مثلما انفعلت الأمة بنصر أكتوبر العظيم انفعل الأدباء.. وراح الأدب... فى صدق حقيقى يواجه القوى التى تعرقل مسيرة الإنسان المصرى وتئد روحه، وتطمس تراثه، وتزيف وعيه... وصور فى زخم أدبى حقيقى التجارب التى خاضها الجنود ليصنعوا الغد الجميل الذى طال انتظارنا له... وتجسدت فى نفوسهم روح مصر. ولقد جسدت الأعمال الأدبية التى قدمها المقاتلون الأدباء روح الجندى المصرى الذى لم يقدر له فى خطفة الهزيمة أن تختبر كفاءته وقدرته على القتال ومواجهة الخطر، وحسه الإنسانى الذى لا يفلته فى أتون الحرب. ولقد باحت النصوص بلحظات إنسانية، وبقدرة على التنظيم، وبالبحث عن الجديد والجميل فى قلب الإنسان، وتجلت روح المقاومة فى رفض الهزيمة، وصورت المدافع، وهى تطلق داناتها وكأنها أشعة مسنونة لإنقاذ الفجر من غبشة الظلام... ومن ثم فإن حرب الاستنزاف علامة على أمة لا تركع، ولا تفرط فى ترابها أو كرامتها... وكان الحديث عن هذه المرحلة موصولا... بلحظة النصر فى أكتوبر المجيد. فى قصة «من أوراق محارب» للضابط المحترف الأديب عصام الصاوى صور فى رهافة إنسانية وموضوعية كيف وقفت مجموعة بدر الباسلة صامدة فى مواجهة الحصار الذى طال... وامتحنت القدرة المصرية فى لحظات العناء والاختبار على الصمود والتحمل... وعجز العدو عن أسرهم حتى باتت مجموعة «بدر» الباسلة رمزا على الصمود وتجسيد الروح المصرية... وتحول الحصار بزمنه الممتد ليشمل الجانبين معا، فكلاهما وقع فى دائرة الحصار... وصورت القصة مفردات الحياة فى ميدان الحرب فى سلاسة بردية، وبراعة أسلوبية مؤثرة.. كما رسمت النصوص الصورة العامة للمحارب المحب لوطنه والمنتمى لقيمه الأصيلة... ورصدت مشاعره فى لحظات التوحد مع الآلة التى تتحول إلى معشوقة يحرص عليها حرصه على حياته... ففى قصة «عاشق المدفع» للمقاتل وقتها الأديب إسماعيل بكر يرتبط العريف/ الميكانيكى بمدفعه ارتباطا يقترب من العشق، فهو آلته إلى الدفاع والكرامة معا... وكان «نادرا ما يرى بعيدا عن مدفعه» حتى أضحى خبيرا بأسراره... واستطاع بمدفعه هذا الذى خبر سره أن يحيِّد سماء المعركة، وأن يحول دون اختراق طائرات العدو المجال الجوي... وحين أصابه العطب استطاع أن يهتدى إلى العلة، وأن يصلحها ليعود إلى عمله من جديد ولينضوى الجميع فى كل واحد منسجم ومتوحد. ونصر أكتوبر يحتاج إلى فن روائى مركب يخلده ويسجل أمجاد الأمة، ويصور ملامح الأبطال فى قتالهم واستشهادهم، هؤلاء الذين خاضوا الغمار وصنعوا التاريخ واستحقوا أن يتحدث عنهم الشعراء بكل الفخر والتمجيد، وأن يسجل النص الأدبى الاعتزاز بما قدموا لأمتهم. لمزيد من مقالات محمد قطب