بعد أيام قليلة من ختام أول زيارة دولة يقوم بها الرئيس الصينى شى جين بينج إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية، والتى شهدت توقيع عدد من الاتفاقيات السياسية والاتفاقات التجارية. أطلقت روسيا ضرباتها الجوية الموجهة ضد تنظيم داعش فى سوريا، وبدأت التكهنات حول موقف الصين من الأزمة السورية فى ظل هذه المستجدات، وهل ستدعم بكين ضربات موسكو؟، أم ستلتزم بموقفها المعلن منذ بداية الأزمة بضرورة الحل السياسى؟. سؤال آخر طرح نفسه مع تصاعد الخلافات بين الولاياتالمتحدةالأمريكيةوروسيا حول سوريا، وهو كيف للصين أن تحافظ على علاقات استراتيجية مع كل من واشنطنوموسكو فى الوقت نفسه؟، فمستجدات الأزمة السورية بعد الضربات الجوية الروسية تمثل اختبارا حقيقيا للسياسة الخارجية الصينية، التى تقوم على السلام والعدالة بدفع التعاون متبادل المنفعة والتنمية المشتركة، حسب ما أعلنه وزير الخارجية الصينى وانج يى، خلال عرضه لنهج الدبلوماسية الصينية فى 2015 بمؤتمر صحفى على هامش الدورة السنوية للمجلس التشريعى الصينى، حيث قال إن الصين توقد مسارا دبلوماسيا جديدا من خلال صنع الشركاء بدلا من الحلفاء. خصوصية العلاقات علاقات الصين مع روسيا تتمتع بخصوصية شديدة لدى الطرفين، وبعيدا عن العلاقات التجارية والاتفاقات الاقتصادية والتوافق حول كثير من القضايا الدولية، فقد ظهرت خصوصية هذه العلاقات جلية خلال احتفالات الصين بالذكرى ال70 لانتصارها فى الحرب العالمية الثانية، حيث لم ترضخ بكين لتلميحات وضغوط الدبلوماسية الغربية، وأصرت أن يكون الرئيس الروسى فلاديمير بوتين فى مقدمة القادة المدعوين لحضور تلك الاحتفالات، وهو ما أدى إلى تخلف رؤساء ومسئولى دول غربية عن حضور الاحتفالات والعرض العسكرى الضخم الذى تم تنظيمه فى الميدان السماوى "تيانآنمن" بوسط بكين فى الثالث من سبتمبر الماضى، وقد كانت حفاوة الرئيس الصينى واضحة خلال استقباله ضيفه الروسى قبل انطلاق العرض العسكرى، فى رسالة ضمنية أن العلاقات الصينية مع روسيا لها خصوصية شديدة، وأن بكين لا تقبل أية محاولات للتأثير على هذه العلاقات. وقبل تلك الاحتفالات أكد وزير خارجية الصين أن علاقات بكين مع موسكو مميزة، وأن كلا منهما "يسند الآخر فى الجهود الرامية لحماية المصالح الأساسية للبلدين، ويراعيان هواجس بعضهما البعض"، مشددا على أن العلاقات بين البلدين غير مبنية على إيديولوجيا معينة، وأن ما يميزها هو عدم تقيدها بتحالفات وأنها ليست فى مواجهة أحد وليست موجهة ضد طرف ثالث. خلافات ثنائية على عكس الثبات والوضوح اللذين تتمتع بهما العلاقات الصينية- الروسية، تتميز العلاقات بين الصينوالولاياتالمتحدةالأمريكية بقدر كبير من التأرجح، وعلى الرغم من العلاقات الاقتصادية والتجارية الكبيرة بين الجانبين، فإن هناك عددا من الملفات الثنائية التى تحمل فى طياتها خلافات كثيرة، من بينها الأمن الإلكترونى والقرصنة، وحقوق الملكية الفكرية والسرقة الإلكترونية، وقد شهدت هذه الملفات مناقشات مستفيضة خلال زيارة الرئيس الصينى الأخيرة لأمريكا، واصطحب الرئيس الصينى خلال زيارته عددا من كبار أصحاب الأعمال الصينيين فى مجال الإنترنت، كما التقى رؤساء شركات أمريكية فى هذا المجال، لتقريب وجهات النظر والبحث عن حلول لهذه القضايا. وقد أوضح تون تيان شن، مدير قسم الدراسات الأمريكية فى المعهد الصينى للدراسات الدولية، خلال ندوة بجمعية الصحفيين فى بكين، أن هناك اختلافا فى فهم كل من الصينوأمريكا للأمن الإلكترونى، وهذا الاختلاف أحد أسباب المشكلة المتجددة فى هذا المجال، فبينما تعتبر الصين أن الأمن الإلكترونى يتضمن حماية المجتمع، فإنه بالنسبة للولايات المتحدةالأمريكية يتوقف عند مواجهة الجرائم الإلكترونية والنشاطات الإجرامية عبر الإنترنت. ورغم تأكيد الرئيس الصينى، بعد التوقيع على اتفاق الأمن السيبرانى مع أمريكا، أن بلاده تعارض وتكافح سرقة الأسرار التجارية والأنواع الأخرى من هجمات القرصنة، وأن لدى الصينوأمريكا مصالح مشتركة واسعة فى مجال الأمن السيبرانى، ودعوته إلى تعزيز التعاون وتفادى ما يؤدى إلى المواجهة، مع ضرورة عدم تسييس هذه القضية، فإن كلمات أوباما خلال المؤتمر الصحفى كشفت أن الخلافات فى هذا الملف كانت كبيرة، حيث قال: "ما قلته للرئيس شى وما أقوله للشعب الأمريكى هو السؤال التالى.. هو الكلمات التى تصحبها أفعال. وسنراقب عن كثب إجراء تقييم ما إذا كان قد تم إحراز تقدم فى هذا المجال أم لا". بحر الصين الجنوبى الخلافات بين الصينوالولاياتالمتحدةالأمريكية لم تتوقف عند الملفات الثنائية فقط، حيث إن هناك عددا من الملفات الدولية تشهد خلافات أيضا بين الجانبين، ويأتى على رأسها الوضع فى بحر الصين الجنوبى، فبينما تعارض الولاياتالمتحدة أعمال البناء التى قامت بها الصين على بعض الجزر، تعتبر بكين أن تدخل واشنطن فى هذا الأمر غير مقبول، معتبرة أنها قضية تخص دول المنطقة، وحل الخلافات فيما بينها ممكن بالحوار المباشر. واتهمت الصينالولاياتالمتحدة بمحاولة تسليح بحر الصين الجنوبى، وأبدت اعتراضها أكثر من مرة على قيام طائرات استطلاع أمريكية بالطيران فى المنطقة، كما رفضت تقارير لوزارة الدفاع الأمريكية البنتاجون اعتبرت بكين أنها تحاول تصوير سياسات الدفاع الصينية على أنها "تهديد عسكرى صينى"، وأنها تجاهلت حقائق مهمة، مثل جهود الصين فى تحقيق السلام والاستقرار العالمى والإقليمى، وشوهت استراتيجيات التنمية السلمية الصينية، و"خطوات الصين المبررة" لدعم السيادة فى بحر الصين الشرقى وبحر الصين الجنوبى. إعلاء المصالح الخلافات الصينية- الأمريكية، رغم تضخمها فى بعض الأوقات، لا تنفى أن العلاقات بين بكينوواشنطن استراتيجية ومهمة للجانبين، وقد قفزت نتائج زيارة الرئيس الصينى للولايات المتحدةالأمريكية فوق هذه الخلافات، وكشفت أن المصالح بين البلدين أكبر بكثير، وقد كانت صفقة شراء الصين ل300 طائرة بوينج، بقيمة إجمالية 38 مليار دولار أمريكى، والتى تعد أكبر صفقة لشراء طائرات فى تاريخ الشركة، تأكيد على هذ المعنى، خصوصا مع تصريح الرئيس الصينى بأن السوق الصينية ستكون فرصة هائلة للموردين والمصنعين الدوليين، وستخلق فرصا تجارية كبيرة للشركات الأمريكية، بما فيها شركة بوينج. إذن العلاقات الاستراتيجية تربط الصين بكل من روسياوالولاياتالمتحدةالأمريكية فى الوقت نفسه، وتحاول الصين ليس فقط الحفاظ على هذه العلاقات كما هى، بل تسعى لتطويرها، وتحرص على عدم تصعيد الخلافات مع واشنطن لدرجة تصعب معها السيطرة عليها، إلا أن الاستقطاب الدولى الذى أحدثته الضربات الجوية الروسية فى سوريا يمثل اختبارا حقيقيا للدبلوماسية الصينية، التى تتبع أسلوبا جديدا يسعى إلى علاقات جيدة مع الجميع، بما يحملونه من اختلافات وتناقضات. الحل السياسى الصين فى سبيل الحفاظ على مستوى علاقاتها مع روسياوأمريكا تجنبت التعليق حتى الآن على الضربات الجوية الروسية، رغم لقاءات وزير الخارجية الصينى وانج يى مع سيرجى لافروف، وزير الخارجية الروسى، ووليد المعلم، وزير خارجية سوريا، فى نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، واقتصرت التصريحات المنشورة عن هذه اللقاءات على أن الصينوروسيا تحافظان على تواصل وتنسيق وثيقين في شئون الأممالمتحدة والقضايا الدولية والإقليمية الرئيسية، وأنه يتعين على الجانبين العمل معا للدفاع عن ميثاق الأممالمتحدة والأعراف الأساسية للعلاقات الدولية، ودعم الدور النشط للأمم المتحدة في الشئون الدولية، ودفع التسوية السلمية للأزمة السورية، وأيضا دعوة وزير الخارجية الصينى إلى حل سياسى للأزمة السورية، وأن "الصين ترغب فى مواصلة بذل جهود إيجابية من أجل التسوية السياسية للقضية السورية، وتقديم المساعدة للشعب السورى واللاجئين السوريين. وفى إشارة إلى أن الصين لن تتدخل فى سوريا أو تقدم أى دعم عسكرى لأى طرف أكد وزير الخارجية الصينى وانج يى أن بلاده تأمل فى أن تغتنم جميع الأطراف، بما فيها سوريا، الفرصة لدعم جهود الوساطة التى تقودها الأممالمتحدة من أجل تضييق الفجوة بين مختلف الأطراف وصياغة اتفاق لحل الأزمة السورية، مشددا على أن الصين تعد دائما صديقا لجميع الشعوب فى الشرق الأوسط، وليس لها مصالح خاصة فى المنطقة، لذلك ترغب فى القيام بدور بناء، على أساس موقف عادل وموضوعى، لإيجاد حل سياسى للقضايا الساخنة.