قدرٌ ملحوظ من الثقة فى حُسن نية إثيوبيا وتفهُّم احتياجاتها لكهرباء سد النهضة فى مشروعات التنمية تولَّد لدى المصريين بعد الانفراجة التى نتجت عن لقاءات الرئيس السيسى ورئيس الوزراء الإثيوبى ديسالين خلال الشهور الخمسة عشر الأخيرة يحتاج الآن من المسئولين فى أديس أبابا عدم تركه يتآكل بسبب التأخير المتكرر لاجتماعات لجنة الخبراء ولعدم شروع المكتب الإستشارى الدولى فى إجراء الدراستين المطلوبتين لتحديد مدى تأثير السد سلبياً على حقوق مصر والسودان فى مياه النيل وعلى البيئة الاقتصادية والاجتماعية فيهما. ديسالين برَّر التأخير خلال لقائه السيسى على هامش اجتماعات الجمعية العامة الأسبوع الماضى بتشكيل حكومة جديدة فى أديس أبابا وما ستتخذه من خطوات للتعامل مع هذا الملف.وها هى الحكومة تبدأ اليوم عملها وننتظر أن تجتمع لجنة الخبراء المصرية - الإثيوبية - السودانية غداً لبحث ما يجب عمله بشأن الدراستين المطلوبتين بعد إعلان المكتب الاستشارى الهولندى انسحابه وبقاء المكتب الفرنسى وحيداً فى وقت يتطلب الإسراع بالانتهاء منهما لمواجهة أى سلبيات تتكشف قبل أن يبلغ بناء السد حداً يصعب تعديله ويضع القاهرة والخرطوم أمام أمر واقع. بصراحة يقتضيها الموقف يتهم كثيرون إثيوبيا بالمراوغة لكسب الوقت وبسوء النية لتأخير إجراء الدراستين أطول فترة ممكنة تقطع خلالها الشوط الأكبر من بناء السد فإذا أثبتت الدراستان أنه ستكون له آثار سلبية على تدفق المياه لمصر والسودان أو أضرار على البيئة الاقتصادية والاجتماعية فيهما تكون فرصة إجراء التعديلات اللازمة قد فاتت وأصبح الجميع أمام الأمر الواقع، ويستشهدون فى ذلك برفض الحكومة الإثيوبية تقديم ضمانات قاطعة بألاّ يُلحق السد أضراراً بالمصريين والسودانيين وإصرارها على أن تكون الحصة الأكبر من الدراستين (70%) للمكتب الاستشارى الفرنسى الذى يُقال إن له تعاملات سابقة معها وذلك على حساب المكتب الاستشارى الهولندى الذى يصفه الخبراء بالأكفأ والأكثر خبرة، ومع ذلك لم تزد حصته على 30% فكانت أحد أسباب انسحابه، وفى المقابل يتهم البعض القاهرة بأنها تساهلت أكثر من اللازم وأفرطت فى الثقة فى نوايا إثيوبيا بموافقتها على تخصيص ثلثى حجم الدراستين للمكتب الفرنسى وتجاهلها تعاملاته السابقة معها بالمخالفة للقواعد الأساسية للاختيار بين المكاتب الإستشارية وكذلك موافقتها فى إعلان المبادئ على عبارة (احترام وتنفيذ توصيات الخبراء) بدلاً من (الالتزام بتوصيات الخبراء وتنفيذها) لمنع أى محاولة للتهرب منها بالإضافة إلى عدم النص على التحكيم الدولى عند حدوث خلاف والاكتفاء بإحالته للتشاور أو التفاوض أوالوساطة أو التوفيق. لقد اتفق البلدان فى مارس 2015 على إعلان مبادئ من سبع نقاط أكدا فيه تجنب إضرار أى منهما بالآخر والتعاون كأساس لتحقيق المنافع المشتركة واحترام مبادئ الحوار ومبادئ القانون الدولى ونتائج الدراسات المقرر إجراؤها خلال مختلف مراحل بناء السد وأن تلتزم الحكومة الإثيوبية بتجنب أى ضرر محتمل من السد على استخدامات مصر من المياه على أن تلتزم الحكومة المصرية بالحوار البنّاء مع إثيوبيا وأخذ احتياجاتها التنموية وتطلعات شعبها بعين الاعتبار، وأن تلتزم الدولتان بالعمل فى إطار اللجنة الثلاثية بحُسن النية وبإعطاء الأولوية لإقامة مشروعات إقليمية لتنمية الموارد المائية لتلبية الطلب المتزايد على المياه ومواجهة نقصها واستئناف عمل اللجنة الثلاثية فوراً لتنفيذ توصيات الخبراء الدوليين بإجراء دراستين إضافيتين حول تأثيرات إنشاء السد، ويُلاحظ فى بنود إعلان المبادئ تأكيد ضرورة حُسن النية فى العمل داخل اللجنة الثلاثية حتى لا تتعثر أعمالها وكذلك على اجتماعها فوراً بعد طول توقف (وهو توقف تكرر فى الأسابيع الأخيرة أيضاً) لضمان سير الأمور كما هو مرسوم لها وتفادى أى أضرار للسد فى الوقت المناسب وقبل أن يصبح إجراء تعديل على تصميماته مستحيلاً. فكانت مصر كريمة مع إثيوبيا بعدم إصرارها على وقف بناء السد حتى تُثبت الدراسات عدم إضراره بحقوقها التاريخية فى مياه النيل، وهو ما فتح الباب للحصول على تمويل خارجى كان محظوراً طبقاً للوائح البنك الدولى لأى مشروع محل خلاف، وتنتظر الآن من شقيقتها الإفريقية أن ترد على هذا الكرم بمثله، إن لم يكن بأفضل منه،بالعمل على إزالة المعوقات من أمام عمل اللجنة الثلاثية والخبراء الدوليين. لقد أكد ديسالين خلال اجتماع نيويورك التزام إثيوبيا بما ورد فى إعلان المبادئ وبالروح الإيجابية التى سادت توقيعه وقال إن الموضوع فى مقدمة أولويات الحكومة الجديدة وأعرب عن تطلع بلاده لتعزيز التعاون مع مصر فى مكافحة التطرف والإرهاب بمنطقتى القرن الإفريقى والساحل، وكل ذلك جميل ومبشِّر ولكن يحتاج لتحويله إلى أفعال. فالتعاون المنشود لن يتحقق إذا استمر تعثر عمل اللجنة الثلاثية والخبراء الدوليين رغم حُسن النية الذى أبداه السيسى بالتوجيه بتعزيز التعاون فى مكافحة الإرهاب والتطرف دون انتظار ما ستفعله الحكومة الإثيوبية الجديدة. والسؤال الآن: إذا كانت الخلافات قد أعاقت مجرد اجتماع اللجنة الثلاثية والبدء فى إجراء الدراسات فماذا سيحدث عند تنفيذ توصيات الخبراء الدوليين وقواعد ملء بحيرة السد والتنسيق بين تشغيله وتشغيل السد العالى وسدود السودان وتعويض الطرف الذى تلحق به أضرار؟. لمزيد من مقالات عطيه عيسوى