أحمد صبري السيد يبدو أن أسبانيا لن تنعم بالاستقرار السياسي علي الأقل في المرحلة الراهنة بسبب الأزمة المالية التي هزت اقتصادها بعنف وأصبح الساسة وصناع القرار يسابقون الزمن لتفادي الوقوع في مصير مشابه لجارتهم في منطقة اليورو الاقتصادية اليونان والتي كانت علي شفا الإفلاس بسبب أزمة الديون السيادية لولا تدخل أوروبا بحزمة انقاذ مالي سريع لنجدتها.فارهاصات وشواهد عدم الاستقرار صدمت حكومة رئيس الوزراء الأسباني الجديد ماريانو راخوي في أواخر مارس الماضي وتمثلت في إصابة الحياة بالشلل في أسبانيا نتيجة إضراب عام دعت إليه كبري نقابات العمال في البلاد احتجاجا علي إجراءات التقشف المؤلمة وتعديل قوانين العمل التي تضر بالمواطنين والعمال. وقد خرج ما لا يقل عن مليون متظاهر في ميدان لابويرتا ديل سول في العاصمة مدريد وحدها كما تدفق الآلاف علي مدن أخري مثل برشلونة وملقا وفالينسيا في احتجاجات بطعم الثورة علي الأوضاع الاقتصادية ورفض إجراءات التقشف التي ستزيد من معاناة المواطن إلا أن راخوي يري أنها شر لابد منه حتي لا تسقط البلاد في مزيد من الديون وتف بالتزاماتها إزاء الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو. وقد أفسدت إجراءات التقشف لتقليص عجز الميزانية واحتواء الأزمة المالية في أسبانيا علي ما يبدو شهر العسل بين حكومة راخوي والشعب الأسباني.فلم يكد راخوي يفيق من نشوة الانتصار الانتخابي وبدلا من أن يحتفل بالمائة يوم الأولي علي توليه السلطة عقب فوز حزبه الشعب المحافظ في الانتخابات البرلمانية بعد معاقبة الناخب الأسباني لسابقه الاشتراكي خوسيه لويس ثباتيرو حتي وجد راخوي نفسه في حلبة صراع تشبه حلبة مصارعة الثيران ويتعين عليه أن يتغلب علي أزمة مالية بدأت تضغط بقرونها علي خاصرة الاقتصاد الأسباني وتضعه في مأزق. وأصبح راخوي في موقف لا يحسد عليه لأنه ليس أمامه سوي خيار التقشف لانقاذ الاقتصاد وهو خيار صعب وغير مرغوب فيه علي المستوي الشعبي ولكنه مطلوب ولازم علي المستوي الأوروبي وخاصة بعد توقيع دول الاتحاد علي ميثاق مالي أخيرا بتحرك وضغط من ألمانيا لإرغام حكومات الدول الأعضاء في الاتحاد علي تحقيق التوازن في ميزانيتها بحلول عام2013 حتي لا تقع تحت طائلة عقوبات كبيرة. وبذلك أصبح راخوي في موقف صعب وهو مازال في شهر العسل السياسي في ظل الأزمة المالية التي وضعته معطياتها وتداعياتها في مواجهة اضطرار مع نقابات العمال وقطاعات عريضة من الشعب خرجت في ثورة غضب واحتجاج رفضا لتحمل المزيد من الأعباء الاقتصادية.فأسبانيا التي تعد خامس أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي والرابع في منطقة اليورو والثاني عشر علي مستوي العالم في أزمة مالية. والمواطن الأسباني أصبح يشعر بالقلق علي مستقبله ومستقبل أسرته وأولاده من أن يفقد مكاسب وامتيازات دولة الرخاء والرفاه الاجتماعي التي حققتها أسبانيا علي مدي مسيرتها خاصة عقب تحولها إلي الديمقراطية وعودة الملكية الدستورية في عام1975 بالتخلص من حقبة الديكتاتورية والعزلة عن العالم في عهد الجنرال فرانشيسكو فرانكو. فقد حققت أسبانيا مسيرة انجازات نحو الاقتصاد الرأسمالي الحر وبرزت كدولة صناعية زراعية سياحية قوية تحقق دخلا يصل إلي تريليون و51 مليون يورو في نهاية عام.2010 وتكللت تلك المسيرة بتحقيق اندماجات في أوروبا بانضمامها إلي المجموعة الاقتصادية الأوروبية في عام1986 وانضمامها إلي العملة الأوروبية الموحدة' اليورو' في عام1999 في عهد رئيس الوزراء خوسيه ماريا أثنار ناهيك عن دورها السياسي والدولي الفاعل خاصة في أوروبا وأمريكا اللاتينية وعضويتها في حلف الأطلنطي الناتو فقد كان لها أيضا حضور ودور فاعل في قضايا منطقتنا وعلي رأسها عملية السلام ومؤتمر مدريد1991 وفي الشراكة اليورومتوسطية باستضافة مؤتمر برشلونة فيما يعرف بعملية برشلونة.1995 وقد تدهور وضع الاقتصاد الأسباني بفعل تداعيات الأزمة المالية وتشابك المصالح الاقتصادية مع الولاياتالمتحدة التي شهد اقتصادها نفسه أزمة بفعل انهيار بنوك الرهن العقاري وأيضا بفعل أزمة الديون السيادية وذلك علي الرغم من أن الاقتصاد الأسباني كما سبق وذكرنا من الاقتصاديات الصناعية القوية في أوروبا والعالم فقد كان حتي عام2008 ينظر إليه كأحد أكثر الاقتصادات الحيوية والديناميكية الفاعلة في الاتحاد الأوروبي نظرا لقدرته علي جذب قدر كبير من الاستثمارات الأجنبية وخلق أكثر من نصف عدد الوظائف وفرص العمل الجديدة في الاتحاد الأوروبي علي مدي خمس سنوات حتي عام2005 ولكن هذا الأمر ما لبث أن تغير وانقلب رأسا علي عقب في الفترة من عام2008 إلي عام2012 بفعل تداعيات الأزمة المالية وما يعرف بفقاعة الاقتصاد العقاري ولجوء اسبانيا إلي الديون السيادية وكان من أبرز تلك التداعيات انضمام ربع قوة العمل في أسبانيا البالغ قوامها23.1 مليون عامل وموظف إلي جيش العاطلين لتتفاقم البطالة ويتجاوز عدد العاطلين الخمسة ملايين و273 ألف عاطل حسب أحدث احصاء رسمي صادر في يناير2012 وهو عدد مرشح للارتفاع مع إجراءات التقشف التي تعتمدها حكومة راخوي وإعلانه عن اعتزامه خفض35 مليار يورو أو44.5 مليار دولار للنفقات واستغناء أرباب العمل عن المزيد من العمال وتراجع تدفق الاستثمارات الأجنبية. لذا فإن حكومة راخوي تحاول أن تبدي التزاما إزاء الاتحاد الأوروبي خاصة مع وصول العجز في الميزانية الأسبانية إلي8.5% من إجمالي الناتج المحلي. ويسعي راخوي لأن يخضع الأقاليم التي تتمتع بحكم شبه ذاتي مثل كاتالونيا والبايس باسكو وغيرها والمسئولة عن عجز الموازنة إلي انضباط مالي فيما يتعلق بالميزانية بدءا من عام2020 وستواجه الأقاليم التي تسرف في الانفاق عقوبات طبقا لتشريع تم الموافقة عليه في وقت سابق من العام الجاري.ومن بين الأمور التي يعتبرها راخوي مهمة للخروج من الأزمة المالية تطبيق اصلاحات لإعادة هيكلة القطاع المصرفي وجعل سوق العمل أكثر مرونة وكان للدفع بإصلاح قانون العمل وخفض تعويض انهاء الخدمة أثر علي تأجيج ثورة العمال واستغلال النقابات ذلك لتحريك الاضرابات.وتشبه بعض من تلك الاصلاحات التي أجرتها حكومة ثاباتيرو ولكن المحافظين بقيادة راخوي يرغبون في توسيع نطاقها وهو ما يؤكد بدء فقدانهم ثقة قطاعات عريضة من الشعب وينذر بنهاية شهر العسل أو علي أقل تقدير جعله شهر عسل بطعم الاحتجاج والثورة.