رنة مميزة على تليفونى المحمول تعلن وصول رسالة تحمل أخبارا جديدة :"السعودية وإيران تدرسان حفر قناة جديدة بكل منهما لتغيير الجغرافيا السياسية والأمنية للمنطقة"! قفزت تلك الرسالة على شاشة تليفونى المحمول لتؤكد أن التوتر بين السعودية وإيران يستعد للقفز إلى مستوى جديد أكبر خطرا وأعمق توترا وقلقا. فقد دفعت أجواء التوتر الحالية فى الشرق الأوسط كل من المملكة السعودية وإيران إلى البحث عن وسائل جيوسياسية (متعلقة بالجغرافيا السياسية) لتجنب التهديدات على المستويين الإقليمى والدولى. وكانت قناة السويس الجديدة التى تم إفتتاحها فى مصر خلال شهر أغسطس 2015 دافعا لأن تتجه كل من السعودية وإيران إلى إستدعاء أفكار حفر قنوات جديدة تخدم مصالح كل منهما وتستخدم كأداة لمواجهة التهديدات المستقبلية. وقد شهد العام الحالى عودة الحديث بقوة عن حفر "قناة سلمان" فى السعودية وقناة "بحر قزوين الخليج"الإيرانية. أولا: فيما يتعلق بالقناة السعودية أشار مركز "القرن العربى" للدراسات فى العاصمة السعودية الرياض فى شهر سبتمبر 2015، إلى إعتزام السعودية إنشاء مشروع قناة بحرية كممر ملاحى بديل عن مضيق هرمز الممر المائى الحالى الوحيد للخليج العربى. وأكد المركز أنباء إعداد دراسة متكاملة لربط الخليج العربى بحرا ببحر العرب. والمشروع البحثى فى صورته الأخيرة تقرر تسميته ب"قناة سلمان" تيمناً باسم خادم الحرمين الشريفين. ووفق مصادر المركز فإن مشروع القناة يعتمد على مسار رئيسى فى الأراضى السعودية ومسارين احتياطيين (عبر اليمن أو سلطنة عمان)، فالقناة فى الخطة الرئيسية تبدأ من الخليج العربى من السواحل السعودية على "خور العديد" وتتجه إلى بحر العرب بطول 950 كم وتمتد فى الأراضى السعودية 630 كم، وفى الأراضى اليمنية 320 كم، ويبلغ عرض القناة 150 مترا، والعمق 25 مترا. وبالتالى تستطيع دول الخليج تصدير نفطها عبر هذه القناة إلى بحر العرب، دون حاجة للمرور عبر مضيق هرمز. وقد تمت دراسة سبل الإستفادة الإقتصادية والإجتماعية وذلك بإقامة الفنادق السياحية على ضفاف القناة، وتوفير اكتفاء ذاتى للسعودية من الثروة السمكية وإنشاء بحيرات مرتبطة بالقناة لهذا الغرض، بالإضافة لمشاريع الطاقة وتحلية المياه وإقامة 20 نفقاً للسيارات والمشاة، وتخطيط ثلاث مدن سكنية ومدينتين صناعيتين، وورش صيانة السفن. وتقدر الفترة اللازمة للإنتهاء من جميع الأعمال بخمس سنوات بتكلفة تصل إلى 80 مليار دولار. ثانيا: وعلى الجانب الآخر من الخليج صرح علاء الدين بروجردى، رئيس لجنة الأمن القومى والسياسة الخارجية بالبرلمان الإيرانى، بأن شركة "خاتم الأنبياء" المملوكة لقوات الحرس الثورى الإيرانى تقوم بعمل دراسة لشق قناة بحرية تربط بين بحر قزوين شمال إيران بالخليج العربى. وبدا من الواضح أن القناة التى تتم دراسة شقها فى إيران تعد ذات أهمية إستراتيجية وجيوسياسية أكثر منها مشروع له أغراض إقتصادية. وتقدر التكلفة الأولية للقناة الإيرانية المقترحة بأكثر من 7 مليار دولار. وتعتمد الدراسة على إختيار أحد مسارين، فالقناة فى الخطة الرئيسية بطول 950 كيلومتر تبدأ من السواحل الإيرانية لبحر قزوين شمالا وصولا إلى غرب إيران عند شمال الخليج العربى على مقربة من الحدود العراقية. أما المسار الثانى وهو الأطول والأكثر صعوبة حيث يتراوح طوله بين 1465 1600 كيلومتر ويبدأ من سواحل إيران على بحر قزوين شمالا وصولا إلى أقصى جنوبإيران حيث بحر عمان وبالتالى يتم تجنب مضيق هرمز. وعلى الرغم من أن فكرة شق قناة بين بحر قزوين والخليج العربى تعود إلى أكثر من 100 سنة، فإن قادة إيران يوظفون الفكرة كورقة مساومة جيوسياسية يتم التلويح بها فى وجه الغرب بين الفينة والأخرى. وتعود أهمية القناة فى المقام الأول إلى أنها ستفتح الباب أمام الأساطيل الروسية فى البحر الأسود للوصول السريع المباشر إلى قلب الخليج العربى أو إلى خليج عمان وبحر العرب والمحيط الهندى وهو الهدف الإستراتيجى الدائم لروسيا ومصدر ذعر الغرب على مدار قرون. وهكذا وعلى الرغم من عدم تجاوز خطط حفر القنوات المائية الجديدة بكل من السعودية وإيران لمراحل البحث النظرى ودراسات الجدوى، بالإضافة إلى الجهد الدعائى لكل طرف، فإن مجرد طرح الفكر الذى يقف وراء مشاريع حفر تلك القنوات يدفع إلى المزيد من التأمل فيما يلى عمليات الحفر والتشغيل، إن حدث، مما يطرح تساؤلات عديدة أبرزها: هل ستسكت القوى الكبرى على مشاريع القنوات السعودية والإيرانية؟!. دارت تلك الأفكار فى ذهنى فنحيت تليفونى المحمول جانبا ونظرت إلى الأفق فى صمت. لمزيد من مقالات طارق الشيخ