أخرجت حرب أكتوبر الأمة من النفق المظلم الذى كاد أن يئد الروح، وتجاوزت - بالتنظيم الدقيق، وبروح الفداء - إحباط الهزيمة، وعبرت إلى المستقبل بفكر جديد ومتجدد، وبوعى يحتشد بكل الآمال والطموحات وواكبت الأمة لحظات الحرب، وإشراقات النصر، وعزفت ألحانا من الحب، والانتماء، وأثبتت الحرب قدرة الذات على الفعل، وعلى إحراز النصر، وعلى التغيير وعلى تشكيل الحاضر، واللحاق بالمستقبل، وذلك إذا توافرت الجهود الصادقة، وتناغمت الأجهزة فى دقة فاعلة، وتنظيم علمى متقن، وانفعل الأدباء بالحدث العظيم، وانفتح قلب الوجدان على مشاعر فياضة، وراحت السفائن تمخر فى مياه القلوب الدافئة، وأسرعت القصة فسجلت مفردات الحدث.. صورت الحرب، والمعركة، والمقاومة الشعبية، ورصدت نماذج من البطولات الفذة، وأفردت الصحف والمجلات صفحاتها لكتاب القصة، وهم يتابعون فى انفعال تحولات الحرب وما بعدها. ولقد مس الجميع روح أكتوبر، وعزف المبدعون إبداعاتهم الطازجة الخارجة لتوها من الأتون المشتعل، وحق لنا جميعا أن نبتهج، وحق للمقاتل أن يفتخر بما قدم وحق للكاتب أن يسجل هذا الفخار كله، فلقد عادت الروح الغائبة، وأضحى الجميع يجسدون الحكمة المصرية القديمة (الكل فى واحد). وكان الشعر كالقصة سباقا ومواكبا للحدث ومستمرا معه. وتبدت المعانى المتجددة العميقة والصور الشعرية الجديدة، والجيشان العاطفى الذى يحمل نبل التاريخ ورهافة الوطن وجسارته أيضا. ولم تتخلف الرواية.. فالرواية هى الفن الأعمق، المحتوى لآليات الفنون الأخري، قادرة على الامتداد، واستيعاب حركة الأزمنة، وتصويد حركة المجتمعات فى تنوعها، وتحولها، وتسجيل أمجادها، وبطولاتها - وتخليد النضال والمعارك الكبري. إن حرب أكتوبر المجيدة لا تزال تنتظر هذا الفن الروائى المركب، ليخلدها ويسجل أمجادها، وملاحم الأبطال الذين صنعوها. وهى أيضا تنتظر هذا العمل الدرامى الكبير الذى يجسد روح أكتوبر، ويضعها فى إطارها الصحيح بعيدا عن الرؤى الضيقة.. ويجب أن يرتفع التناول الأدبى والفنى ليليق بهذه الحرب المجيدة حتى تظل متوهجة فى ذاكرة الأجيال. الأديب محمد قطب