أكد الدكتور جابر نصار رئيس جامعة القاهرة ضرورة الاستماع لآراء الخبراء والمتخصصين فى العملية التعليمية بمصر وأن يضعوا حلولا لمشاكل التعليم من الواقع المصرى ، وقال فى حوار ل «الأهرام»، إأن حل أزمة التعليم فى مصر لن تتأتى إلا بعقول مصرية ولن يجدى نفعا معها استيراد أفكار من الخارج ، وأن الحلول الأمريكية والبريطانية لا تتماشى مع الحالة المصرية ، وخلال الحوار، طرح نصار مجموعة من الحلول الجريئة ومنها ضرورة اعتراف الدولة بمراكز الدروس الخصوصية وتقنين أوضاعها والعمل على تشغيلها تحت بصر الدولة ، أما القول بإيقاف أو منع عملها فهو بمثابة دفن الرءوس فى الرمال، على حد قوله.. وإلى نص الحوار: هل ترى أن أجواء العمل المحيطة بالعملية التعليمية ملائمة لتوفير مناخ صحى وتؤهل لجودة التعليم فى مصر؟ الأجواء المحيطة بالعملية التعليمة صحية جدا ،فالجامعات اليوم لديها استعداد كبير لعملية تعليمية ناجحة ، ولم تعد التحديات الأمنية تواجهها بالقدر الذى كان موجودا من قبل،ولذا نتوقع أن يكون الموسم الدراسى المقبل جيدا. كيف تكون الأجواء صحية بينما تبرز بين الحين والآخر ملامح صراعات تنبئ عن وجود خلل ما؟.. فماذا يدور داخل الكواليس بين القائمين على أمور التعليم ؟ لا أعرف أى صراعات تقصدين، ولكن على العموم أى مجتمع من الطبيعى جدا أن تختلف فيه وجهات النظر ،فعلى سبيل المثال ، جامعة بحجم جامعة القاهرة لا بد أن يكون لها وجهة نظر فى كثير من الأمور التعليمية ولذلك نختلف ونتفق مع الوزارة ، لما لدينا من تقدير وإحساس بقيمة جامعة القاهرة وضرورى أن تكون رقما مهما فى معادلة التعليم العالى فى مصر ، ولذا نحن لا نتخذ مواقفنا إلا بناء على اعتبارات موضوعية لصالح هذا الوطن والجامعة ، ومن هذا المنطلق نقول أنه لا وجود للصراعات بل هناك اختلافات بين وجهات النظر وهذا أمر حيوى ومهم ومطلوب ،واعتقد أن من مميزات وتجليات حكم الرئيس عبد الفتاح السيسى أن مصر مليئة بالحركة والنشاط ووجهات النظر المختلفة ويتزامن كل هذا مع جهد الأجهزة لتعقب الفساد ، وهذه الأمور تظهر أن الساحة مفتوحة بصورة كبيرة ، وعلى الجميع أن يعوا أننا نعيش فى عصر مختلف ومن نواح عدة سواء بما تحويه من تكنولوجيا حديثة أو ضغوط نعايشها بصورة دائمة ، مما يستلزم ضرورة وجود شفافية فى ممارسة السلطة، خاصة أن آليات الرقابة ووسائل الإعلام تتابع المسئول فى كل لحظة ، وهذا يجعل الانضباط لزاما على كل المسئولين فى ممارسة السلطة.والشيء الذى يعنينا . التوزيع الإقليمى والجغرافى هو المشكلة التى تواجه أبناءنا فى بداية العام الدراسى، ألا ترى أنها بحاجة لإعادة نظر؟ بالطبع ، فأى نظام يتم إقراره إذا ما ثبتت له مزايا يجب تعظيمها ، وان بدا فيها عيوب يستلزم تقليلها وكل ذلك عن طريق الحوار والمناقشة ، فالتوزيع الجغرافى له مزايا كثيرة جدا وبه عيوب أيضا ، وكيفية تعظيم المزايا به وخفض نسبة العيوب به مسألة مهمة جدا ، وللأمانة التوزيع الجغرافى مطبق من العام الماضى فقط ، ولم يثر حينها هذه الضجة التى مررنا بها مؤخرا ، وسر الضجة جانب مهم منها أنها أثيرت بخصوص جامعة القاهرة حيث أنها تمثل رقما مهما فى عقول وقلوب المصريين ،ويرون أنها الجامعة الحلم والمتميزة ، ولذا يرغبون ويتمنون الالتحاق بها ، ونحن نقول انه اذا كان هذا الطالب متفوقا فهذا حقه ،أما الجانب الأخر فهو أننا لدينا جامعات بالأقاليم ناشئة يجب تشجيعها والوقوف بجانبها ودفعها للأمام ، والذى لا يعرفه الكثيرون أن الأساتذة الذين يدرسون فى الجامعات أغلبهم من جامعتى القاهرة وعين شمس ، حيث أننا نملك الذخيرة و«الخميرة» التى تخرج وتنشر نور العلم فى الجامعات المصرية،ونحن كجامعة ما يعنينا هو الالتزام بالعدد الذى يلتحق بالجامعة ، وفى بعض الجامعات لا يتم الالتزام بهذه الأعداد ببعض الكليات كالحقوق والتجارة ودار العلوم ، غير أن هناك كليات يجب علينا الالتزام بالعدد المقرر لها مثل الطب والهندسة والاقتصاد والعلوم السياسية والإعلام. وما رؤيتك لحل مشكلة كليات القمة وهل ترى أن منع أبناء الأقاليم من الالتحاق بها هو الحل؟ أرى أن حل تلك المشكلة بأن يحدد العدد اللازم التحاقه فى هذه الكليات ، كأن نقول مثلا نحن فى حاجة لألف طالب فى كلية الاقتصاد ، ويفتح باب الالتحاق لهذا العدد من الأوائل على مستوى الجمهورية، ويسرى ذلك على الهندسة والطب ، ثم باقى الكليات يطبق عليها التوزيع الجغرافى ، فمن الصعب على أنفسنا الآن أن يأتى طالب بالأقاليم ويقول لنا انه حاصل على 97 أو 98% ولا يمكنه الالتحاق بكلية الاقتصاد أو الإعلام فى حين يتمكن طالب آخر من الالتحاق رغم حصوله على 94%، وبوصفى عضوا فى المجلس الأعلى عن الجامعات نحن مسئولون عن هذا القرار، على الرغم من أن جامعة القاهرة يتولى ملف التنسيق بالكامل فيها نائب رئيس الجامعة ، ومع ذلك اعتبر نفسى جزءا من منظومة المجلس الأعلى للجامعات وتقع علىّ مسئولية فى هذا الأمر، وإن كنت ضد هذا القانون ،ومن واقع المسئولية يجب علينا وضع حلول منطقية وعادلة لمشكلة التنسيق والتوزيع الجغرافي. ما هى ملامح تلك الحلول من وجهة نظرك؟ بعض الحلول يمكن تنفيذها على المدى القريب وتنفذ خلال هذا العام ، ففى إمكان المجلس الأعلى للجامعات بدلا من أن يمنح ال300 الأوائل عن كل شعبة الالتحاق فى الكلية التى يرغبون فيها دون ارتباط بالتوزيع الجغرافى بأن يتم رفع ذلك العدد إلى 600 طالب من الأوائل،وبهذه الطريقة يتم خفض وتقليل حجم المشكلة ويحقق العدالة للطلاب المتفوقين ،وهذا سيؤدى فى الفترات القادمة الى أن الكليات المتفردة على مستوى الجمهورية يمكنها أن تخرج من التوزيع الجغرافى وترتبط بالمجموع ، بحيث إذا كانت كثافتها تحتاج ألف طالب فيأتى إليها هذا الرقم من الأوائل حتى يكتمل الرقم المحدد ، وهذا يمثل نوعا من أنواع العدالة التى نصبو إلى تفعيلها واقعا، فالاحتكام لمكتب التنسيق والاحتكام للدرجات للالتحاق بالجامعات لا يعد الحل الأمثل ، ولكنه البديل والحل المناسب لحالة المصريين فى الوقت الراهن ، والتى لا تقبل فكرة الاستثناء ، وأن يسعى احد لعمل نظام ذى سلطات تقديرية للتوزيع فى الجامعات، فالمجتمع المصرى لن يقبل فى وقتنا هذا أن يلتحق طالب حاصل على 92% كلية الطب وآخر حاصل على 99% ولا يتمكن من الالتحاق بنفس الكلية. لماذا تركز على أن المجتمع لن يتقبل السلطات التقديرية والاستثناءات فى الوقت الراهن فقط ؟ لأننا لو تمكنا من الوصول لدرجة من النضج الثقافى و تغيير ثقافة التنسيق لالتحاق بكليات بعينها لدى المصريين، حينها ستتغير المفاهيم وسيتقبلون فكرة السلطات التقديرية، وخير مثال لذلك لدينا فى جامعة القاهرة برنامج تعليم بمسمى تجارة جورجيا ، وتأتى إلينا البنوك وتتعاقد مع طلاب ذلك البرنامج بمبالغ خرافية ، ووفى الوقت الراهن نعانى من مشكلة إلحاح الوالدين على الأبناء بضرورة الالتحاق بكلية الطب أو كلية قمة ، دون أن يعوا ما معيار كليات القمة من وجهة نظرهم ، فخريج كلية تجارة جورجيا بجامعة القاهرة يعين بمرتب يصل لعشرين ألف جنيه ، بينما يعين خريج كلية الطب بما لا يزيد عن 900 جنيه ،فأين كلية القمة هنا؟، ولذا على الجميع إعادة حساباته ومفاهيمه حول معنى كلمة كليات القمة ، وان يقفوا على إمكانيات أبنائهم الحقيقة ويوجهوه حسبها، فلو أن العالم المصرى الكبير الدكتور مصطفى مشرفة رغب فى الالتحاق بكلية العلوم ووالده أصر على كلية الطب لما كان لدينا يوما مصطفى مشرفة ، ولذا نحن فى حاجة لتغيير هذه الثقافة والمفاهيم، بالإضافة لذلك نحن نعانى من أزمة بالأماكن فى الجامعات ، والتى تتمثل فى أننا لدينا أماكن اقل من المتاح ، ونعانى من اختلال مابين العرض والطلب ، وهذا ينتج عنه حشر أعداد غفيرة فى الكليات النظرية. وما الآليات التى من شأنها تغيير هذه الثقافة والعمل على تحسين جودة التعليم بما يمكن جامعاتنا من الوصول لترتيب مرتفع فى مستوى الجامعات العالمية؟ كل ذلك يجب أن يواجه عن طريق عمل توسع بالجامعات بمعايير علمية محترمه ،كما يجب أن تكون لدينا القدرة على أخذ قرار فى وقت ما بأنه ليس لزاما لكل من نجح فى الثانوية العامة أن يكون له الحق فى الالتحاق بالجامعة ، بحيث يتم تحديد سعة كل جامعة وفقا للواقع والأماكن الفعلية بها، فإذا كانت قدرة جامعة القاهرة على سبيل المثال تستوعب عشرة آلاف طالب فلا تأخذ اكثر من هذا العدد بأى حال من الأحوال، وفى هذه الحالة يمكن للجميع أن يسألنا عن وجودنا فى التصنيف،لان تطبيق هذا النظام سيؤهلنا لأن نكون فى مصاف الجامعات العشر الأوائل على مستوى العالم ، أما أن يكون لدينا اليوم ما يزيد عن 250 ألف طالب فى ظل ميزانية لا تكفى لتعليم 20 ألف طالب فهذه أشياء مخالفة للمعايير العالمية لجودة التعليم ، ومع ذلك نسأل عن وجود الجامعات المصرية بصفة عامة فى التصنيف العالمى من عدمه ، أما عن جامعة القاهرة ورغم كل المشاكل التى ذكرتها الا أن الجامعة موجودة بالتصنيف العالمى لجامعات العالم ورقمها بالقائمة 401 وهى بذلك من ال500 الجامعات الأوائل فى تصنيف يشترك فيه ما يزيد على 20 ألف جامعة منهم 3000 جامعة أمريكية ولذا عندما نكون رقم 401 فى التصنيف فهذا انجاز ضخم فى ظل الظروف التى نعمل فيها ،أما من ينتقد ترتيبنا ويتساءل عن وجودنا بين المائة الأوائل فى التصنيف ، فعلى هؤلاء أن يفيدونا ويجيبونا: هل نحن نتعامل مثل تلك الجامعات لكى نصل لهذا الترتيب حاليا؟، بالعكس لو توفرت الآليات التى يملكونها سنسبقهم جميعا. وارى أن حل مشكلة التنسيق يجب أن تخرج بعيدا عن تفكير السلطة ، فلن يحل إشكاليات التنسيق وزارة التعليم العالى أو الجامعات المصرية ، بل يقوم بحلها لجان علمية مهنية فى كافة التخصصات التى تتعلق بعملية التنسيق، ولن يجدى معنا نفعا استيراد حلول أجنبية للمشكلة المصرية لان الحلول الأمريكية أو البريطانية لا تتماشى مع واقعنا المصري. وهل لديكم رؤية للحلول لأزمة التعليم فى مصر؟ لدينا رؤى لحل مشاكل التعليم فى مصر ، وبالفعل نعد لمؤتمر بالجامعة خلال شهرى فبراير ومارس 2016 المقبل عن التعليم ،بحيث لا نسعى لعرض أبحاث فى أزمة التعليم فى مصر فلقد اكتفينا وتشبعنا من نوعية تلك الدراسات ، فنحن نعلم أن لدينا أزمة بالكثافة ، والانضباط ، وفى عدد المدارس، وفى المعلم والمناهج. ماذا سيتناول المؤتمر إذن ؟ سيتناول حلول مشكلة التعليم ،فأرى من الضرورى أن نلجأ للمتخصصين لتقديم الحلول للازمة من الواقع الذى نعيشه. وهل لديك حلولا كأحد المتخصصين؟ بالتأكيد ، فعلى سبيل المثال الدروس الخصوصية ، الى متى ستظل الدولة تنادى بمنعها أو وقفها ، فى الوقت الذى تعمل فيه هذه المراكز دون توقف وينفق عليها سنويا من جيوب الأسر المصرية 30 مليار جنيه بمثابة اقتصاد خلفى ، فليس الحل لهذه المعضلة بالقول والمناداة بإلغائها بل الحل الواقعى أن تنظم الدولة عمل مراكز الدروس الخصوصية ، والسؤال الذى يفرض نفسه حاليا ما مدى إمكانية ومقدرة الدولة على ضم هذه المراكز واعتبارها جزء من العملية التعليمية واحتوائها ووضع ضوابط لعملها وتقنينها ومراقبتها على أن تحصل الدولة على نسبة 30% من دخلها ،خاصة وأن نظام تقنين مراكز الدروس الخصوصية مقننة بكثير من دول العالم، وأؤكد فى هذه النقطة بالتحديد، أنه إذا لم تسع الدولة لضم مراكز الدروس الخصوصية لمنظومة التعليم وتقنينها فإننا بذلك نكون ندفن رءوسنا فى الرمال ،فالواقع الذى نعيشه يجعلنا نضخ الأموال فى مراكز الدروس الخصوصية بدلا من ضخها فى المدارس ، ولذا يجب على الدولة أن تضع شروط عمل هذه المراكز وتوقيت العمل بها طوال اليوم وتحديدها بوقت معين ، والوقوف على القائمين على العملية التعليمة بها، والأجواء التى يتلقى فيها الطلاب دروسهم . هناك من سيوجه الانتقاد لدعوتك الى تقنين مراكز الدروس الخصوصية ويتهمك بأنك تسعى لإبطال دور المدارس فى التعليم. إبطال عمل المدارس.. كيف؟! كل ما أنادى به أن نتعامل مع الواقع الذى نعيشه ، فهل من الصواب أن نترك تلك المراكز تعمل خفية وتتعامل مع أبنائنا بعيدا عن نظر الدولة دون أن نتحرى أو نتأكد من نوعية الأفكار التى يتلقونها أو الأخلاق التى تنقل لهم؟، ما الذى يدرينا إن كان القائمون على العملية التعليمية بها معتدلى الأفكار أو متطرفين؟، وكما قلت فى السابق علينا أن نواجه واقعنا ولا ندفن رءوسنا فى الرمال ، والأجدى أن نقنن أوضاع تلك المراكز ونضع ضوابط عملها ونراقب أداؤها ويكون تحت أنظارنا، أما فكرة منعها أو وقفها فهى غير مجدية لأنها تلبى حاجة مجتمعية ، فالطالب فى جامعة العلوم يدفع مصروفات بالجامعة مائة جنيه بينما يدفع فى المركز الخاص 15 ألف جنيه فى العام ، ومن يرى أن القول بأن الدروس الخصوصية غير قانونية ولا تعترف بها الدول فماذا فعلت الدولة معها هل تمكنت من وقفها. هل الحلول التى تقترحها تقتصر على الدروس الخصوصية ؟ بالعكس هناك حلول لكل المشاكل ومن الواقع أيضا ، ومنها ما يخص الكتاب المدرسى ،فلا يوجد دولة بالعالم فيها كتاب مدرسى وأخر خارجى ، فللأسف هذه الازدواجية لا تسبب إلا إهدار المال العام حينما تنفق الدولة الملايين على كتاب المدرسة الذى يلقى فى النهاية فى القمامة ولا توجد دولة فى العالم تفعل ما يحدث لدينا فى مصر، والحل هو بين أمرين، أما أن تصدر الدولة كتابا خارجيا أو مدرسيا، بحيث إذا أعدت الدولة كتاب مدرسى لا يحق لآخرين إصدار كتاب خارجى ، وإذا ما تم اتخاذ القرار بالعمل بالكتاب الخارجى فعلى الدولة أن تضع الأفكار وتوصيف للمنهج ويطلق إعداد الكتاب من خلال مسابقة ويتم بيع حق النشر فيها ويتم توفير تلك الملايين لعملية تطوير التعليم ذاتها.