حسب الله: تحفظ الرئيس على نصوص قانون الإجراءات الجنائية دليل على تفعيل الصلاحيات الدستورية وتعاون السلطات    وزير الاتصالات: مشروعات لاستخدام الذكاء الاصطناعي في الكشف المبكر عن الأمراض    وزير السياحة: 20% ارتفاعا فى ايرادات مصر خلال 9 أشهر    الاتحاد من أجل المتوسط وميديك يدعوان إلى إجراءات فورية بشأن المناخ والبيئة    «فاو»: 87% من الأراضي الزراعية في غزة تضررت بالكامل بسبب الحرب    «حققت مليارات الدولارات».. وول ستريت جورنال: حرب غزة صفقة ضخمة للشركات الأمريكية    التصريح بدفن جثمان المهندس الكيميائي ضحية صديقه ب7 رصاصات في الإسكندرية    الليلة.. «بينما نتنفس» ضمن عروض «الجالا» بمهرجان القاهرة السينمائي    خالد الجندي: العلاقة في الإسلام تنافسية لا تفضيلية ولا إيثار في العبادات(فيديو)    عبد الغفار: نمتلك 5400 وحدة صحية تعكس صمود الدولة وقدرتها على توسيع التغطية الصحية الشاملة    وزير الصحة يشهد جلسة بعنوان «تمكين الأفراد: أجندة التنمية البشرية»    خالد مرتجي يتحرك قانونيًا ضد أسامة خليل بعد مقال زيزو وأخلاق البوتوكس    وزير الطيران يعقد لقاءات ثنائية لتعزيز التعاون الدولي على هامش مؤتمر ICAN 2025 بالدومينيكان    المتهم في جريمة تلميذ الإسماعيلية استخدم الذكاء الاصطناعي للتخطيط وإخفاء الأدلة    تأجيل محاكمة المتهمين بالتنمر على الطفل جان رامز ل 19 نوفمبر    تعليم القاهرة تعلن عن مقترح جداول امتحانات شهر نوفمبر    بتهمة قتل مسنة.. السجن المشدد لعامل بقنا    «حماس» و«الجهاد»: سنسلم رفات رهينة إسرائيلي في ال8 مساء    محمد صبحي يشكر الرئيس السيسي: «قدمت لوطني الانتماء فمنحني الاحتواء»    «بعد نفاد تذاكر المتحف الكبير».. تعرف على قائمة أسعار تذاكر 5 أماكن بالأهرامات    السيسي نايم فى العسل..قاعدة أمريكية قرب حدود عزة لمراقبة القطاع وحماية أمن الصهاينة    وزارة الرياضة تستقبل بعثة رفع الأثقال المشاركة بدورة التضامن الإسلامي    دوري المحترفين.. أسوان يفوز على الإنتاج الحربي.. والقناة يتعادل مع بلدية المحلة    «الصحة» تنظم جلسة «تعزيز الأمن الصحي العالمي» النقاشية ضمن فعاليات «السكان والصحة»    رئيس مجلس الشيوخ: قانون الاجراءات الجناىية خطوة تشريعية تاريخية    الشيخ خالد الجندي: كل لحظة انتظار للصلاة تُكتب في ميزانك وتجعلك من القانتين    «الجمعة ويوم عرفة».. خالد الجندي: «العباد المجتهدين» يباهي الله تعالى بهم ملائكته (تفاصيل)    مصطفى حسني: تجربتي في لجنة تحكيم دولة التلاوة لا تُنسى.. ودوّر على النبي في حياتك    المؤتمر: المشاركة الواسعة في المرحلة الأولى تؤكد وعي المصريين وإيمانهم بالديمقراطية    رئيس جامعة بنها يتفقد أعمال صب الدور الأرضى بمبنى المدرجات الجديد    مدير التعليم الفني بالمنوفية يتابع سير العملية التعليمية بعدد من المدارس    المجلس الوطني الفلسطيني: قوات الجيش الإسرائيلي لا تزال موجودة على 54% من مساحة قطاع غزة    الزمالك يكشف حقيقة صدور حكم في قضية زيزو ويؤكد صحة موقفه    «مش بتحب الخنقة والكبت».. 3 أبراج الأكثر احتمالًا للانفصال المبكر    وزير الأوقاف: بنك المعرفة المصري أداة لتمكين الأئمة ودعم البحث العلمي الدعوي    بروتوكول بين الهيئة المصرية البترول ومصر الخير عضو التحالف الوطني لدعم القرى بمطروح    بسبب فشل الأجهزة التنفيذية فى كسح تجمعات المياه…الأمطار تغرق شوارع بورسعيد وتعطل مصالح المواطنين    محمد عبد العزيز: ربما مستحقش تكريمي في مهرجان القاهرة السينمائي بالهرم الذهبي    الدقيقة الأخيرة قبل الانتحار    سر رفض إدارة الكرة بالزمالك لتشكيل اللجنة الفنية    نيابة الحامول تأمر بانتداب الطب الشرعي لتشريح جثمان عروسة كفرالشيخ    مناطق الإيجار السكنى المتميزة والمتوسطة والاقتصادية فى حى العجوزة    نيويورك تايمز: أوكرانيا تواجه خيارا صعبا فى بوكروفسك    فاز بانتخابات العراق.. السوداني من مرشح توافقي إلى قطب سياسي    التنسيق بين الكهرباء والبيئة لتعظيم استغلال الموارد الطبيعية وتقليل الانبعاثات الكربونية    جراديشار يصدم النادي الأهلي.. ما القصة؟    عاجل- أشرف صبحي: عائد الطرح الاستثماري في مجال الشباب والرياضة 34 مليار جنيه بين 2018 و2025    وزير الصحة يُطلق الاستراتيجية الوطنية للأمراض النادرة    إجراء 1161 عملية جراحية متنوعة خلال شهر أكتوبر بالمنيا    سعاد بيومي أمينًا عامًا لجامعة المنوفية    باريس سان جيرمان يحدد 130 مليون يورو لرحيل فيتينيا    البورصة المصرية تعلن بدء التداول على أسهم شركة توسع للتخصيم في سوق    متحدث الأوقاف: مبادرة «صحح مفاهيمك» دعوة لإحياء المودة والرحمة    موعد شهر رمضان 2026.. وأول أيامه فلكيًا    الداخلية تلاحق مروجى السموم.. مقتل مسجلين وضبط أسلحة ومخدرات بالملايين    والدة مى عز الدين الراحلة حاضرة فى فرحها بال Ai.. عشان الفرحة تكمل    إعلام فلسطيني: غارات وقصف مدفعي إسرائيلي على غزة وخان يونس    نقابة الموسيقيين تنفى إقامة عزاء للمطرب الراحل إسماعيل الليثى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نهاية الفلسفة.. أم تواضع الفلاسفة؟
نشر في الأهرام اليومي يوم 07 - 09 - 2015

بطول الحقبة الكلاسيكية كان السؤال الفلسفى أنطولوجيا بالأساس، يدور حول الوجود، ما سره، وما أصله، ما هو مغزى الخلق ومصير المخلوقات، قبل أن يفرض الهم المعرفى نفسه على الفلسفة، فى الحقبة الحديثة، ليدور السؤال الفلسفى حول قدرتنا على تعقل الكون وإدراك العالم وكشف أسرار الطبيعة، وهنا أخذت الفلسفة النقدية مع العظيم كانط، تتجاوز البحث التقليدى عن الله، أو عن الوجود الحق للأشياء، وتطالب أولا وقبل كل شيء، بفحص العقل الإنسانى نفسه، باعتباره تلك الأداة أو الملكة التى يقوم الإنسان من خلالها بتحصيل المعرفة، لنتأكد من كونه أداة صالحة لها أم لا، قادرة عليها على نحو مطلق أم بشكل محدود؟. غير أن كثيرين من المهتمين بالفلسفة أو المؤرخين لها، قد استغل هذه التحول فيما بعد للقول ب (نهاية الفلسفة)، وذلك عبر موجتين أساسيتين:
الموجة الأولى جاءت فى وقت مبكر كثيرا، من قبل كارل ماركس الذى قال بتلك النهاية منذ النصف الثانى للقرن التاسع عشر، باعتبار أن الفلسفة ليست إلى مستودع طموحات البشر الحالمين، وبفعل بلوغ المادية الجدلية محطتها النهائية، حيث يكمن المجتمع الشيوعى، الذى سيتحرر فيه الإنسان من سطوة رأس المال، ويتحرر فيه الوعى من سطوة الأحلام والأوهام، فإن الرغبة فى التفلسف سوف تتوقف أو تنتهى، إذ لم يعد ما يذكى عملها كنشاط عقلى. وهنا يتبدى لنا أن ماركس قد نظر للفلسفة وكأنها مجرد إيديولوجيا تعكس (أحلام الإنسان وأوهامه) ورغبته فى الخلاص من سطوة القوى المسيطرة عليه، أى أنه اعتبرها أفيون العقول بقدر ما أن الدين هو أفيون الشعوب. وبقدر ما التقدم العلمى، وعبر التصدى لمشكلات الإنسان الكبرى كالخوف والجهل والاغتراب، يمكنه القضاء على الدين، وبالأحرى حاجة الإنسان إلى الله فى نظره، فإن التقدم التاريخى سوف يقضى على حاجة العقل إلى الوعى، وبالأحرى حاجة الإنسان إلى التفلسف.
أما الموجة الثانية فجاءت فى وقت مبكر من القرن العشرين، تحديا فى ثلاثيناته، من قبيل تيار الوضعية المنطقية، الذى طالب بدور وحيد للنشاط الفلسفى، هو العمل كخادم للعلم التجريبى، يبحث فى قضاياه الكلية، ويمده بالفروض النظرية، ويختبر نتائجه العملية. لم تقل الوضعية صراحة بنهاية الفلسفة، ولكن ما الذى تعنيه النهاية أكثر من الدفع بها إلى فقدان استقلالها الذاتى، والاكتفاء بالدوران فى فلك العلم التجريبى، ومن وضع السؤال الفلسفى الذى كان يدور حول الوجود كله، بسعته ورحابته، فى أنبوب اختبار التجريبية الحديثة، على ضيقه ودقته وصرامته. وكما ولدت بعض أهم الفلسفات بعد نبوءة ماركس دليلا على استمرار الوعى الفلسفى، فلم يطل الوقت بعد محاولة الوضعية المنطقية حتى انفجرت الفلسفة مجددا فى وجه متحديها.
بل إن الفلسفة مارست أقصى درجات مكرها عندما بنت على ما اعتبره الوضعيون المنطقيون مجالا وحيدا لها (الفكر العلمى) تيارا جديدا سرعان ما حمل اسم (فلسفة العلم) وبالخصوص مع اسهامات رموزه الكبار فى النصف الثانى من القرن العشرين من قبيل جاستون باشلار، وتوماس كون، وكارل بوبر، أولئك الذين نظّروا لمفهوم القطيعة العلمية، وحاولوا تفسير مغزى التحولات التاريخية الكبرى من منظور الطفرات المعرفية، فأضاءوا مساحات مبهمة فى تاريخ العلم، بل وقدموا تعليلات عميقة لكيفية تشكل وتطور الفكر الإنسانى برمته، وفى القلب منه الفكر الفلسفى، على نحو ألهم وغذى علم تاريخ الأفكار، أحد العلوم التى صارت بالغة الأهمية، والتى تتفتقر إليها الثقافة العربية إلى درجة مربكة، تثير لديها تلك الإشكالية التى كان محمد عابد الجابرى قد أسماها باللاتزامن الثقافى العربى، وتعنى تداخل الأزمنة الثقافية معا فى العصر الواحد، من دون ترتيب منطقى، ولا تقدم تاريخى، ولعلها الإشكالية التى تفسر بعمق علاقة التقليد بالحداثة، وظواهر كالإسلام السياسي، وغيره من إشكاليات تعكس ملمح اللاتاريخية فى الفكر العربى المعاصر. على هذا النحو يتبين كيف أن الفلسفة، كنشاط جوهرى منشغل بالإنسان وموقعه فى الوجود لا يمكن أن تنتهى أبدا، وأن تبريرات القائلين بتلك النهاية المزعومة، هى مجرد انعكاس لقدرة العلم الحديث، على اقتناص بعض القضايا التى طالما اعتبرت قضايا فلسفية، وتم ترسيمها ضمن الفضاء الفلسفى، فإذا بها تدخل إلى الفضاء العلمى من قبيل القضايا الكوسمولوجية، حيث العلاقة مع الكون والطبيعة. لقد دخلت الفلسفة، كنشاط عقلى قديم متجدد، فى صراع مع العلم التجريبى، كنشاط حديث، فلم تهزم هزيمة نكراء كما تصور البعض، ولكنها لم تخرج سليمة تماما كما يصر البعض الآخر، بل خسرت أشياء، ونالت منها كدمات. لقد خسرت، مثلا، ادعاءها بالقدرة المطلقة على تفسير الوجود كله، بعد أن انسحبت من يديها القضايا الكوسمولوجية. كما نالت الكدمات من جل الفلاسفة المعاصرين، فأفقدتهم الشعور المغرور بالقدرة على بناء أنساق عقلية مكتملة، تفسر الوجود من ألفه إلى يائه، بدءا من الموقف الأنطولوجى، مرورا بالمعرفى، وصولا إلى الأخلاقى والسياسي، فتحت ضغط التقدم العلمى خصوصا فى الفيزياء، والقدرة التكنولوجية على الكشف والاتصال، تنامى تواضع الفلاسفة، وتآكلت ظاهرة الفيلسوف الشامل فى الفكر العالمى، بانتصاف القرن العشرين على الأقل، فلم يعد هناك من يشبه ديكارت وسبينوزا وكانط وهيجل أو ماركس، أو حتى كيركيجارد، وفى المقابل نمت ظاهرة ما يمكن أن نسميه ب (المفكر المتفلسف) أو الفيلسوف المتخصص على شاكلة بيار بورديو، مثلا، الذى صرف جل اهتمامه إلى معالجة قضية جزئية كالعلاقة بين وسائل الإعلام وبين الديمقراطية فى المجتمع الحديث، متتبعا كيفية صناعة الشمولية (جوهريا) فى قلب أكثر القوالب التى اعتبرت تجسيدا لتطور الديمقراطية السياسية. إنها فكرة مهمة، أطنب الرجل فى شرحها فى أكثر من خمسة عشر كتابا، قدم خلالها إضاءات كاشفة لزوايا غامضة، ومناطق معقدة من التجربة الإنسانية المعاصرة. ولكنها تبقى فكرة جزئية، لا تصنع نسقا كالنسق النقدى الكانطى، أو الجدلى الهيجيلى مثلا. لقد صارت الفلسفة أكثر عملية وربما فائدة، ولكن الفيلسوف صار أكثر تواضعا وأقل غرورا، ولعل ذلك لا يمثل نهاية حقيقية للفلسفة، ولا هزيمة كاملة للفيلسوف، بقدر ما يعكس تطورا موضوعيا ربما مثل جوهرا للتقدم التاريخى.. المزيد من التخصص وتقسيم العمل.
[email protected]
لمزيد من مقالات صلاح سالم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.