياد المقاهي، وكم من فتاة ذهبت إلى الجامعة وهى فى زيها كأنها تذهب لحفل أو عرس! أين أولياء الأمور من هذه النماذج؟! أين الأب والأم من مسئولياتهم والنبى صلى الله عليه وسلم يخبرنا بأن” كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته.” وأكد إمام أن أخطر ما يمكن أن تبتلى به أى أمة أن تبتلى فى شبابها، فالشباب هم عماد الأمة ومستقبلها وسواعدها التى تبنى وعقولها التى تفكر. وأرجع شيوع اللامبالاة والتدنى الأخلاقى بين شباب الجامعات علاوة على الأسباب السابقة إلى غياب الأمل لدى الشباب وغياب التفاؤل، فكثير من الشباب يدرس وليس لديه أمل فى الحياة، هو يدرك أنه لا أمل فى فرصة عمل لائقة وآنية، وبالتالى لا أمل فى الزواج وتأسيس أسرة وبيت على المدى القريب، ويعلم من ناحية أخرى أن تعيينه فى جهة ما ليس مرتبطا بتفوقه، بقدر ما يرتبط بمن يوفر له هذه الفرصة، ومن ثم لا يطمع فى أكثر من الحصول على المؤهل بأى شكل من الأشكال، فعلام يرهق نفسه فترة الجامعة، فالجامعة بالنسبة لكثير من الشباب هى مرحلة ترفيه واستراحة من سابقاتها من المرحل الدراسية. كما يجب على الإعلام أن يكثف من البرامج التربوية التى تساعد أولياء الأمور وتعلمهم كيف يربون ويتعاملون مع أبنائهم، ويجب أن تهتم المدرسة والجامعة وجميع المؤسسات التربوية والتعليمية والتثقيفية بالجانب الإنسانى لدى الطالب وليس الجانب التعليمى فقط.. فقد لا يقدر لهذا الطالب أن يكون موظفا أو يعمل فى مجاله وتخصصه، ولكنه فى أى مكان سيكون إنسانا فلنحرص على أن يكون صالحا وعنصرا فاعلا فى مجتمعه.