لست من نقاد كرة القدم، ولكنى من عشاق اللعبة الحلوة، تسعدنى اللمسة الفنية الجميلة، وأبتهج حين تتحول إلى هدف، ولا يهم لأى الناديين الكبيرين أنتمى حين يلعبان باسم مصر، فيكفى أن يكون أحد طرفى المباراة مصريا لأقبل عليه مشجعًا بحماسة وبلا حدود، وأعتقد أنى لست وحدى فى ذلك، وإنما ملايين غيرى يحسون بذات المشاعر. وسواء شئنا أم أبينا، فعلينا بأن نعترف أن الساحرة المستديرة تمثل عشقا لملايين من المصريين، يستوى فى ذلك غنيهم وفقيرهم، وقد ترك خروج الأهلى والزمالك فى يومين متتاليين من نصف نهائى كأس الكونفيدرالية، ألمًا شديدًا فى نفوس المصريين الذين كانوا يحلمون بنهائى مصرى خالص، فكانت صدمتهم بخروج مهين للفريقين، ولا عبرة للأداء القوى الممتع الذى قدمه الزمالك فى مباراة الإياب أمام النجم الساحلي، بعدما فرط لاعبوه فى مباراة الذهاب، فالكرة أجوان كما كان عمنا الراحل محمد لطيف يردد دائمًا. وفى تقديرى أن هذا الإخفاق يعبر عن حال الكرة المصرية بعامة وليس الناديين فقط، فالأزمة أزمة إدارة وأزمة انتماء، واللاعب المصرى يحيا وضعًا عجيبًا، فلا هو بالهاوى ولا هو بالمحترف، واتحاد اللعبة ترك الأندية منذ سبعينيات القرن الماضى تفعل ما تشاء، والنتيجة أن ساد قانون الغاب، وسيطرت الأندية الكبيرة على الساحة، ولعب المال دوره بإفراغ الأندية الفقيرة من اللاعبين المتميزين، والنتيجة أن اختفت أندية كان لها اسم وبطولات كثيرا ما أمدت الكرة المصرية بلاعبين أفذاذ، مثل الترام والأوليمبى السكندريين والترسانة والطيران وغيرها، وبدخول المال مجال الرياضة ضاع الانتماء، والأدهى أننا أخذنا من مفهوم الاحتراف جانبه المادى فقط، وأهملنا باقى الجوانب التى تكفل سلامة التطبيق وأولها الالتزام، وهذا سر فشل معظم تجارب احتراف معظم اللاعبين المصريين خارج الحدود، لأنهم لم يتعودوا على الالتزام وإطاعة تعليمات المدرب، أو اللعب بروح الفريق فكل يلعب لنفسه وليس لفريقه. وهذا التطبيق الفاشل لنظام الاحتراف كلف الأهلى والزمالك عشرات الملايين من الجنيهات، التى لو ذهبت إلى بناء مدارس كروية فى محافظات مصر لأفرخت مواهب كثيرة، لا يعوزها لتنافس كبار النجوم سوى قليل من الصقل والتدريب. لقد تابعت كرة القدم منذ منتصف الستينيات، وقت كان كشافو المواهب من أمثال الراحل عبده الطباخ يجوبون الحارات والقري، ويستكشفون مراكز الشباب بحثًا عن المواهب، ومن هذه النجوع والحوارى خرج الضيظوى ورفعت الفناجيلى وعبده نصحى ورفاعى وبدوى عبد الفتاح وعز الدين يعقوب والإسناوى وغيرهم من فرسان زمن الهواية الخالصة، وحقق المنتخب المصرى المركز الرابع فى دورة طوكيو 1964, وكانت هذه آخر مرة يحقق فيها المنتخب مركزًا متقدمًا.إن مشكلة الكرة المصرية مشكلة إدارة ومشكلة التزام وتطبيق غير سليم لنظام الاحتراف، ولو تأملنا تجربة المستشار مرتضى منصور فى نادى الزمالك، لوجدنا أن الرجل - مع تحفظاتى على ألفاظه وتصريحاته استطاع إعادة الانضباط إلى نادى الزمالك، وحقق فى عام ما لم يحققه غيره فى عدة دورات، لأنه أدرك بحس رجل الشارع أن اللاعب المصرى يحتاج إلى الحزم والشدة، كى يتخلى عن طريقة لعبه المزاجى ويلعب كمحترف، وطبق سياسة الثواب والعقاب دون تمييز، أو اهتمام باسم اللاعب أو قيمته. ونحن إذا أردنا فعلا النهوض بالكرة المصرية وإعادتها إلى سابق ريادتها، فعلينا البدء باتحاد اللعبة من أجل وضع تطبيق حقيقى للاحتراف، والحد من مغالاة اللاعبين ووكلائهم فى تقدير قيمة عقودهم، والحيلولة دون تفريغ الأندية الصغيرة من مواهبها، فالكرة المصرية لن تتقدم مادام اعتبرنا الأهلى والزمالك وحدهما فوق الجميع. لمزيد من مقالات أسامة الالفى