تبدو الكتابة عن مستقبل مصر حاليا أمرا في غاية الصعوبة, فكل الشواهد تشير إلي أن النخبة المصرية لم تكن عند حسن ظن الجماهير التي اشعلت ثورة25 يناير وقدمت ما قدمت من أجل مستقبل أفضل لهذا البلد, الذي لم يخرج من عثراته حتي هذه اللحظات علي الرغم من انتخاب البرلمان بغرفتيه( الشعب والشوري). والمعروف في نظريات العلوم السياسية أن الشعوب تنتفض وتصنع الثورات وتكون وقودها أيضا, أما النخب فهي التي تصنع التاريخ بإدارتها الصحيحة للمرحلة الانتقالية عقب الثورات. فهل أدت النخبة المصرية الدور المنوط بها كما حدث في تونس التي استطاعت عن طريق توافق عام حقيقي اختصار المرحلة الانتقالية إلي بضعة أشهر ولم تشهد ما تشهده مصر من تخبط؟ وهنا لابد من تأكيد أن مستقبل مصر السياسي والاقتصادي والاجتماعي يتوقف علي عدة عوامل منها, وأهمها ما يلي: أولا: طريقة إدارة واستكمال المرحلة الانتقالية, فمنذ اندلاع ثورة25 يناير وكل شئ تتم إدارته بطريقة خاطئة من كل القائمين عليها. فاللجنة التي وضعت الإعلان الدستوري لم تكن علي مستوي المسئولية المنوطة بها, حيث خرج الإعلان الدستوري باهتا في الصياغة وغير محدد المعالم من حيث المضمون, هذا من ناحية. ومن ناحية ثانية فإن التصويت علي الاستفتاء علي هذا الإعلان, تم بطريقة طائفية دينية, إذ صور البعض أن التصويت ب نعم معناه انقاذ الإسلام, وكأن الإسلام في خطر محدق وفي حاجة إلي من ينقذه. ومن ثم خاطبت جماعة الإخوان والجماعات السلفية المختلفة الجماهير باعتبار أن غرضهما من الانتخابات هو إنقاذ الإسلام. والإسلام من كل هذه الممارسات براء. وهو الأمر الذي يثير تخوفات حقيقية من أن يتم الاستفتاء علي الدستور الدائم لعام2012 بنفس الطريقة التي تم بها الإعلان الدستوري, ومن ثم نجد أنفسنا نؤسس الجمهورية الثالثة علي أسس طائفية, ونخالف بذلك التاريخ بصيرورته في أن الدساتير تأتي بالتوفق وليس بالمغالبة. ثانيا: أداء المجلس الأعلي للقوات المسلحة, الذي أكد تكرارا ومرارا أنه سيقوم بتسليم السلطة في نهاية يونيو القادم لرئيس منتخب بطريقة ديمقراطية, ومع ذلك فإن الطريقة التي ستسلم بها السلطة تبقي هي الأهم في تحديد الشكل الذي سيكون عليه مستقبل مصر, وذلك لأن الطريقة التي تم بها وضع قانون انتخابات الرئاسة بها الكثير من المشاكل, وخير دليل علي ذلك هو المادة28 من قانون اللجنة القضائية المشرفة علي الانتخابات, والتي لم يستطع مجلس الشعب تغييرها, والتي تفتح الطعن بعدم دستورية الانتخابات برمتها. وتدراكا منه لبعض التجاوزات الخاطئة في إدارة المرحلة الانتقالية يحاول المجلس الأعلي للقوات المسلحة الآن تصحيح المسار عن طريق التفاوض تارة, وعن طريق الضغط تارة أخري, علي الفاعلين الحزبيين لإعادة تشكيل لجنة وضع الدستور طبقا لمعايير موضوعية ومحددة لا تكون الغلبة فيها للقوي الحزبية ولكن لكل قوي المجتمع, هذا من جانب. من جانب آخر, وتفاديا لاشكالية الطعن بعدم دستورية الانتخابات الرئاسية المقبلة, يحاول المجلس العسكري تأكيد ضرورة وضع الدستور أولا قبل إجراء العملية الانتخابية ولكن عنصر الوقت لا يسمح بكل تأكيد, حيث يبقي32 يوما فقط قبل إجراء الانتخابات الرئاسية, فهل هذه المدة كافية لتشكل اللجنة من جديد؟ وهل ستستطيع اللجنة انجاز الدستور وطرحه علي الرأي العام؟ وإذا حدث ذلك فهل الجهات الإدارية المختلفة قادرة علي تنظيم الكشوف والمقار الانتخابية لإجراء الاستفتاء؟ أم سيتم تأجيل انتخابات الرئاسة وحيئذ لن تفقد العملية الانتخابية زخمها فقط ولكن ستفتح الباب علي مصراعيه للتشكيك في نوايا المجلس العسكري وربما تعم المظاهرات ربوع مصر مرة أخري خاصة بعد عملية التعبئة والحشد المستمرة يوميا تحت سمع وبصر لجنة انتخابات الرئاسة من قبل المرشحين لخوض غمار المنافسة الانتخابية. ثالثا: أداء النخبة السياسية. فاللافت للنظر أن النخبة الجديدة إذا جاز استخدام هذا التعبير أو النخبة التي طفت علي السطح بعد ثورة25 يناير ليست أقل سوءا من نخبة ما قبل الثورة, بل علي العكس فهي أقل كفاءة وخبرة وحنكة, وتتسم بأنها نخبة ضيقة الأفق, ولا تستطيع أن تدير معها حوارا جديا وحقيقيا حول مستقبل البلاد, لأنها تتصور أنها فقط دون غيرها تمتلك ناصية الحقيقة والتصور الصحيح لمستقبل هذا البلد. وإذا أضيف إليها النخبة الدينية الجديدة التي تركت بالفعل أعمال الدعوة ما عدا الزعامات التقليدية للكنيسة والأزهر الشريف واتجهت لممارسة السياسة, نجد أنفسنا أمام طامة كبري, فعند الحديث مع أي فرد من أفراد هذه النخبة تجد صكوك الغفران مشهرة في وجهك إذا اتفقت معها في الرأي, أما إذا اختلفت معه فمصيرك هو النار وبئس المصير. كما تتسم النخبة الجديدة أيضا بنفس سمات نخبة مبارك باتباعها سياسة التكويش علي كل المناصب والسعي الحثيث حول جني المزيد, وبذلك ينطبق عليها قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب( رضي الله عنه): منهومان لا يشبعان طالب علم وطالب دنيا. بالإضافة إلي أنها استطاعت بالفعل الاستحواذ علي المناصب القيادية في المؤسسات التي تعمل بها, علي الرغم من أنه لم يكن لها أي بصمة في السابق في هذه المؤسسات أو حتي بعد توليها لهذه المناصب بعد الثورة. بل علي العكس تجد كل أو أغلب المؤسسات الجديدة بها مشاكل في إدارتها. كما تتسم هذه النخبة أيضا بأنها نخبة كلامية فقط تسعي لتحقيق مصلحتها الذاتية عن طريق ارضاء المجلس الأعلي للقوات المسلحة أو جماعة الإخوان المسلمين. رابعا: التصالح مع رموز النظام السابق, والخبرة الدولية, خاصة في أكبر دولة إسلامية وهي أندونيسيا, أكدت أنه ربما الأجدي والانفع لمرحلة التحول الديمقراطي هو التصالح مع رموز النظام البائد وإدارة المرحلة بطريقة سلمية, ويأتي ذلك تماشيا مع الشعار الذي رفعته الثورة سلمية.. سلمية.. مدنية, لاسترجاع الأموال المنهوبة في الداخل والخارج, لأنه لن تأت الأموال بقتل هؤلاء الفاسدين. وقد اتبعت حكومات مبارك نفسه أسلوب التصالح مع بعض الهاربين من رجال الأعمال قبل الثورة والذين عاثوا في الأرض نهبا وفسادا, وتحولوا وما أكثر المتحولين بعد الثورة إلي رموز وطنية تدافع عن حقوق الشعب المصري!!! خامسا: دور الأحزاب السياسية. علي الرغم من وصول عدد الأحزاب السياسية إلي64 حزبا, فإن كل هذه الأحزاب مازال في طور التكوين وتواجه العديد من المشاكل. فلم تكن هناك تعددية حزبية حقيقية في ظل النظام البائد, حيث كان هناك حزب مهيمن يحتكر السلطة بصفة دائمة وإلي جواره مجموعة من الأحزاب الصغيرة التي لا يسمح لها بالنمو إلي الدرجة التي تنافسه علي الحكم. والسؤال هنا: ما هو مستقبل الحياة الحزبية في مرحلة التحول الديمقراطي؟ وهل يمكن أن تشهد مصر تطويرا حقيقيا في التعددية الحزبية يسمح لجميع الأحزاب الجدية بالتنافس الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة؟ وعموما, يمكن القول إن المرحلة الانتقالية في مصر ستشهد تطورا إيجابيا لتوافر العوامل المشجعة علي نضج التعددية الحزبية وزيادة عدد الأحزاب القادرة علي المنافسة علي تداول السلطة, وإن كان هذا التطور لا يسير بشكل كاف نحو ما نرجوه من تطور ديمقراطي. وأخيرا, فإن مستقبل التحول الديمقراطي في مصر لايتوقف فقط علي كل العوامل السابقة ولكن يتوقف أيضا علي مدي قدرة المصريين علي فهم وإدارك كل حقائق الأمور المحيطة بهم وقدرتهم علي الدخول في ثورة حقيقية وشاملة تمتد إلي بنية المجتمع الاقتصادية والثقافية والاجتماعية.