عشق النبى وزيارة بيته مفتاح الوجد الروحى للمصريين لقب حاج يمنح صاحبه مكانة اجتماعية مرموقة عند العامة
تمثل رحلة الحج الي الاراضي المقدسة حجر زاوية مهما في الوجدان المصري والعربي بكل ما تحمله الكلمة من معني اذ ان الاحتفال بالحج في جميع مناسباته طقس مصري خالص في اساسه بل ان الغناء الديني في اصلة طقس مصري رسخته الطرق الصوفية المصرية التي كان لها باع طويل في استخدام الموسيقي لتوصيل الانسان الي مرحلة الوجد الصوفي,وترقيق مشاعره . والواقع ان ابناء الريف المصري في الدلتا او الجنوب يدركون جيدا كيف ان هذه الاغنية الشعبية اغنية الحج متأصلة في التراث الموسيقي الديني عندنا ان طفولتنا حافلة بعشرات الاغنيات الجميلة كلاما ولحنا عن الحج ووداع الذاهبين إلي بيت الله الحرام والعائدين منه التغزل في القطار الذاهب هناك والبواخر المسافرة الي قبر الرسول والتغزل في القبر الذي يضم رفات اعز البشر. وتلك الاغنيات ليست مقصورة علي المحترفين من المداحين والموالدية والصييتة الذين يدعوهم اهل القرى لإحياء ليالي الاحتفال بعودة الحجاج انما هي ابداع شعبي عام تنتجة السليقة المصرية المرتبطة بالدين ارتباطا وثيقا . الدكتور محمد رجب النجار استاذ علم الفولكلور صاحب المكانة الرفيعة بين المتخصصين في هذا العلم يطوف بنا في هذا العالم من خلال مؤلفة الاشهر «فولكلور الحج الاغنية الشعبية نموذجا» يقول اغاني الحج نوع من الاغاني الشعبية الزائعة في معظم المجتمعات الاسلامية القروية تؤديها الجماعات الشعبية ابان موسم الحج السنوي احتفالا بخروج رجالها ونسائها لأداء الفريضة وكان اداء مثل هذه الاهازيج او الاغاني الشعبية جزءا من احتفالية كبري تقام بهذه المناسبة وتشكل طقسا شعبيا موازيا ومعبرا عن فرحة جمعية بأداء هذه الشعيرة الاسلامية المقدسة التي كانت تتحقق في الازمنة الماضية مرة واحدة في العمر تقريبا»اواخر العمر تقريبا « وفيما يقول المؤرخون والرحالة وشهود العيان كان اداؤها قديما وحتى الحرب العالمية الثانية مغامرة كبري تستغرق عدة شهور مابين الذهاب والإياب يتعرض الحاج او الحاجة خلالها لمخاطر جمة بدءا من مشقة السفر في الصحاري والفيافي وانتهاء بمخاطر ركوب البحر في قوارب ومراكب بدائية تسمي «الجلاب» يحشر فيها الحجيج حشرا و كأنها اقفاص الدجاج علي حد تعبير ابن جبير في رحلته الشهيرة مرورا بهجوم الاعراب واللصوص عليهم قبل ان يحقق الملك عبد العزيز ال سعود الامن لطرق القوافل الي غير ذلك من مخاطر وحوادث تقشعر لها الابدان حيث كان السفر انذاك «قطعة من العذاب « حقيقة لا مجازا. نقلة نوعية وأداء فريضة الحج في المجتمعات الشعبية»القروية والريفية» يعد بمنزلة قيمة او وظيفة اجتماعية وأخلاقية تؤهل لنقلة نوعية لان الحاج او الحاجة من الان فصاعدا اصبح يحظى بالكثير من الاحترام والتقدير وعلو المكانة خاصة بين اهله وعشيرته والمقربين وصار يؤخذ بقوله ويعتد برأيه في المجتمع المحلي ويستفتي كذلك فيما يتخذ بشأنه من قرارات في المهمات والملمات وقد يصبح عندئذ من اصحاب الحل والعقد ومن اهل الشورى وأرباب الحكمة خاصة اذا كان حافظا للقران الكريم او ملما ببعض المعارف الدينية والسيرة النبوية . زفة الحاج يبدأ الاعداد لإقامة هذه الاحتفالية الكبري قبيل السفر وتنطلق بارتداء الحاج افضل ثيابه ولاسيما الملابس البيضاء ومثله المرأه وتضاء البيوت ويتم تزيينها ببعض الاعلام والرايات الملونة ثم يشرع في تلقي التهاني والتبركات من اهله وذويه وأصدقائه المقربين وينادونه بلقب حاج وهذا اللقب عند العامة يعلي من شان صاحبه بين اهله ومعارفه اكثر من الصلاة والزكاة. وهذا اللقب كان يضفي علي صاحبه سلوكا قويما والتزاما صارما نحو الافضل فيلزم الصلاة اذا كان تاركا لها والزكاة اذا كان لها مانعا والصوم اذا كان مفطرا والإحسان اذا كان مقصرا والبر بالوالدين اذا كان عاقا كما يمتنع عن الموبقات الاخري كما يمر علي اهل القرية يقترب منهم ويسترضيهم ويتودد اليهم ويستسمحهم فردا فردا من اي خطا قد ارتكبه في احدهم يوما ما لاسيما كبار السن ومن الاغاني التي تصف الرحله المقدسة. يا جمل يا جمل يابو خف زيني اشرق مشرق والله ونشوف الحبايب يا ابو الخف زينه يا جمل يا جمل يا ابو الخف زينه رايح فين يا جمل؟ دانا رايح اودي الحبيب يزور نبينا ينتقل بنا الدكتور النجار الي جزء اخر من هذه الرحلة المباركة في الوجدان المصري ويكشف ان ثمة معتقدا شعبيا سائدا في ثقافة المجتمعات القروية والريفية بان المرء المسلم اذا استطاع ان يؤدي فريضة الحج وان يزور قبر النبي عليه السلام ويصلي في مسجده الشريف فإنما مرد ذلك الي «دعوة»موجهة اليه من الرسول وما دام قد دعاه النبي علي حد التعبير الشعبي فان عليه ان يلبي هذا الشرف وعندئذ يطمئن الي ان اداء الفريضة او الحجة «مكتوبة له»والطريف في ذلك ان الحاج او الحاجة بناء علي هذا المعتقد يعتقدون بضرورة طلب الاذن في تلبيه الدعوة من ابنته فاطمة رضي الله عنها وليس من احد غيرها يا فاطمة يا بنت نبينا افتحي البوابة يا فاطمة ابوكي داعينا والوجدان الشعبي المصري قد رغب في الحج من اجل التطهر من المعاصي ومحو الذنوب قبل الموت خشيه «زنقة القبر» وهول يوم الحساب متقوم يا عاصي وبلاش معاصي دا القبر ضيج والحساب جاسي حلوة وزينة صلاة النبي حلوة وزينة حلوة وزينة,وبتجلي القلوب الحزينه الزمزمة تعد واحده من اهم اسباب الترغيب في الحج وهو ان يقوم الحاج او الحاجة بزمزمة ملابسه ولاسيما قماش الكفن وحبذا لو كانت الزمزمة فوق جبل عرفات كما تقول الاغنية لما نويت يا حاج خد الابيض وشيلة علي جبل عرفات يا محلي غسيله لما نويت يا حاج خد الزمزمية زعفران الحجاز علي شاشك وقية ومن الادلة المهمة علي ان حب النبي وزيارة بيت الله الحرام تحظي بمكانه مهمة في الوجدان الشعبي المصري انه مستعد للسفر بصحبة قوافل الحجيج ولو كان عاملا مقابل اعداد الطعام يا زايرين النبي محمد خدوني معاكم مشتاقة لزيارة النبي واسوي غداكم يا رب ما اموت وانزل ترابي الا اما ازور النبي وابلغ مرادي ون عطاني ربي لابيعك يا توبي واشرق ع النبي وابلك يا شوقي مشهد الوداع ويشكل مشهد وداع الحاج والحاجة ذروة المشهد الاحتفالي لذا فهو من اكثر المشاهد تأثيرا في النفوس يا وابور السفر متوقف شويه خلي أبويا الغالي يسلم عليهّ ومن اكثر اغاني الحج تأثيرا في النفس تلك التي يسترضي الحاج فيها امه العجوز ويعترف فيها بفضلها عليه ويستسمحها ويطلب العفو منها والدعاء له وادعي لي يا مّه ودعكي قبلته دا حجرك رباني يا مّه ولبنك رضعته البشير واغاني العودة تشكل رحلة العودة طقسا احتفاليا بالغ الاهمية لا يقل عن طقس الذهاب ليس لان الحاج او الحاجة قد انتهي من اداء الفريضة فحسب بل لأنه عاد سالما غانما بعد رحله طويلة شاقة مليئة بالمخاطر حيث»الذاهب مفقود والعائد مولود» علي حد تعبير ابن بطوطة في رحلته الشهيرة ويا بشير الهانا يا عم يا رايح بلدنا زرنا الحبيب النبي روح بشر ولدنا ويا بشير يا بشير ياللي انت رايح قول لاهلي العزاز يحضروا الدبايح نقرش البوابة ببوهية وزيتي واكتب حجتي علي باب بيتي.