كثيرون هم البسطاء .. الذين يعيشون في هذه الدنيا .. دون أن يشعر بهم أحد .. يقومون بمهن بسيطة .. قد لا تؤثر تأثير مهن أخرى .. أكثر صعوبة وتعقيدًا .. على المجتمع .. ولا تدر عليهم سوى نقود قليلة .. لاتكفي للتغلب على غائلة الحياة ... ولكنهم رغم هذا راضون بقدرهم .. متسامحون مع أنفسهم .. وكل من حولهم من البشر .. يمضون أعمارهم بحلوها .. ومرها .. شاكرين .. حامدين .. مؤمنين بأن الله سبحانه وتعالي .. مقسم الأرزاق .. وحكمته أن يخلقهم على تلك الحال ......
لذا تجد البسمة تضئ وجوههم .. والطيبة تشع من عيونهم .. والمحبة تملأ قلوبهم .. والقناعة والرضا يحتويان كل كيانهم .. ويحتفظون في الوقت نفسه .. بخصال الشخصية المصرية الأصيلة .. من الشهامة .. والمروءة .. والجدعنة .. وحب الخير للناس .. هؤلاء يستحقون أن يسمعوا كلمة شكر .. أو تحية بسيطة .. ولو عابرة .. لن تكلفك مجهودًا .. أو إشادة بإخلاصهم في عملهم .. مهما كان بسيطًا .. لنشعرهم بإنسانيتهم .. وحب الحياة ....
ومن تلك النماذج الجميلة .. عّم سيد .. ساقي النبات .. الذي عاش مخلصًا لعمله .. 25عامًا .. في الأهرام .. دأب خلالها على ارتياد كل مكاتب المؤسسة .. بدءًا من مكتب رئيس مجلس الادارة .. مرورًا بمكتب رئيس .. ومدراء التحرير .. وانتهاء بمكاتب المحررين الصحفيين .. والاداريين .. صاعدًا هابطًا بين الأدوار الاثني عشر .. في المبني الرئيسي الرخامي العملاق للمؤسسة .. الرابض بشموخ .. في منتصف شارع الجلاء .. يروي حديقتيه الصغيرتين الموجودتين أمام مدخله .. وأصص الزرع الأخضر .. في كل دور .. ليزيده نضارة وبهاء .. ويمنحه المزيد من الحياة .. ببخاخة الماء التي لم تفارق يديه .. طول فترة عمله في الاهرام .. التي بلغت نصف قرن من الزمن .. حتى بات كل الأهراميين يعرفونه جيدًا .. من الكبير للصغير .. من الأعلى منصبًا .. للاقل مهنة ...
واليوم عند خروجي من عملي في نفس المبنى .. عصرًا كعادتي في الخميس .. من كل أسبوع .. رأيته أمامي .. منكبًّا على عمله .. يروي .. في حنوٍ وكأنها أولاده .. النخلات الثلاث الصغار الجميلة .. التي تزين حديقة الاهرام الصغيرة الثانية .. القابع بها مجسم حرية الصحافة الحجري .. على هيئة حمامة .. بجناحين مفتوحين على اتساعهما .. نظرت إليه مبتسمًا .. وحييته أجمل تحية .. وقلت له ضاحكًا .. وانا أُخرِج محمولي .. وأهمُّ بتصويره : " زي ما انت كده .. ممكن صورة ياعم سيد؟" .. فبادلني بابتسامة رائعة .. تفوح منها الطيبة .. واستسلم لعدستى .. وانا التقط له .. احلى اللقطات .. بعدها افتح له الجاليري ..ليرى صوره .. وتعلو شفتيه ضحكة طفل بريئة .. ليودعني قائلًا : "ربنا يخليك يا أستاذ ياسر .. ومايحرمني منك .. دا انا صوري حلوة قوي" .. فأرد عليه : "الأصل احلى ياعم سيد ياجميل" .. وانصرف .. تلاحقني دعواته لي بالبركة في الرزق .. وطول العمر ....
ودي كانت حكايتي اليوم مع عّم سيد .. ياحلاوتك ياعم سيد .. يا راوي الجمال [email protected] لمزيد من مقالات ياسر بهيج