التقى الدكتور عباس شومان وكيل الأزهر أمس، جان فريدريك بواسون نائب رئيس لجنة القانون فى المجلس الوطنى الفرنسى ورئيس الحزب المسيحى الديمقراطى ، والذى أوضح أن هدفه من اللقاء هو الوقوف على حقيقة بعض القضايا التى ثار حولها جدل فى الآونة الأخيرة باعتبار الأزهر أكبر مؤسسة إسلامية فى العالم ،ويمتلك رسالة يمكن توجيهها لتوضيح الكثير من الأمور ، ودار نقاش حول محاور عديدة. فعن علاقة الأديان بالعنف قال الدكتور عباس شومان إن الأديان السماوية تقف جميعها صفا واحد فى مواجهة التطرف والإرهاب والعنف، لكن المشكلة الحقيقية التى نعانى منها هى فهم النصوص والتفرقة بين مصطلح العنف ورد العدوان ، ففى جميع الأديان فإن الدفاع عن النفس ورد العدوان أمر مشروع ، لكن وفق ضوابط وشروط . وعن موقف الأزهر من الجماعات المتشددة قال وكيل الأزهر إن الأزهر الشريف يحرص دائما على قطع الصلة بين الفهم الصحيح للإسلام والجماعات التى تتبنى العنف والإرهاب منهجا ، ونبين للجميع أن أفعال هؤلاء لا علاقة لها بالدين الصحيح وإنما ترجع لأهداف سياسية،وإذا أراد المجتمع الدولى التصدى لتلك الجماعات فيجب أن يتم التعامل بشفافية ووضوح والتوقف عن نسبة أفعالها للأديان ، ويجب أن تعلم الدول التى تساند تلك الجماعات وتدعمها أنها ليست بمأمن من خطرها ، لذا يجب التوقف عن دعمها و التغطية على أفعالها والتصدى الحقيقى لجرائمها. والأزهر منذ فترة طويلة أعلن تصديه لكافة الأفكار التى تروجها تلك الجماعات خاصة تنظيم داعش الإرهابي، وعقد مؤتمرا عالميا فى ديسمبر 2014 شارك فيه ممثلون من مختلف الأديان والطوائف، واتفقوا جميعا على تبرئة الأديان من الإرهاب وقطع الصلة بين أفعال تلك الجماعات وبين الأديان السماوية جميعا ، وطالبوا المجتمع الدولى بالتصدى لهذه الجماعات وفتح حوار بين الشرق والغرب والشمال والجنوب لنشر قيم التعايش السلمى بين الجميع . كما أنشأنا بالأزهر الشريف مرصدا يعمل ليل نهار على متابعة الأفكار التى تروجها تلك الجماعات ويقوم بالرد عليها بعدة لغات. كما قام الأزهر الشريف بإرسال قوافل السلام بالتعاون مع مجلس حكماء المسلمين لنشر الفكر الوسطى الصحيح ، ولاقت نجاحا كبيرا يؤكد دور الأزهر الشريف وقدرته على مواجهة أفكار العنف والتشدد ،كما أننا على استعداد لإرسال دعاة لجميع دول العالم. وننظر فى الأزهر لبعض تلك الجماعات على أنها جنحت لاستخدام العنف من أجل أهداف سياسية ، أما داعش فقد صنعت من قبل أجهزة لا نعلمها ولكننا متأكدون أنها تضمر العداء للمنطقة ، وخير دليل على ذلك احتلال مدينة تدمر السورية التى تقع فى قلب الصحراء ، فكيف تحركت أساطيل سيارات داعش دون أن تراها الأقمار الصناعية التى تراقب المنطقة ليل نهار؟! وكيف وصلت داعش لهذا التطور الخطير تكنولوجيا؟! ومن أين تأتى بالأموال والملابس والساعات الفاخرة والسلاح النوعى المتقدم ؟! أما عن النصوص التى تستخدمها داعش فى الحرق والقتل فهى نصوص إما مدسوسة ولا علاقة للشريعة الإسلامية بها ، وإما أنهم يؤولونها وفقا لأهوائهم. وفى رد على سؤال لرئيس الحزب المسيحى الفرنسى :هل ترى أننى كمسيحى كافر تستحل قتلى وأخذ مالي؟. قال وكيل الأزهر:لاتجيز شريعتنا قتلك ولا أخذ مالك،بل تراك وغيرك من المسيحيين واليهود وغيرهم غير المعادين للمسلمين ان دماءكم واموالكم حرام كدماء وأموال المسلمين،وأن المعتدي عليكم كالمعتدى على المسلم يعاقب بنفس العقوبة المقررة فى حال اعتدائه على دم أو مال مسلم،ويكفى أن أخبرك بحديث واحد عن رسولنا يجيب على سؤالك وهو قوله -صلى الله عليه وسلم-»من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين خريفا» والمعاهد هو غير المسلم الذى بينه وبين المسلمين أمان ،وقد أمرنا رسولنا بحسن معاملة غير المسلمين وأوصانا كمصريين بأقباط مصر ،ولعل فى التواصل والتعاون بين الأزهر والكنائس فى الداخل والخارج ردا عمليا على تساؤلك. وعن تجربة بيت العائلة قال وكيل الأزهر إنها تجربة مصرية فريدة نفخر بها جميعا أطلقها فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر ،حيث يجتمع علماء الأزهر والقساوسة لبحث المشكلات التى تطرأ على المجتمع والمساهمة بأفكار تخدم التعليم والثقافة فى مصر، ويتناوب على رئاسته شيخ الأزهر وبابا الكنيسة. وقد نشأت هذه الفكرة عقب الاعتداءات التى تمت على بعض الكنائس فى العالم ونال مصر منها نصيب ، وتم اتهام بعض المتشددين الإسلاميين بالوقوف خلف تلك الأحداث ،فجاء الإعلان عن إنشاء بيت العائلة وسط ترحيب ودعم من الكنائس المصرية التى تدرك جيدا دور الأزهر . وقد قام بيت العائلة بخطوات جادة فى دعم فكر التعايش والتعاون بين أبناء الشعب المصرى وحقق نجاحات كبيرة على أرض الواقع ، وتوسعت فروعه لتشمل 20 محافظة مصرية وجار استكمال بقية الفروع. وأهم وأبرز ما قام به بيت العائلة هو الرفض التام لأى اعتداء على بيوت العبادة بل المساهمة فى ترميم الكنائس المتضررة ، وبدعم كامل من الأزهر. وعن علاقة الدين بالسياسة قال وكيل الأزهر :إن الدين جاء لتحقيق مصالح الناس وهو مجموعة من القيم والأخلاق والسلوكيات التى يجب على الناس تطبيقها والالتزام بها ، وإذا فهم الدين فهما صحيحا فلا تعارض بينه وبين السياسة التى وضعت أيضا لتحقيق مصالح الناس ، والأزهر الشريف يرفض إقحام الدين فى السياسة بشكلها المعاصر. وفى ختام اللقاء قال نائب رئيس لجنة القانون فى المجلس الوطنى الفرنسى ورئيس الحزب المسيحى الديمقراطى إنه كبرلمانى فرنسى لا يمكن أن يوجه النقد للبرلمان خارج بلاده لكنه ليس سعيدا بالطريقة التى تتعامل بها الحكومة الفرنسية مع تنظيم داعش ،وهناك قرارات كثيرة لم تتخذ لوقف تمدد داعش ،ومنها فتح التحقيق فى قضية شراء البترول من داعش ،وشكر وكيل الأزهر لتوضيحه لكثير من الأمور التى تخفى عليه وعلى زملائه فى البرلمان الفرنسى وتمنى أن يراه وغيره من علماء الأزهر فى باريس لتوضيح هذه الأمور.