عندما أبدع الكاتب المسرحي "أوجين يونسكو" الروماني الأصل (1912- 1994) مسرحيته العبثية "الدرس" عام 1951، إنما كانت إحدى المسرحيات التي تعكس بشكل أو بآخر مدى ما وصل إليه الإنسان من ضجر وشعور بالا معنى للحياة بعد الدمار الذي حققته الحروب والمآسي العالمية، ولعل سعيه إلى تجسيد ذلك من خلال لغة مسرحية شديدة الارتباك واللامعنى بحيث تفتقد شخصيات مسرحياته القدرة على التواصل، ومحاولة استخدام اللغة في مسرحية "الدرس" تحديدا كأداة للتسلط والقهر النفسي، هي ابلغ توصيف لما نعيشه اليوم على المستوى السياسي والاجتماعي أيضا، ولعل ما تشهده مدينة الشيخ زايد حاليا نموذج مصغر لما يحدث في الوطن بالكامل، فقد تعرضت لانتقاد شديد حينما كتبت قبل أعوام على صفحات جريدة الأهرام مدى العشوائية التي تعانيها هذه المدينة من انتشار للمقاهي والزحف على المناطق الخضراء وغيرها، وكانت حجة الانتقادات أنني أقطع أرزاق الغلابة، وللأمانة كان هذا قبل الثورة بأعوام، ولكن ما حدث بعد الثورة ويحدث الآن على مرأى ومسمع من المسئولين في جهاز مدينة الشيخ زايد يفوق الوصف، فمن يقف أمام مبنى جهاز المدينة يشعر أنها قطعة من الجنة.. مساحات خضراء.. نظافة مستمرة بلا انقطاع.. أما إذا تجولت قليلا في الحي الأول فقط – ناهيك عن الأحياء الأخرى- ستجد العشوائية بعينها دون رادع من مسئولي الجهاز، والكل يتشدق بلبانة الانفلات الأمنى والتي لا تفسير لها إلا العبث، والثرثرة بكلمات تصيب من يسمعها بالملل والغثاء. المشهد في الشيخ زايد يثير الدهشة فمع دخولك المدينة تفاجأ بسيارات الميكروباص تسيطر على المداخل والمخارج بلا رقيب، وفي قلب ميدان الحي الأول يتكرر نفس المشهد، بما لا يدع فرصة بحرية الحركة للمواطنين، كل هذا السبب فيه الانفلات الأمني.. الباعة الجائلون أيضا يزاحمون الميكروباص في نفس الميدان، هذه عربية كبده وهذا بائع شاي، وآخر يبيع الكشري، أما باعة الخضروات فحدث ولا حرج، فهم يفترشون أرصفة الميدان منذ الصباح الباكر وحتى غروب الشمس، ولك أن تتخيل المشهد بعد أن مغادرتهم الرصيف من قمامة ومخلفات لا حصر لها.. كل هذا أيضا السبب فيه الانفلات الأمنى! أما إذا ترجلت قليلا داخل الحي الأول فستجد آخر ابتكارات وتقاليع المولات في مصر، ففي كل بلدان العالم تقام المولات لتضم المحلات المختلفة في مشهد حضاري جميل يحترم آدمية المواطنين ويجذب للسياحة أيضا، أما المولات في الشيخ زايد فتحولت إلى مرتع لكل من هب ودب ممن يمارسون هواية نشر العشوائية، ولنا في سوق المهندسين أسوة تعدت معنى السوء بمراحل بما تحويه من محلات تضرب مقومات المدينةالجديدة في مقتل، فلا راحة ولا نوم لسكان تزاحمهم في سوق المهندسين ورشة للميكانيكا، ناهيك عن المحلات التي تقوم بفتح أبواب على الشارع للتعامل مع المواطنين من الخارج بدلا من دخول المول، لينتفي بذلك الهدف من إقامة المولات، خاصة وأنه ليس هناك أي سلطة على تلك المولات من الشركات التي أقامتها بعد بيعها، والغريب أن فتح أبواب محلات المولات على الشارع يتم بموافقة جهاز المدينة، والحماية المدنية، ناهيك عن دورات المياه داخل تلك المولات والتي تحولت على مزارع للميكروبات بسبب الإهمال، كل هذا ويقولون لنا إن السبب هو الانفلات الأمنى! أما السبب الحقيقي فيما يحدث هو ضعف إجراءات المخالفات، فلا يمكن أن يلتزم صاحب محل طالما أنه يدرك إن عاقبة فعلته محضر مخالفات ليس أكثر، أما إزالة مخالفته، فبعد زوال الانفلات الأمني.. كل هذا حتى نقول إن الثورة هي السبب في هذا الكم من العشوائية فنلعنها ونسبها، والحق أن تخاذل المسئولين عن أداء واجباتهم نحو المواطنين هو ما أنتج مدينة شاخت قبل الأوان.. لذا أحيل الأمر للمهندسة هناء محمد مصري رئيس جهاز مدينة الشيخ زايد لترحمنا من كل هذا العذاب بلا خوف من الانفلات الأمنى. [email protected] المزيد من مقالات باسم صادق