رنة مميزة على تليفونى المحمول تعلن وصول رسالة تحمل أخبارا جديدة :"صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح رفع علم فلسطين بصفتها دولة غير عضو لها صفة المراقب فى الأممالمتحدة".قفزت تلك الرسالة القصيرة فى حجمها الهائلة فى معناها على شاشة تليفونى المحمول إيذانا بإعلان "نصر دبلوماسى فلسطينى عربى" داخل أروقة الأممالمتحدة. إنها إحدى اللحظات "النادرة" و"المجيدة" التى يتجمع فيها العرب على كلمة واحدة لتحقيق هدف واحد، فقد تقدمت الوفود العربية فى الأممالمتحدة يوم 31 أغسطس 2015 بمشروع قرار رفع أعلام الدول غير الأعضاء التى لها صفة مراقب فى الأممالمتحدة.
وكانت المفاجأة الدبلوماسية للخصوم الذين يستندون دائما إلى إنقسام العرب أن إتحدت الوفود العربية الممثلة لكل من : مصر والسعودية وقطر والأردن والإمارات العربية المتحدة والبحرين والكويت والعراق ولبنان وعمان واليمن وليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا والسودان وجيبوتى وفلسطين بالإضافة إلى السنغال وفنزويلا على تقديم مشروع القرار الهام الذى يطالب بأن تُرفع فى المقر وفى مكاتب الأممالمتحدة أعلام الدول غير الأعضاء فى الأممالمتحدة التى لها صفة مراقب (أى فلسطين)، كما طلبت من أمين عام الأممالمتحدة إتخاذ التدابير الضرورية لتنفيذ القرار خلال الدورة رقم 70 وفى غضون 20 يوما من إتخاذ القرار والذى تم إتخاذه بالفعل يوم 10 سبتمبر 2015.
وعندما طرح مشروع القرار للتصويت كانت النتيجة ساحقة وكان النصر عظيما. وبقدر ما كان النصر عظيما للعرب وللفلسطينيين كانت الهزيمة هائلة للخصوم. فقد تم إعتماد القرار بموافقة 119 دولة عضو بالأممالمتحدة وإمتنعت 45دولة عن التصويت، خوفا من بطش خصوم العرب، أما الدول التى رفضت القرار فكانت 8 فقط وهى : إسرائيل والولايات المتحدة وكندا واستراليا بالإضافة إلى مجموعة جزر صغيرة معزولة بالكاد تظهر فى قلب المحيط وهى : جزر مارشال وميكرونيزيا وبالاو وتوفالو!
وجاء فى مشروع القرار تذكير بأن الدول غير الأعضاء التى لها صفة المراقب (فلسطين) تشارك فى أعمال المنظمة ولها بعثات مراقبة دائمة فى مقر المنظمة، وبأن "دولة فلسطين" أصبحت بالفعل دولة غير عضو بالمنظمة ولها صفة المراقب منذ 29 نوفمبر2012 بقرار من الأممالمتحدة ذاتها.
جاء القرار بمثابة الصدمة الهائلة لإسرائيل وحلفاءها لعدة أسباب : أولا لأن الفلسطينيين يسيرون بشكل متدرج صاعد نحو الحصول على حقوقهم الدولية بطرق دبلوماسية وقانونية مشروعة فشلت فى مواجهتها كافة الطرق الإحتيالية والتهديدات التى أطلقتها إسرائيل خلال السنوات الأخيرة.
ثانيا: جاء قرار رفع العلم الفلسطينى فى منظمة الأممالمتحدة وكافة الهيئات التابعة لها وفى كافة فعالياتها عقب قرار إعتبار "دولة فلسطين" دولة غير عضو بالأممالمتحدة ولها صفة المراقب، منذ 29 نوفمبر2012، ومن قبلها رفع العلم الفلسطينى فى منظمة اليونسكو بعد قبول عضويتها فى أكتوبر2011، وكذلك بعد إنضمامها للمحكمة الجنائية الدولية فى إبريل الماضى.
وثالثا: تعد الموافقة على القرار بمثابة التأكيد على شرعية التطلعات الوطنية للشعب الفلسطينى وحقه فى تقرير المصير فى دولته المستقلة، بعد كفاح دامٍ على مدار أكثر من سبعة عقود روت خلالها دماء الفلسطينين والمصريين وباقى أبناء الدول العربية أرض فلسطين وأراضى الدول المجاورة أملا فى تحرير أرض فلسطينوالقدس.
ورابعا: رفع علم فلسطين ليس مجرد مسألة رمزية وانما تصويت دولى ضد مخططات الحكومة الاسرائيلية القانونية والفعلية المتعلقة بضم القدس وبناء المستوطنات والإملاءات وفرض الحقائق على الأرض بالقوة.
وأخيرا والأهم، فيتمثل فى اللطمة القانونية الدبلوماسية الشديدة التى تلقتها إسرائيل بقرار الأممالمتحدة الأخير. فقد حرصت إسرائيل منذ ظهورها على "وضع قوانين" لترسيخ إحتلال الأراضى العربية وإلغاء الهوية العربية للأراضى المحتلة. وفى عام 1967 أقرت إسرائيل قانونا يحظر "علم فلسطين" بل ويمنع إنتاج أعمال فنية تتكون من ألوانه الأربعة!! ولكن وبعد القرار الأممى الأخير بات من الواضح أن العالم مازال يؤمن بأن ما "بنى على باطل فهو باطل" وأن قوانين الإحتلال قابلة للإلغاء فى أى وقت بسهولة ويسر. وبالتالى فإن القرارات القانونية الإسرائيلية المتعلقة بأرض فلسطين تصبح عرضة للإلغاء بين عشية وضحاها.
تحية من القلب للدبلوماسية المصرية والعربية والفلسطينية فى تلك الأيام الصعبة والحاسمة من تاريخ الوطن والأمة العربية.
دارت تلك الأفكار فى ذهنى فنحيت تليفونى المحمول جانبا ونظرت إلى الأفق فى صمت. لمزيد من مقالات طارق الشيخ