أكد علماء الدين أن المشاركة الشعبية الفاعلة في الانتخابات التشريعية تعد واجبا شرعيا ووطنيا لتثبيت دعائم الديمقراطية والنهوض بالبلاد في مختلف المجالات، وإقرارا لمبدأ الشوري في الإسلام، وأن الامتناع عن الذهاب إلي صناديق الاقتراع هو كتمان للشهادة وقول الحق. وطالب العلماء المواطنين بضرورة الوجود داخل اللجان الانتخابية، واختيار الأصلح والتعبير عن الرأي بحرية، محذرين من المتاجرة بالشعارات الدينية لكسب الأصوات. ويقول الدكتور احمد عمر هاشم عضو هيئة كبار العلماء إن الإدلاء بالشهادة والإقدام علي إعطاء الصوت واجب شرعا بشرط أن يشهد الناخب شهادة صادقة لا كاذبة، منزهة عن المصلحة والغرض حتي لا تكون شهادة زورا والتي تعد من أكبر الكبائر، وأن يشهد الناخب شهادة حق تساعد علي نشر الفضيلة، ومن يحجم عن الإدلاء بصوته بصناديق الاقتراع هو انسان سلبي يكتم الشهادة وآثم قلبه، وقد وجه الإسلام إلي شهادة الحق والتحذير من شهادة الزور ونادي الله المؤمنين إلي اقرار الحق والعدل، ابتغاء مرضاته سبحانه وليقيموا بها ميزان الحق في دنيا الناس. وأضاف: إذا كان قول الحق وشهادة الحق لله تعالي من الواجبات فيجب أن يؤدي الإنسان الشهادة بالحق وفي شجاعة أدبية دافعها دينه ولو كانت علي نفسه أو والديه أو علي احد أقاربه عليه أن يشهدها خالصة لوجه الحق ولا يخشي في سبيل الحق لومة لائم ولا يرهب بأس إنسان قوي فيمتنع عن قول الحق ولا يؤثر فيه العطف علي إنسان فقير فيكف عن قول الحق فالله أولي بهما وهو سبحانه القائل في ندائه للمؤمنين: "يا أيها الذين امنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا". وأكد أن الامتناع عن المشاركة والسلبية والتقاعد عن أداء الواجب أو الشهادة أو الإدلاء بالصوت فمن اكبر الأخطاء التي تشيع السلبية واللامبالاة في المجتمعات، وهو محرم في الاسلام قال تعالي: "ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه والله بما تعملون عليم". كما حذر الرسول، صلي الله عليه وسلم، من كتمان الشهادة وبين أن كاتم الشهادة كشاهد الزور حيث قال صلي الله عليه وسلم: (من كتم شهادة إذا دعي إليها كان كمن شهد بالزور)، وشهادة الزور من أكبر الكبائر ومن أخطر الجرائم التي يترتب عليها ضياع الحق وطمس الطريق أمام العدالة فلا تستطيع العدالة أن تأخذ مجراها كما يترتب عليها وقوع الظلم علي الأبرياء وضياع حقوقهم، وقد نزه رب العزة سبحانة وتعالي عبادة المؤمنين عن شهادة الزور، حيث قال الله سبحانه وتعالي: "والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما". ولخطورة شهادة الزور وشدة قبحها، جاء النهي عنها وتحريمها في القرآن مقرونا بأكبر أنواع المعاصي والكبائر وهو الشرك بالله وورد النهي عنها عقب النهي عن الإشراك بالله مباشرة فقال الله تعالي: "فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور". اختيار الأفضل وإذا كانت المشاركة في العملية الانتخابية ضرورة شرعية، فإن علماء الدين يضعون العديد من الضوابط الشرعية لإختيار المرشح، وعن تلك الضوابط يقول الدكتور أحمد عمر هاشم: يجب التركيز علي ضرورة اختيار المرشح الأصلح والأكفأ والأكثر أهلية من اجل النجاح في بناء البلد من خلال المشاركة الفاعلة في الانتخابات وانتخاب الأجدر والأكثر أهلية لبناء الوطن. وان يحرص كل ناخب علي اختيار الرجل الصالح والمناسب للمكان المناسب، دون النظر الي منفعة مادية أو التصويت علي اساس القبيلة أو القرابة، ويجب علي كل مواطن أن يقول رأيه بحرية كاملة دون اغراء أو ضغط أو اكراه, ومن الواجب علينا ان تسود روح الإخوة والوحدة وألا نتفرق مصداقا لقول الله تعالي واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا وعملا بحديث رسول الله صلي الله عليه وسلم: إن الله تعالي يرضي لكم ثلاثا، ويكره لكم ثلاثا، فيرضي لكم ان تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وان تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا وان تناصحوا من ولاه الله أمركم ويكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال. ضوابط شرعية للدعاية وإذا كان علماء الدين قد وضعوا عددا من الضوابط لكيفية اختيار المرشح الأمثل، وأكدوا أن الإدلاء بالصوت يعد واجبا شرعيا فإنهم يؤكدون ضرورة نزاهة العملية الانتخابية، ويطالبون المرشحين بالتنافس الشريف الذي يتماشي مع مباديء الشريعة الإسلامية خاصة بعد ظهور العديد من التجاوزات وبروز ظاهرة الرشاوي الانتخابية. ويؤكد فضيلة مفتي الجمهورية الأسبق الدكتور نصر فريد واصل أن الهدايا التي يقدمها المرشحون للناخبين تعتبر حراما قطعا من الناحية الشرعية فهي رشوة واضحة وإن كانت مقنعة، لأن المرشح يبتغي تحويل إرادة الإنسان الحر الي أن يكون عبدا والمرشح هنا يعزف علي الجانب الاقتصادي ويضغط علي الفقراء مستغلا عوزهم وحاجتهم الشديدة للمال فيخضعهم لإعطائه أصواتهم من أجل الحاجة بدون أن تكون لهم حرية ولا إرادة كاملة ودون إعطائهم الفرصة للتصويت بشكل حر دون ضغوط، وهنا تغيب كل معاني الديمقراطية الحقيقية والشوري الصحيحة التي نادي بها الإسلام. ويضيف الدكتور واصل أن القول بأن هذه الهدايا تبادل منفعة ومقايضة قول باطل لأن هذه الهدايا تهدف لقصد مادي وليس لها علاقة بتبادل المنفعة لأنها منفعة شخصية من طرف واحد وليست لصالح المجتمع ككل, فالمنفعة الحقيقية تقول إننا لابد ان نختار من يصلح لقيادة المجتمع وتمثيله تشريعيا تحت قبة البرلمان ويكون أهلا لذلك وتخير أيهم أكثر خلقا وعدالة وعدم تفضيل لمصلحته الشخصية, وهذا كله لا يتحقق من خلال شراء الأصوات بالإغراءات والشهوات المادية والهدايا واستغلال حوائج الناس. وعلي المترشحين أن يقدموا خدمات ملموسة لأهالي الدائرة حتي يشعر بهم الشعب ويعطوهم أصواتهم دون شرائها, أما الادعاء بأن الهدايا تعتبر مقايضة فهو تفكير قاصر مخالف للشرع وعلي من يريد التبرع إن كان صادقا أن يوزع الهبات والهدايا في أي وقت من العام ومن باب أولي أن تقدم في الخفاء ودون انتظار لموسم الانتخابات. المشاركة.. أمانة ويقول الدكتور عبدالفتاح إدريس أستاذ ورئيس قسم الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر إن الله تبارك وتعالي حرم الرشوة، وجعلها من الكبائر، فقد روي عن النبي صلي الله عليه وسلم، لعن الله الراشي والمرتشي والرائش (الواسطة بينهما)، ومما لاشك فيه أن ما يقدم عليه بعض المرشحين من تقديم بعض الرشاوي النقدية أو العينية إلي ذوي الحاجة، وفي الدرجة الأولي رشوة، وفي نفس الوقت استغلال لظروف بعض قطاعات المجتمع التي تعاني الفقر والحاجة، وقد عاودتنا الأيام أن هؤلاء المرشحين لمجرد فوزهم في الانتخابات يتنكرون لهؤلاء الناس، ويولونهم ظهورهم ولا يقدمون لهم عونا ولا يقضون لهم حاجة، ولهذا فإن من وصل إلي مبتغاه بهذه الطريقة فهو ملعون، وإن الله سبحانه كفيل بأن يفشل كل مخططاته التي اتخذها للوصول إلي بغيته، وهذا يمثل عدم صلاحية المرشحين الذي يصلون إلي المقاعد المختلفة سواء في المجالس النيابية أو التشريعية بعدم صلاحيتهم في تمثيل أفراد المجتمع أو قطاعاته لأن الفرض أن هؤلاء يمثلون كل المجتمع، والذي يتبع هذا الأسلوب لا خلق عنده، ولهذا لايرجي منه نفع. اختيار الأصلح من جانبه، طالب الدكتور مختار مرزوق عبد الرحيم عميد كلية أصول الدين جامعة الأزهر بأسيوط الناخبين باختيار من يرونه صالحا لخدمة الوطن، دون النظر للعصبيات القبلية الموجودة عند بعض الناس، ودون النظر إلي بعض الأموال التي ينفقها الأغنياء، من أجل الحصول علي الحصانة، ثم لا نراهم بعد ذلك، ولهذا كله نقول لكل مواطن مصري، صوتك أمانة، ولابد من اختيار الرجل المناسب، فالله سبحانه وتعالي يقول "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَي أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ". المتاجرة بالدين مرفوضة وحذر الدكتور علوي أمين الأستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر، من خطورة المتاجرة بالدين أو رفع شعارات دينية في الانتخابات، بهدف كسب أصوات الناخبين، مؤكدا أن المتاجرة بالدين مرفوضة، وطالب المواطنين بالحذر من الذين يرفعون شعارات دينية، محذرا أيضا من الرشاوي الانتخابية التي يقدمها البعض في موسم الانتخابات، فكل ذلك مرفوض، ولابد أن يكون لدي الناخب وعي بمشاكل وهموم الوطن، وأن الاختيار للأصلح القادر علي القيام بأعباء هذه المسئولية، وألا يكون الاختيار لمن يستخدم أساليب لا يمكن أن تؤدي لنتيجة صحيحة، فلابد أن يكون هناك صدق ووفاء بالوعد، لأن التجربة السابقة التي مرت بها المجتمعات من حولنا، تؤكد أن الدين لله والوطن للجميع، ويوم أن استغل الدين، كاد الوطن أن يضيع، لأن من استغلوا الدين، لم يفهموا دينا بل أتخذوا الدين شعارا.