حتي الآن, لا تمثل ظاهرة الإلحاد خطرا داهما علي المجتمع المصري, كما يؤكد علماء الدين, ولكن مع انتشار المواقع الإلكترونية التي تروج للفكر الإلحادي وتزايد عدد الشباب الزائرين لها. دفع عدد من نواب التيار المدني وحزب النور بمجلس الشوري إلي التقدم بطلب مناقشة إلي الدكتور أحمد فهمي رئيس المجلس, حول ارتفاع نسبة الإلحاد بين الشباب المصري, وبحث سبل التصدي لتلك الظاهرة ومواجهتها قبل أن تتحول إلي خطر يهدد استقرار المجتمع. وإذا كان علماء الدين وخبراء الاجتماع أكدوا أن الشعب المصري المتدين بفطرته لن يتأثر بمثل تلك الأفكار ولن ينساق وراء تلك المؤامرة, فإننا نتساءل عن سبل المواجهة ؟ وكيف يمكن تحصين الشاب من ارتياد تلك المواقع التي يصعب فرض الرقابة عليها؟ وكيف يمكن للمؤسسات الدينية والتربوية والإعلامية التصدي لتلك الحملة التي تنال من ثوابت الدين وعقيدة الشاب؟ في البداية يوضح الدكتور حامد أبو طالب, عضو مجمع البحوث الإسلامية, أن هناك مواقع متعددة علي شبكة الإنترنت تدعو إلي الإلحاد, ولها رواد كثيرون, وحققت نتائج بإلحاد عدد من الشباب, هذا الأمر إذا كان علي النحو الذي قيل فإنه أمر بالغ الخطورة, ويستدعي من الدولة والهيئات الدينية التكاتف في مواجهة الظاهرة خاصة في ظل تطور وسائل الاتصال الحديثة التي حولت العالم الي قرية صغيرة, ونظرا لصعوبة فرض الرقابة علي تلك المواقع, يطالب الدكتور حامد ابوطالب الهيئات الدينية, بتطوير وسائلها الدعوية للوصول الي قطاعات الشباب والتواصل معهم وعدم تركهم فريسة لتلك المواقع المشبوهة التي تبث ما يخالف فكر وفطرة المجتمع المصري المتدين, كما طالب الأزهر ووزارة الأوقاف ودار الإفتاء وكل التيارات والجمعيات العاملة في مجال الدعوة بتنسيق الجهود لحماية الشباب وتحصينهم ضد المساس بعقائدهم عن طريق شبكة المعلومات الدولية. ظاهرة دخيلة من جانبه يؤكد الدكتور محمد الدسوقي, أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر, أن الصراع بين الحق والباطل سنة كونية, وهذه الظاهرة تعتبر من الظواهر الدخيلة علي المجتمع المصري, ويساعد عليها الاختلاف والصراعات بين التيارات الإسلامية, لأن هذه الاختلافات تعطي انطباعا لدي هؤلاء الشباب أن الدين الذي نتحدث عنه وهو دين الوحدة والأخوة والتكامل والتسامح ليس موجودا, والسبب الآخر أن هؤلاء الشباب نشأوا نشأة غير مدعمة بالثقافة الدينية فدأبوا علي التشكيك في الدين. وحذر الدكتور محمد الدسوقي من استمرار الصراع السياسي وحالة التخوين بين التيارات والقوي السياسية التي تسعي في كثير من الأحيان إلي تشويه فكرة الحكم الإسلامي, ويضيف قائلا: ان هذا الصراع هو الذي دفع بعض الشباب إلي الابتعاد عن الدعوة الإسلامية, بسبب حالة التنافر والتناحر, ويجب علي الجميع إعلاء مصلحة البلاد والعباد فوق مصالحهم وأطماعهم الشخصية, والذي تسبب في مناخ غير طيب لهؤلاء المتمردين علي الدين جعلهم يلجأون الي إعلان إلحادهم. ويؤكد الدكتور الدسوقي, أن الظاهرة لم تبلغ حدا مخيفا, وان بعض الأفراد المعدودين لا يمثلون خطورة علي المجتمع, خاصة ونحن بلد الأزهر قلعة الإسلام الأولي في العالم كله, وعلي أهل الذكر والدعاة وأئمة المساجد أن يتوافر لديهم فكر الدعوة الصحيح وفقه الأولويات, خاصة أن بعض خطباء المساجد يهتمون بأمور ثانوية ويتركون الأمور الحيوية, والجوهر لا المظهر, وان يتوقف الجميع عن اثارة الفتن والفتاوي الغريبة والعجيبة, التي تسهم في تفشي الأمية الدينية بين الشباب, وأن يقدموا الإسلام بقيمته السمحة التي تنتج ولا تعطل. سبل المواجهة ويوضح الدكتور نبيل السمالوطي, أستاذ علم الاجتماع بجامعة الأزهر, أنه حتي الآن لم ترصد بحوثنا الاجتماعية وبحوث طلابنا في جامعة الأزهر ظاهرة الإلحاد, ولكن مع ذلك لا نستطيع إغفالها أو تجاهلها فهي ظاهرة عالمية, من الممكن أن يكون بعض الشباب بغير قناعة بدين معين ويريدون تغييره, ففي اندونيسيا ونيجيريا خرج الكثير من الإسلام إلي ديانات أخري, وإن كانت هذه الظاهرة بدأت تظهر ببطء في مصر, فأري أنه يرجع علي عدة أسباب منها أنه في مصر من خلال الأبحاث والدراسات التي تجري يوجد70 % من المصريين وخاصة الشباب لا يفهمون الإسلام فهما صحيحا, ولديهم أفكار خاطئة عن الجوانب الاجتماعية في الإسلام, وهناك بالفعل أفكار خاطئة لدي البعض عن الجوانب العقائدية في الشريعة, فهناك ما يطلق عليه خطأ الإسلام التكفيري, وما تسمي الجماعات الجهادية التي تفهم الجهاد في الإسلام فهما خاطئا, وهناك ما يسمي أيضا بالتطرف الإسلامي( لأن الإسلام لا يوجد به تطرف), فلا يمكن تسمية إسلام التطرف, كل هذا يعني أن نسبة عالية جدا تصل إلي ما لا يقل عن75 % من شباب مصر لا تفهم الإسلام الصحيح في وسطيته وتسامحه, وحرصه علي الحقوق والحريات, وحد الكفاية الاقتصادية لكل من يعيش علي أرض الدولة المسلمة, سواء مسلم أو غير مسلم,( لهم ما لنا وعليهم ما علينا). ويضيف السمالوطي أن سبب الأمية الدينية في مصر أن الشاب لا يدرس الإسلام دراسة جادة في أية مرحلة من المراحل الدراسية, فالأسرة لا تعلم وأغلب الأسر المصرية الأب فيها مشغول بلقمة العيش والأم كذلك, إلي جانب سيادة الأمية الدينية حتي لدي الآباء, فالأسرة والمدارس لا تعلم الدين الصحيح, ومناهج التربية الإسلامية في المدارس لا تدرس لأن الدين مادة هامشية في كل مراحل التعليم قبل الجامعي ولا تدخل في المجموع ولا يهتم المعلمون بتدريسها, ومن يدرسها هم أساتذة اللغة العربية يحولون وقت حصص الدين لاستكمال مناهج اللغة العربية ولا توجد تربية دينية في المدارس تربي الأطفال علي الأمانة والصدق وتحمل المسئولية, فأغلب المدارس المصرية استقالت من وظيفتها التربوية علي مدي سنوات طويلة, وإذا نظرنا الي المساجد أو دور العبادة نجد أنها تمارس الدعوة وخطب الجمعة ودروس العصر بشكل تقليدي جدا كوظيفة أو أداء واجب, وهناك العديد من مشايخ هذه المساجد لا يركزون علي القراءة الاجتماعية للإسلام في وسطيته وتسامحه وحرصه علي تحرير العقول من الخرافات وجعله للعلم والتنوير, وعمارة الأرض والإنتاج, عبادة دينية أو فريضة دينية يتقرب بها الإنسان من الله سبحانه وتعالي, في ظل هذه الأمية الدينية خاصة أن الجامعات لا تعلم الدين, وقد طالبنا أكثر من مرة في رابطة الجامعات الإسلامية واتحاد الجامعات العربية بتدريس الثقافة الإسلامية في كل الجامعات ولكن هذا لم يحدث فالجامعات ليس لها علاقة بتعليم الدين إلا الكليات الشرعية, في كل هذه الظروف نستطيع تفسير الأمية الدينية لدي الشباب وإذا غاب الدين بقيمه وعقيدته وسلوكياته فإن الشباب الذي يشاهد القنوات الفضائية ويتعامل مع المواقف الخطرة للإنترنت يصبح فريسة للشيطان الذي يدعوه لإشباع غرائزه بشكل غير أخلاقي وغير شرعي, ومن هنا أيضا يسهل علي أي جماعة منحرفة إخراج بعض المسلمين من الشباب عن دينهم. وحذر الدكتور نبيل السمالوطي, من أن الشباب في مصر قوة مستهدفة من كل الدول والهيئات التي لا تريد الخير لمصر والتي تريد إسقاط مصر بوصفها منارة الإسلام ومنارة التحرر القومي ومنارة اللغة العربية علي مدي أكثر من1000 سنة, والخاسر في هذا كله هو الشباب غير الواعي بدينه والمسئولية هنا علي عاتق المؤسسات التربوية والدعوية والإعلامية التي تقصر في أداء واجبها المقدس في بناء شخصيات الشباب علي أسس إسلامية صحيحة.