علمتني أمي كنز الحكمة الربانية كما كل الأمهات المصريات اللاتي كن وراء الرجال في ظهور أعظم حضارة في الوجود التي اسمها الحضارة المصرية.. دون أن نكتب اسمائهن عليها وهي نفس عبارة جيمس هنري بريستد المؤرخ العظيم صاحب أعظم كتابه عرفه الإنسان اسمه: فجر الضمير.. الذي اشرق بنوره في سماء مصر قبل الزمان بزمان.. أقول علمتني أمي ألا اتراجع أبدا.. عن كلمة قلتها أو قرار اتخذته وقالت لي: أنت السيد في بيتك.. وفي حياتك.. كلامك أوامر.. ومن ذا الذي يخالف أوامرك.. لا تتراجع أبدا عن كلام قلته أو قرار اتخذته.. ولا تنخدع بكلام المرأة ولا تضعف أمام دموعها ولا تلتفت إلي »نهنهة«.. الستات وهي كلمة نساء بولاق والسبتية ودرب شكمبا.. عند عمنا سيبويه.. وسيدنا وتاج راسنا مختار الصحاح معا.. تعني: دلع أو استعطاف وهي أقل قليلا في معناها.. من كلمة مكر أو كيد.. وكيد النساء كما يقول الحق عز وجل في محكم آياته كان عظيما... وكما قال سيدنا سليمان عليه السلام للملكة بلقيس وهي تزوره في مملكته في أورشليم فيما روي المؤرخون.. وكما حكي الرواة في كتب التفاسير والهوامش كلمة الرجل هي سيفه البتار.. أما السمع أو البتر! ولقد قالها يوما داهية العرب عمرو بن العاص فاتح مصر: لو اتخذت قرارا ودخل في روعي وفي قلبي أنه الصواب وأنه الحق.. ما تراجعت عنه أبدا.. وقالت لي أمي يوما: لا تتراجع عن قرار اتخذته.. حتي لو كان خطأ.. الأيام وحدها هي التي سوف تصححه وتعدله وتجعله صوابا عند الجميع.. وعندما قلت لها: لكن يا أمي القرار الخطأ يؤدي إلي نتائج خاطئة! قالت: ولكن يبقي للرجل هيبته التي لو فقدها فقد كل شيء.. لا أحد يسمعه بعد ذلك.. ولا أحد يسير خلفه.. أسألها: ومن الذي يصحح الخطأ يا أمي وهو من اسمه خطأ؟ قالت كلمة واحدة اسمها يا عزيزي: الأيام! وقال طاغور حكيم الهند العظيم: الرجل كلمة وقرار وطريق.. ولما سألوه: ما معني الكلمات الثلاث في حياة الرجال؟ قال: الرجل كلمة يقولها ولا يتخلي عنها.. وقرار يتخذه ولا يتراجع عنه مهما كان الأمر.. وطريق يسلكه ولا يحيد عنه أبدا.. مادام صوابا.. وقال زعيم الأمة سعد زغلول وهو جالس مع رفاقه في المنفي: إذا اقتنعت بقرار اتخذته علي الفور.. سأله رفاقه في المنفي: وما هو هذا القرار؟ قال: وهل هناك غيره.. إنه قرار الجهاد من أجل استقلال مصر.. وها نحن معا ندفع ثمن هذا القرار.. ولكن يهون كل شيء من أجل مصر! .......... .......... قال لي صديقي المدمن قراءة صحف + الفرجة علي مواقع التواصل الاجتماعي + البحلقة طول الليل في برامج «حلق حوش» للفرجة علي حوارات وتوقيعات وسخافات برامج القنوات الفضائية التي تريد جنازة وتشبع فيها لطما: ألم تدرك حتي الآن يا عزيزي أن حكومات مصر ووزرائها علي مدي ثلاثة عقود.. أصبحوا مدمنين! بانزعاج حقيقي قلت له: مدمنين إيه بالصلاة علي النبي يا أمير الأمراء؟ قال: مدمنين تراجع! قلت: تراجع في إيه؟ قال: تراجع في القرارات المصيرية.. الدولة تتخذ قرارا.. ثم تتراجع عنه.. الوزير من دول يصدر قررارا يوم الأحد.. ثم يلحسه يوم الخميس..! قلت له: موش فاهم؟ قال: امسك قلما وورقة وخليني امليك زي ما كان مدرس اللغة العربية في ثالتة تاني في المدرسة الأميرية في شبين الكوم بيملينا واحنا لسة في ثالثة ابتدائي! قلت له: ياه أنت لسة فاكر! قال: في رأيي ومن خلفي طابور طويل نت عقلاء القوم فينا.. أن أكبر خطأ ارتكبته الحكومة هذه الأيام انها تراجعت عن نسبة العشرة في المائة للحضور لتلاميذ المدارس بتجميد العمل بتخصيص ال10 درجات للحضور والانضباط السلوكي لطلاب الثانوية العامة هذا العام.. بعد انتفاضة طلاب الثانوية العامة وبعد ان عاد الانضباط في حضور التلاميذ إلي فصولهم لأول مرة في تاريخ المدارس الثانوية والتعليم المصري حتي سجل رقما قياسيا في الحضور لم يبلغه منذ سنوات طويلة وهو نسبة حضور للتلاميذ والتلميذات في المرحلة الثانوية بلغ لأول مرة 85% وأكثر باعتراف وزير التعليم نفسه؟ .......... .......... قلت له: يعني رجعت ريما لعادتها القديمة.. قال: وكأنك يا أبوزيد ما غزيت.. قعدنا سنوات نحارب الدروس الخصوصية وماقدرناش عليها حتي صدر القرار التربوي العظيم بتخصيص نسبة 10 درجات لحضور التلاميذ والتلميذات إلي فصولهن.. لترميم العملية التعليمية كلها من جذورها.. وإعادة الهيبة والانضباط للمدارس.. وللمدرس الذي انبح صوته.. ولكي يتعلم التلاميذ في مدارسهم وليس في »كنتونات« مافيا الدروس الخصوصية التي خربت العملية التعليمية برمتها وقصمت ظهر أولياء الأمور دفعا لأباطرة الدروس.. ومعها مافيا القضاء علي الفصل الدراسي والكتاب المدرسي والمدرس المصري وحاله اصعب من الغلب نفسه.. والذي يريد أن يعيش ويعلم ويخرج أجيال تعرف تقرأ وتكتب وتحفظ قراءانا وتفسيرا وأدبا وعلما كما علمنا رفاعة رافع الطهطاوي والشيخ محمد عبده وعلي باشا مبارك وطه حسين وأحمد شوقي وحافظ إبراهيم.. قلت: هذا معناه يا عزيز فشل العملية التعليمية برمتها.. وكأنك يا أبوزيد ما غزيت! قال: هذا دلع زيادة عن اللزوم للطلاب والطالبات اللاتي لا يردن أن يذهبن إلي المدرسة والانضباط والحضور اليومي وتلقي الدروس من مدرس الفصل وليس من مدرس مراكز الدروس الخصوصية التي أصبحت مقررة علينا نحن أولياء الأمور شئنا أم ابينا.. وما علينا إلا أن نضع رأسنا في التراب وأن نركع ونقبول آمين! .......... .......... قال لي ولي أمر تلميذ في الإعدادية: يا باشا هو فيه تعليم دلوقتي في مصر.. ما خلاص.. كنا زمان نحفظ القرآن ونتعلم الكتابة علي ألواح »الأردواز« في كتاتيب المشايخ قبل ما ندخل المدرسة.. قلت له: أنا حفظت جزء عم كله في القرآن وأنا في كتاب برفع الكاف وضم التاء وسكون الباء الشيخ البهادي في مدينتي القناطر الخيرية.. ثم تعلمت الكتابة في نفس الكُتَّاب.. وعندما دخلت المدرسة الابتدائي في شبين الكوم امتحنوني وقالو لي: انت تخش ثانية ابتدائي علي طول موش أولي ابتدائي.. كل هذا من تعليم الكتاب برفع الكاف وتشديد التاء الشيخ البهادي! .......... .......... قال لي صديقي: يا عزيزي الحكومة المصرية ادمنت حاجة اسمها: التراجع! أسأله: يعني أيه؟ قال: سأقرأ لك ما جاء في صحيفة «المصري اليوم» يوم الأحد الماضي قالت في المانشيت الرئيسي بالحرف الواحد: فشلت الحكومة في الصمود أمام الضغوطوالاحتجاجات للمرة الخامسة علي التوالي.. فبعد التراجع عن تطبيق ضريبة الأرباح الرأسمالية في البورصة لمدة عامين + تراجعت عن تطبيق منظومة الكروت الذكية للبنزين + وتراجعت عن وقف تصدير الأرز بجميع أنواعه لمدة عام + وتراجعت عن إلغاء حظر استيراد القطن من الخارج عادت لتتراجع عن قرار تطبيق درجات السلوك لطلاب الثانوية العامة التي وردت في لائحة الانضباط.. بعد انتفاضة طلابية استمرت أكثر من أسبوع وتجميد العمل بقرار تخصيص ال10 درجات للحضور والانضباط السلوكي لطلاب الثانوية العامة هذا العام! اللي اختشوا ماتوا! والعبارة الأخيرة ليست لي.. ولكنها لأم »ازدحمد« وهي أم لأربعة تلاميذ وتلميذات أصبحن بعد قرار الوزير.. لا يذهبن إلي المدرسة بعد الآن.. ورجعت ربما لعادتنا القديمة زي ما بيقول المثل البلدي الشهير!. .......... .......... قالت لي مدرسة لغة انجليزية في مدرسة لغات خاصة ارادت ألا أذكر اسمها خشية أن يستقصدوها بعد ذلك وهو نفس تعبيرها في مديرية التعليم وهي موش ناقصة واللي فيها مكفيها: حضرتك عاوز تشوف بعينك اللي بيحصل في المدارس الأميري يعني الحكومي موش الخاصة بعد قرار الوزير بالغاء عقوبة العشر درجات حضور دي؟ قلت لها: ياريت عشان أعرف إيه اللي حصل بعد قرار تجميد قرار العشر درجات؟ قالت لي: بس فيه حاجتين: نمرة واحد ماتقولش اسم المدرسة اللي حتروحها ولا اسم المدرسين اللي هاتقابلهم عشان ماحدش يستقصدهم بعد كده؟ في الصباح عملت بنصيحة الست خوفا علي مصلحة الأولاد والعملية التعليمية كلها.. وذهبت إلي مدرسة أميرية قريبة من بيتي.. تقمصت شخصية ولي أمر تلميذ.. لكي أسأل عن أحواله المدرسية ودرجاته التحصيلية.. المدرسة هس هس برفع الهاء وسكون السين.. كنا في ساعة الحصة الثالثة من اليوم الدراسي.. الفصول شبه خالية إلا من يادوب عشرة أو خمسة عشر تلميذا في الفصل.. والمدرس عمال يدبح في حسه في الشرح والعيال العفاريت.. ولا هنا..! دق جرس الفسحة.. وجلست إلي المدرسين في غرفتهم.. سألت: إيه الي حصل بعد الغاء شرط الحضور والعشر درجات؟ قالوا في نفس واحد: الفصل قبل الالغاء كان شبه كامل العدد. كانت نسبة الحضور تتراوح ما بين 75% إلي 85%،. والعيال انتظموا وصحصحوا.. والمدرسين بدأوا يستردوا عافيتهم التعليمية.. واسئلة في الفصل وواجبات في البيت! قلت مضيفا من عندي: والمدرسة بقت خلية نحل ولكن تعليمية؟ قالوا.. أيوه.. ولكن بمجرد صدور القرار إياه بتجميد العشر درجات.. رجعنا يامولانا كما خلقتني.. ورجعت اعلانات الدروس الخصوصية تلطخ سور المدرسة من بره.. عندما خرجت من المدرسة رحت أقرأ إعلانات أباطرة الدروس الخصوصية بالاسم علي جدران المدرسة والبيوت المجاورة: بليغ وجدي لبلب اللغة الفرنسية.. سعدون الجبار شمشون الانجليزي + سيبويه اللغة العربية.. وكل واحد بجواره رقم موبايله.. ........ ........ فى دراسة عالمية عن حالة التعليم فى 150 دولة.. طلعت مصر رقم 149.. يعنى قبل الاخيرة.. واللى اختشوا ماتوا.. ويامدارس يا مدارس.. ياما كالنا ملبس خالص.. والعبارة لعمنا الممثل الكوميدي القدير: أمين الهنيدي!{