للفيلسوف والمؤرخ الفرنسي دوني ديدرو مقولة بالغة الأهمية لأنها أشبه بإنذار لكل بني البشر بضرورة التنبه لمخاطر الانزلاق نحو الانفصال عن الآخر والتقوقع علي النفس لكل أمة علي حدة حيث يقول: بدون وحدة الفيزياء والأخلاق النبيلة لا يبقي أمام البشرية سوي احتمال واحد هو الارتداد إلي البربرية. وتأتي أهمية وقيمة هذه المقولة في أنها ليست رد فعل لحدث معين, وإنما هي كانت استشرافا ورؤية مستقبلية تنبأ بها هذا الفيلسوف الفرنسي العظيم من قبل أن تدهم العالم في السنوات الأخيرة أحداث إرهابية مشينة كان آخرها حادث مدينة تولوز الفرنسية أدت إلي فتح شهية العنصريين- هنا وهناك- لإعادة تجديد وطرح رهاناتهم الخاطئة التي ترتكز علي عدم الاعتراف بالآخر وهو ما أعطي الفرصة للعنصريين المتغلغلين في اليمين الغربي عامة واليمين الفرنسي خاصة إلي تصوير ما حدث علي أنه تعبير عن صحة رؤيتهم بأن الإرهاب ليس رد فعل لمظالم السياسات, وإنما هو- حسب ادعائهم- ناجم عن اختلاف القيم الثقافية بين الإسلام والحضارة الغربية ومعارضة المسلمين لهذه القيم ورغبتهم في تدميرها والقضاء عليها! ومن هنا يتحتم علي رموز الفكر والثقافة في العالم العربي والإسلامي أن يتنبهوا إلي الفخ المنصوب وأن يتجنبوا الوقوع فيه, وذلك لن يتأتي بمجاراة التصاعد بتصاعد مماثل, وإنما بتفويت الفرصة علي دعاة صدام الحضارات وتأكيد أن الإسلام ليس في بعض حوادث الارهاب التي جري اتخاذها في السنوات الأخيرة كذريعة لحروب تختلط فيها دماء الأبرياء مع عجينة غربية للتلفيق وخلط الأوراق. إن علينا أن ندرك أنه ليس من مصلحتنا الإسهام في تأجيج نيران هذه الحرب التي يريدون إشعالها باسم صراع الثقافات والحضارات لأن من يسعون لذلك منذ سنوات يهدفون إلي قطع الطريق علي أي مفهوم للعلاقات الدولية يرتكز إلي الحوار والتشاور ويصل بالأمور إلي فرض سياسات الإرغام والهيمنة التي هي حق للدول القوية والكبري وحدها! وغدا نواصل الحديث خير الكلام: لا شيء ينتقم لنفسه مثل انتقام الزمن! المزيد من أعمدة مرسى عطا الله