دعا علماء الدين الى ضرورة الاستفادة من دروس الهجرة النبوية الشريفة فى استعادة منظومة القيم والأخلاق فى المجتمع، خاصة فى الوقت الذى نعيش فيه حاليا وما نراه من انفلات للأخلاق وظهور سلوكيات لا تتماشى مع الفطرة السليمة، مطالبين الجميع بأن يلتزم بحسن التخطيط والأخذ بالاسباب، فى جميع الاعمال والمشروعات والمهمات حتى نصل الى الهدف الذى نصبو اليه وتتحقق التنمية والرخاء لأفراد المجتمع، وأكدوا أن إتقان العمل و الإخلاص والتوكل على الله من أهم الأدوات التى يجب أن يعتمد عليها المؤمن لتحقيق هدفه وغايته. ويقول الدكتور أحمد عمر هاشم عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر: إن الهجرة النبوية الشريفة تمثل إرادة إلهية، حيث إنه من المعرف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أول لحظة أفضت السماء له بسرها بأولى آيات الوحي، وحين ذهب الى ورقة بن نوفل يخبره بذلك، قال له»...ليتنى أكون حيا إذ يخرجك قومك، فقال له النبى صلى الله عليه وسلم: أو مخرجى هم؟ قال له ورقة:نعم، ما بعث أحد بمثل ما بعثت به الا عودي»، موضحا ان من أهم الدروس التى يجب الاستفادة بها من حادث الهجرة الشريفة، هو الصبر وتحمل المشقة والصعاب فى سبيل تحقيق الهدف، مثل ما تحمل النبى صلى الله عليه وسلم هو وصحابته الكرام الكثير والعنت حتى أظهر الله هذا الدين. قوة الإيمان وأشار الى ان من أهم الدروس المستفادة من الهجرة أيضا، أن الانسان الذى يكون إيمانه قويا بالله، وان المجتمع المتمسك بدينه، يحفظه الله تعالى من مكر وكيد أذى أعدائه، وهذا ما حدث للنبى عليه الصلاة والسلام، فقد أخرجه الله سبحانه وتعالى بحوله وقوته من وسط صناديد قريش الذين تجمعوا حول داره ليقتلوه ويضربوه ضربة رجل واحد، فخرج صلى الله عليه وسلم من بينهم دون أن يمسه أحد منهم بأذي، قال تعالي» وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ»، موضحا أن الاخلاص فى العمل واتقانه وحسن التوكل على الله تعالى من أهم أدوات النجاح وبلوغ الهدف، وتجعل الانسان فى معية الله تعالى دائما، وقد تحقق ذلك فى أثناء هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم، حينما دخل الرسول الغار ومعه صاحبه أبوبكر الصديق رضى الله عنه، فأحس ابوبكرالخطر من قبل المشركين الذين وقفوا على باب الغار، فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا، فقال له النبى مطمئنا قلبه: ما بالك باثنين الله ثالثهما»، وقد سجل القرآن الكريم ذلك فى سورة التوبة»إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِى الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ «. حسن التخطيط من جانبه، يرى الدكتور طه ابو كريشة عضو هيئة كبار العلماء، انه من المؤكد ان هناك دروسا كثيرة للهجرة المباركة، وهى دروس تظل باقية فى اطار الافادة الى ان يرث الله الارض ومن عليها، من هذه الدروس، حسن التخطيط لاى عمل يقوم به الانسان فى حياته، سواء كان هذا العمل صغيرا أو كبيرا، حتى يصل الى الهدف الذى يصبو اليه، فقد احسن رسول الله صلى الله عليه وسلم واتخذ جميع الاسباب التى أوصلته فى النهاية الى غايته والوصول الى المدينةالمنورة بسلام وأمان، وذلك من خلال الاستعداد المسبق للهجرة، فقد درب اصحابه على اسلوب الهجرة من مكة، حينما أمرهم بالهجرة الاولى الى الحبشة، كما احسن التخطيط حينما وزع الادوار، فابوبكر الصديق كان الصاحب للرسول صلى الله عليه وسلم فى هذه الرحلة، وعلى بن ابى طالب ينام فى فراشه ويتغطى ببردته ليلة الهجرة كنوع من التمويه على المشركين، ويقوم على بن ابى طالب بعد ذلك برد الامانات، التى كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم لاهلها من المشركين. وأشار الى دور المرأة والشباب فى الهجرة الشريفة، وتمثل ذلك حينما قامت اسماء بنت ابى بكر الصديق بحمل الطعام للرسول صلى الله عليه وسلم ولابيها حين كانا فى غار ثور، قبل الانطلاق الى المدينة، كما قام عبد الله بن أبى بكر بجمع المعلومات حول ما يريد المشركون فعله، وإبلاغ ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم، ولا ننسى دور عامر بن فهيرة، حينما كان يأتى بالغنم ليغطى على آثار قدم النبى صلى الله عليه وسلم وصاحبه حتى لا يدركهما المشركون، كما اتخذ الرسول صلى الله عليه سلم عبد الله بن اريقط دليلا له فى طريق الهجرة وهو غير مسلم، وفى هذا دليل على انه تجوز الاستعانة والاستفادة بغير المسلمين الذين لديهم خبرة، فى الامور الى تتحق فيها الفائدة للاسلام والمسلمين، فما احوجنا الى ان نتعلم ونستفيد من دروس الهجرة فى حياتنا، حتى تنهض الأمة من كبوتها. بداية التقويم وفى سياق متصل، يؤكد الدكتور عبد الغفار هلال الاستاذ بجامعة الازهر، ان الهجرة النبوية الشريفة، اسست وارست مبادئ مهمة تصلح لكل زمان ومكان، منها العدل والمساواة واحترام حقوق الجميع دون تفرقة بين اسود او ابيض او غنى او فقير او عربى او اعجمي، الا بالتقوي، كما جاء فى الحديث الشريف، وقد ضرب الجميع من المهاجرين والأنصار، القدوة والمثل فى الايثار وحب اخيه، وليس ادل على ذلك من عرض احد الانصار على احد المهاجرين اختيار احدى زوجاته فيطلقها له ليتزوجها، وان يقاسمه نصف ماله، وهذا يعرف من قصة عبد الرحمن بن عوف مع اخيه من الانصار سعد بن الربيع حيث خيره سعد فى اختيار احدى زوجاته فيطلقها ليتزوجها عبد الرحمن بن عوف، واراد ان يعطيه نصف ماله، ولكن عبد الرحمن بن عوف رفض ذلك، وقال له: بارك الله لك فى زوجك ومالك، ولكن دلنى على السوق، فاصبح بعد ذلك من كبار تجار المدينة، وهنا درس وعبرة لمن يريد ان يفهم ويأخذ الاسوة فى الإيثار لأحب الاشياء الى قلب ونفس الانسان وهى المال والزوجة والضيع، مما يدل على بلوغ هؤلاء الصحابة من الرجال والنساء أعلى وأسمى درجات الحب فى الله. وأوضح أن الهجرة، تعتبر اهم حدث فى تاريخ الامة الاسلامية، وليس ادل على ذلك من ان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه، حينما اراد ان يؤرخ للتاريخ الاسلامى اختار يوم الهجرة، ليكون بداية للتقويم، مشيرا الى ان الهجرة فتحت أفقا واسعا لانطلاق الدعوة التى عاشت نحو ثلاث عشرة سنة فى مكة لا تعرف إلا السر والخوف من اذى وبطش صناديد قريش ضد المستضعفين من المسلمين الذين لم يحمهم وينصرهم على عدوهم احد منصف اوعاقل، لذا كانت الهجرة متنفسا عبر به هؤلاء المستضعفون من مكان الخوف والنصب الى دولة تأسست على العدل والرحمة والشورى فى كل الامور.