لم يكن يتوقع «توزيره» ، ولم يسع الى كرسى «الثقافة» ، على الرغم من أن اسمه بات ضمن القيادات الخمس الذين تم ترشيحهم من الجولة الاولى للوزارة ، ومع أن التصفيات النهائية خلت منه ، لتنحصر بين الدكتور محمد عفيفى الامين العام السابق للمجلس الأعلى للثقافة ، والدكتور سامح مهران رئيس أكاديمية الفنون السابق ، ولكن فى النهاية وقعت المفاجأة ، ليجد حلمى النمنم وزيرا للثقافة ، بأمر رئيس الوزراء الجديد ، ضمن تشكيلة الحكومة الجديدة ، وزيرًا للثقافة، وتتسارع وتيرة الأحداث ، ليكتشف أن الخيال أصبح حقيقة . وفى أول يوم لتحمل المسئولية ، بدأ فى تنظيم البيت من الداخل من جديد ، وخاطب قيادات القطاعات ، ورجال الوسط الثقافى ، مطالبًا إياهم بالعمل يدًا واحدة ، وبمنتهى الحيادية ، والعقلانية ، أكد أنه جاء لاستكمال مسيرة السابقين ، وليس محو آثارهم ، وإنجازاتهم ، والبدء من جديد ، بما يعطل رؤى التطوير التى وضعتها الدولة للثقافة ، بالرجوع إلى نقطة الصفر مجددًا ، كما أدهش المحيطين باتزانه الفكرى ، عندما أعلن أنه يحترم ، ويستوعب كل الاّراء ، والاتجاهات ، حتى ممن عارضوا توزيره ، وشنوا عليه حملة شعواء ، منددين بفكره العلمانى ، الذى يدعو لفصل الدين عن الدولة ، وعدم اختلاطه بالسياسة ، وزادهم دهشة بأنه لن ينظر تحت قدميه ، بل سيكون بعيد المدى ، وأنه مستعد للخوض فى الملفات الشائكة ، ومحاولة إيجاد الحلول الناجعة لها. « الأهرام» حاور الكاتب الصحفى حلمى النمنم ، وزير الثقافة الجديد ، فى حكومة تسيير الأعمال الحالية ، التى يقودها المهندس شريف إسماعيل ، وفتحت أمامه العديد من القضايا ، واستطلعت آراءه فى المشهد الثقافى الحالى ، وأفكاره ، وخططه للتطوير ، ونهجه الذى سيسير عليه خلال الفترة المقبلة ، فكان حريصًا على الرد بشفافية ، وإن غلّفت الدبلوماسية بعض ردوده ، ولكن فى المجمل كان حوارًا شاملا ثريًّا ، استدعينا فيه تاريخه الطويل فى محاربة الاسلام السياسى ، وإظهار الوجه الحقيقى القبيح لجماعة الاخوان المسلمين ، الذى يقوم على تحقيق حلم الخلافة ، بقوة السلاح ، وكتاباته فى احترام الأزهر الشريف ، كمؤسسة دينية عريقة * فى البداية .. هل توقعتم التوزير ؟ وكيف تلقيتم النبأ ؟ - حقيقة ، لم أتوقعه ، فقد كان مفاجأة لى ، ولكن عندما يتعلق الامر بنداء الوطن ، فلابد أن نغلِّبه على أى رغبات ، أو مصالح ، أو توجهات ، وتلقيته بأريحية ، باعتباره مرحلة من مراحل الحياة ، لها خبراتها المهمة للفرد ، وأنا على أهبة الاستعداد لخوض العمل العام ، من أجل الدولة ، وفى العموم يكفينى فخرًا ترشيحى ، مع اعتزازى بكونى الكاتب الصحفى حلمى النمنم ، وتاريخى ، ومناصبى ، وإنجازاته ، فى عالمى الصحافة ، والثقافة ، لأن المناصب زائلة ، ولن يتبقى لك سوى قلمك ، وفكرك . * ما أهم التكليفات الرئاسية لكم ، مع بداية توليكم وزارة الثقافة ؟ - شددت الرئاسة فى خطاب تكليف الحكومة الجديدة بالنسبة ل»وزارة الثقافة»، على ضرورة إحداث تنمية ثقافية حقيقية، تصل إلى عموم الجمهور، ، فى جميع أنحاء الجمهورية ، لا تقصى ، أو تتجنب أحد، وبالتأكيد أنا مع التنمية الثقافية بمعناها الأشمل ، وسأسعى جاهدًا لتحقيق هذا التكليف على أكمل وجه ، فالتطوير عندى عملية مستمرة ، تقوم بها كل قطاعات الثقافة، ولكل قطاع دوره ، الذى يشكل حلقة فى عقد هذه التنمية . * وماذا عن تجديد الخطاب الدينى ، الذى قلتم فى بداية خطابكم للصحافة ، بعد توزيركم ، إنه من أولويات مهامكم ، خلال المرحلة المقبلة ؟ - بالفعل ، هو من أهم القضايا، التى شدد عليها رئيس الجمهورية ، لذا يحتل مكانًا بارزًا فى مقدمة أولوياتى ، بالنسبة لقضايا الثقافة ، ولكى تنجح فى تجديد هذا الخطاب المهم ، فأنت بحاجة لتجديد الخطاب بالنسبة لمناحى الحياة الأخرى ، كالخطاب الثقافى ، الإعلامى ، إلى آخره ، فكلها إنعكاس لبعضها البعض ، والعلاقة بينها جدلية متماسكة . * ولكن هناك من يرونَ أن مشاركة الثقافة فى تجديد الخطاب الدينى ، هو إقحام فى دور الأزهر ، والمؤسسات الدينية ، المعنية بالأمر .. فما ردكم ؟ - هذا ليس إقحامًا ، لأن وزارة الثقافة لا تتبنى تجديد الخطاب الدينى ، فهو تكليف رئاسى لابد أن تشارك فيه كل مؤسسات الدولة ، وهو لا ينفصل كثيرًا عن الخطاب الثقافى ، الذى يحتاج هو الآخر للتجديد ، بإعتبارهما قضيتين تهمان المجتمع بأسره ، لاينفصلان، بل إن الخطاب الديني، هو جزء من الخطاب الثقافى الأشمل ، هذا إذا عرفنا الثقافة ، بمفهومها الواسع الصحيح ، وسأضرب مثالًا لما أقول ، بالعودة لأزمان مضت ، قامت فيها شخصيات ثقافية بارزة فى تاريخها العريق ، كالدكتور طه حسين ، ومحمود عباس العقاد ، ومحمد حسين هيكل ، بتطوير الخطاب الدينى ، من خلال الارتقاء بالفكر ، والثقافة العامة ، للمجتمع المصرى ، فى وقتها . * من وجهة نظركم .. ماذا يعنى تجديد الخطاب الدينى ؟ - المقصود بتجديد الخطاب الدينى ، هو إظهار الوجه الآخر لديننا الحنيف ، الإنسانى ، السمح ، المعتدل ، وذلك لتفتيت الفكر المتطرف الذى ينتهى بالإرهاب، ويحاول أن يتسرب بين ثنايا الوطن العربى . * ألا يكفى دور الأزهر فى تطوير هذا الخطاب ؟ - على الرغم من أن طبيعة القضية دينية بحتة ، فإن القضية لا تخص مؤسسة الأزهر بمفردها، وإن كان عليها دور كبير وأساسي، ولكن لابد أن يمتد التطوير ، ليشمل كل مؤسسات الدولة ، التى عليها أن تعمل بتناغم من أجل هذا ، فهناك أدوار مكمِّلة للمؤسسات الأخرى كالثقافية ، والتربوية ، والتعليمية ، كالمدارس ، والجامعات ، بل والأندية عليها عامل فى هذا التطوير أيضًا. * وألا تخشى من أن يحدث ازدواج بين الثقافة والأزهر ، وبالتالى تداخل ، فى تنفيذ هذا التكليف ، فيفشل ، أو يظهر بصورة سيئة. - أولًا .. لا يوجد ازدواج ، فمنذ زمن بعيد ، هناك تأثير وتأثر ، مابين علماء الأزهر ، وشيوخه الاجلاء ، والمجتمع برموزه ، وله آياديه البيضاء فى تنوير المجتمع ، فمثلًا الشيخ مصطفى عبد الرازق كان الإمام الإكبر ، شيخ الأزهر الشريف ، وفى الوقت نفسه مؤسس الدراسات الفلسفية بجامعة القاهرة ، والشيخ محمد عبده كان مفتى الديار المصرية ، وهو ذاته الأستاذ ، الذى استقى منه لطفى السيد ، وقاسم أمين أفكارهما التحررية ، وهناك أيضا الشيخ رفاعة الطهطاوى ، الذى خرج من معطفه كل المدارس الفكرية الحديثة ، وهذا يدل على أنه لايوجد تعارض بين ، أو تنافر بين تلك المؤسسة الدينية العريقة ، والثقافة العامة ، والنَّاس . * ولكنّ كثيرًا من أبناء الأزهر من العلماء ، والشيوخ الكبار ، كمحمد عبده ، وطه حسين ، ثاروا عليه ، وتمردوا على أفكاره .. فما قولك ؟ - لايمكن أن أقول أنهم ثاروا عليه ، بالمعنى الحرفى للكلمة ، بل كان لديهم أفكار ، يريدون فرضها كنوع من التجديد ، وليس مجرد الثورة ، والدليل على ذلك أن الإمام محمد عبده كانت لديه أفكار مجددة ، لكنه ظل باقيًا فى الأزهر ، حتى نهاية حياته . * برأيكم .. كيف نقضى على الفساد الدينى فى مصر ؟ - هذه المهمة الوطنية المُلِحَّة ، تقوم بها عدة عناصر ، الجزء الأول منها ، وهو الأعمال العدائية العنيفة ، وتتصدى لها قوات الجيش والشرطة ، والآخر ، وهو الاخطر ، التوعية ، والتنوير ، ويقوم بهما المفكرون ، والمثقفون ، والمؤسسات التربوية ، فى الدولة . * هل يمكن أن يحتوى الوسط الثقافى ، القائم حرية الرأى ، والاختلاف ، أن يحتوى التيارات الدينية المتشددة ، من خلال الحوار . - أى تيار دينى ، يمكن ، بل يجب الحوار معه ، بشرط أن يرمى السلاح ، ولا يتبنى منهج الإرهاب والعنف . * هناك مشكلة كبيرة ، عانى منها الوسط الثقافى ، فى عهد الدكتور النبوى ، وكانت أحد أسباب تغييره ، وهى إهمال التواصل مع المثقفين ، ومعلوم أنكم واحد من أهم المثقفين ، ومتواصل مع الوسط ، منذ زمن طويل ، فهل سيكون هناك اختلاف بعد توزيركم ؟ - وزارة الثقافة لايمكن أن تعمل بمعزل عن المثقفين ، وعلاقتى بالمثقفين قائمة معهم قبل ، وأثناء ، وبعد ، التوزير ، ولابد أن يكون هناك تعاون بيننا ، ولن يتوقف الحوار ، لأى سبب كان ، وحاليًّا أنا فى مرحلة الاستكشاف ، لتحديد أولويات القضايا الثقافية الراهنة ، التى سنتحاور حولها . * ومارأيكم فى المثقفين الذين لايعترفون بوزارة الثقافة ، ويطالبون بإلغائها ؟ - من يطالب بإلغاء الوزارة ، ليس معناه أنه يعاديها ، إنما هو رأى ، ضمن كل الأراء المطروحة ، يجب أن تحترم ، ويُرد عليها بالحوار ، والنقاش العقلانى ، المنطقى ، القائم على الأسباب ، والدلائل ، التى تدعم وجودها ، كوزارة من أهم مؤسسات الدولة ، وبالعموم ، كل المثقفين ، وطنيون ، يحبون بلدهم مصر ، ويتمنون أن يقدمون لها ، كل مايستطيعون ، لكى تنهض من جديد ، وبقوة ، وهذا كان واضحًا خلال لقائى بهم أخيرًا . * نعيش هذه الأيام ، حالة من الانفلات الأخلاقى بين الشباب ، وحالات التحرش تزداد يومًا بعد آخر ، فما حلها ، من وجهة نظركم ؟ - لا أستطيع أن أقول أن هناك حالة انفلات أخلاقى بين شبابنا ، مايحدث من بعض حالات التحرش لايرقى لهذا الوصف ، ولكن الأدق أن نقول أن المجتمع المصرى به بعض الظواهر السلبية ، ومنها التحرش ، ولابد أن نعمل على الحد منها ، تمهيدًا للقضاء عليها نهائيًّا ، بشكل متدرج ، وهذا يحتاج لإجراءات أمنية فى المقام الأول ، ونحن نرى الآن الشرطة النسائية ، وأخرى قانونية ، بتشديد العقوبات ، وقد أسهما هذا العام فى التقليل كثيرًا من حالات التحرش ، وهذا العيد شهد تراجعًا كبيرًا فيها ، ما علينا إلا أن نهتم ، ونداوم على التشديد ، والرقابة ، كما أن هناك جانبا آخر لايقل أهمية لمنع هذه الظاهرة ، وهو تغيير الثقافة العامة ، بالتوعية ، والتنوير ، من خلال تطوير الخطابين الدينى ، والثقافى فى المدارس ، والجامعات ، ودور العبادة ، والثقافة ، وخاصة الثقافة الغريبة على مجتمعنا ، وكانت سبب وجودها التيارات المتطرفة ، وهى ثقافة امتهان المرأة ، التى لابد أن نحاربها ، وبمنتهى القوة ، وهى ثقافة خطيرة جدا على مجتمعنا ، وعقول الشباب خاصة ، فما معنى أن تقوم هذه الثقافة على أن المرأة عبارة عن كتلة من اللحم ، لابد أن نخبِّئها ، وإلَّا نهشها الناس !! شيء غريب حقًّا !! ويجب علينا ، وبشكل سريع ، أن نحاول القضاء على تلك الثقافة ، التى أراها مستجدة علي الطابع المصرى ، وذلك بالارتقاء بنظرة المجتمع إلى الأنثى ، وعندما نجد ثلاث وزيرات ، فى التشكيل الوزارى الأخير ، فهذا يعكس تقدير الدولة المصرية الحديثة للمرأة ، ولو التزمنا بهذا المعدل ، أو زدناه ، فعلى المدى البعيد ، ستختفى تلك الظاهرة ، وأضرب مثلًا بفرنسا ، التى لايوجد بها حالات تحرش ، لانها نجحت فى القضاء على عقدة المرأة ، بتنوير مجتمعها ، وشبابها ، ومع تشديد العقوبات، و إطلاق الشرطة النسائية ، نستطيع أن نكبح جماح كل من تسول له نفسه ، العبث بالأنثى المصرية ، أو إهانتها ، وأنا متفائل بقرب الحد من تلك الظاهرة ، حتي تصل إلي العدم. * ومارأيكم فى ظاهرة الأفلام المسيئة للمجتمع المصرى ؟ - أرفض بالطبع تلك الظاهرة ، لكن نحن نتكلم عن إنتاج ، لا يد لنا فيه ، ليس لدينا سوى الرقابة ، التى أخطط من الآن لتفعيل دورها ، لمواجهة تلك الظاهرة المشينة ، من خلال «غربلة» الأفلام الرديئة، ولكن الحل ، قبلنا ، وقبل الجمهور ، فى يد شركات الإنتاج ، فيجب أن تكون لدينا شركات إنتاج مرتفعة المستوى ، يقوم عليها أناس مثقفون ، لإنتاج سينما مجتمعية راقية ، ففى كل الدنيا هناك الجيد ، والردئ ، ولكن الأخير لابد أن تكون نسبته أقل * أخيرًا .. هل أنتم مع فصل الدين عن الدولة فى مصر ؟ - أنا مع دولة مدنية وطنية دستورية، على الوجه الصحيح ، يعلو فيها صوت القانون، على التطرّف ، والارهاب الدينى السياسي.