كرست المستعربة اليابانية "إيمى سوزوكى " (43عاما) حياتها البحثية لدراسة تاريخ العائلات فى البرلمان المصري, منذ أول مجلس نيابى عام 1866 فى زمن الخديو " إسماعيل " . ظلت تتردد على مكتبة وأرشيف "مجلس الشعب " يومياً ثلاثة اشهر فى العام لمدة خمس سنوات متتالية, كى تجمع بدأب مادة رسالتها العلمية التى انجزتها فى عام 2005. لكنها استمرت لاحقا فى العمل على تطوير أطروحتها البحثية لتمتد الى ما بعد برلمان عام 2000 حيث توقفت رسالة الدكتوراه . وعلى الرغم من انشغالها فى تدريس الاجتماع السياسى لمصر والمنطقة العربية فى كبرى الجامعات اليابانية إلا انها تتردد على القاهرة لاستكمال جمع مادة كتابها عن تاريخ العائلات فى البرلمان المصري, والذى تخطط لإصداره باللغة اليابانية فى بلادها بعد نحو عامين . وتنتمى " سوزوكي" الى الجيل الرابع من المستعربين اليابانيين . وقد تتلمذت على يد المستعرب المخضرم عاشق مصر"أيجى ناجاساوا" المغرم بتاريخ المثقفين عندنا . وتقول لنا عن نفسها انها ولدت فى محافظة " شى ذو أوكا" باليابان. وأثناء دراستها قبل الجامعية وجدت نفسها مشدودة الى الاهتمام بتاريخ مصر والعرب, فأخذت تقرأ ما توافر لها باللغة اليابانية عن هذا التاريخ . ثم اتجهت الى دراسة اللغة العربية فى جامعة طوكيو للغات الأجنبية بين عامى 1990 و 1996. وخلال ذلك أمضت عامين فى دراسة العربية بالجامعة الأمريكية فى القاهرة بين 1992 و 1994 . و بعد مرحلة دراسة اللغة التحقت بكلية"دراسات المنطقة " فى جامعة طوكيو وحتى عام 2003. وأثناء هذه الدراسة بدأت رحلة بحثها عن العائلات فى البرلمان المصرى . والى جانب هذا الموضوع الذى ملك عليها حياتها البحثية كتبت مقالات عدة عن ثورة 25يناير 2011 , ونشرتها فى كتاب صدر عن دار " تشواوكولون " اليابانية فى عام 2013 .و قد اخبرتنا ان الكتاب الذى حمل عنوان "ثورة 25 يناير " وزع نحو 20 ألف نسخة . كما نشرت "سوزوكي" فى مجلات يابانية متخصصة دراسات عن العلاقات المصرية الإيرانية فى عصر " مبارك ". الجيل الأول من المستعربين اليابانيين يعود الى سنوات معدودة قبل الحرب العالمية الثانية, ومن أشهر رموزه العلامة " أوزتسو" الذى اهتم بالفلسفة الإسلامية وقارن بين التصوف عند المسلمين والتيارات المشابهة فى الصين والهند. كما أنجز ترجمة القرآن الكريم الى اليابانية فى عقد الستينيات. وربما تقدم سيرة " سوزوكي" فكرة عن الجيل الرابع من هؤلاء المستعربين . ووفق ما تقول :" هذا الجيل بدأ انتاجه الفكرى مع مطلع الألفية الجديدة ( عام 2000). وهو مهتم بالتاريخ العربى المعاصر مثل غزو العراق 2003 وتداعياته و بظاهرة الإرهاب . وهذا أمر مختلف عن مركز اهتمام الجيل الثالث من المستعربين اليابانيين الذى يمثله فى علم الاجتماع السياسى أستاذى ناجاساوا. فجيل ناجاساوا اهتم اكثر بالقضية الفلسطينية وتبعاتها. وعن رسالتها الأكاديمية بشأن العائلات فى البرلمان المصرى تقول "سوزوكي": " نشأت فكرة الرسالة عندما لاحظت تكرارا فى أسماء نفس العائلات فى البرلمانات المصرية المتعاقبة .وهذه الظاهرة لافتة منذ بدء الحياة النيابية مع مجلس شورى النواب عام 1866 فى عهد الخديو إسماعيل . ولقد أثارت الظاهرة اندهاشى وفضولى البحثى لأننى جئت من بلد عرف البرلمان عام 1880 , لكنه أبدا لم يعرف مثل هذه الظاهرة على النحو الملحوظ فى مصر ". وتضيف : " وهكذا عملت على دراسة هذه الظاهرة فى مكتبة وأرشيفات البرلمان المصري, وبخاصة على مضابط المجالس المتعاقبة. ولقداستغرقنى البحث لأكثر من خمس سنوات بين عامى 2000 و 2005. وترددت على القاهرة لأكثر من ثلاثة أشهر فى كل عام, أذهب فيها صباحا الى مكتبة مجلس الشعب للاطلاع على المضابط وحتى المساء . وكما لجأت للاطلاع على عدد من الصحف والدوريات المصرية منها الأهرام والمصور . ومع أننى ناقشت الرسالة وتمت إجازتها من جامعة طوكيو فى عام 2005 , إلا أن ظاهرة العائلات البرلمانية مازالت تستهوينى . وها أنا أواصل البحث" . وتضيف سووكى: " مضابط البرلمان منذ عام 1866 كانت هى مصادرى الأساسية للبحث. لكننى للأسف لم أقم بأى مقابلات مع هذه العائلات ". وتتبنى دراسة المستعربة اليابانية للعائلات فى البرلمانات المصرية المتعاقبة المنهج التاريخى التتبعى لسير هذه العائلات . وعندما سألتها عن مدى اطلاعها واستفادتها من دراسة الباحث الأمريكى " روبرت سبرنج بورج" الرائدة عن عائلة " سيد مرعي" أجابت : " بالطبع هذه الدراسة مهمة فى تناول العائلة السياسية كشبكة معقدة من العلاقات المفتوحة على صلات القرابة والسلطة والثروة . وهو ما استفدت منه منهجيا فى بحثى ". و لكن ماهى أهم نتائج دراسة " سوزوكي" ؟. تجيب: " اتضح لى ان هناك حوالى 250 عائلة برلمانية فى الفترة بين عامى 1866 الى 1952. لكن ما استمر منها بعد ثورة يوليو وحتى برلمان عام 2000 هو 82 عائلة. وبعض هذه العائلات يعود أجدادها الى مجلس شورى النواب الأول عام 1866. ربما ست أو سبع عائلات" وتضيف : " ولعل أبرز النتائج التى توصلت اليها هى هذه العلاقة بين السياسة والثروة و أساليب توظيف العائلات الكبيرة لوجودها داخل البرلمان كى تستمر فى رعاية مصالحها الاقتصادية ". ولما سألتها عن مدى الانتشار الجغرافى لظاهرة العائلات البرلمانية فى مصر قالت : " هذه العائلات تتوزع فى مختلف أنحاء البلاد من أسوان الى الإسكندرية . لكننى أعتقد ان أكثر هذه العائلات استمرار وقوة تتركز بالأساس فى محافظات وسط الصعيد وكذا فى محافظة الشرقية . " ولكن ماذا عن النتائج الأولية لاستمرار دارسة عائلات البرلمان بعد مجلس شعب عام 2000؟ هنا تقول :" ملاحظاتى المبدئية على مجلسى الشعب والشورى بعد ثورة 25 يناير 2011هى هذا الضعف غير المسبوق فى نفوذ العائلات السياسية بسبب سيطرة الإسلاميين والنخب الجديدة على المجلسين . لكننى أتوقع ان يعود نفوذ العائلات التقليدية مع البرلمان القادم . فهذه العائلات مازالت تمتلك موارد القوة ومنذ القرن التاسع عشر . وربما يرجع هذا التوقع الى استمرار ضعف النظام الحزبى فى مصر . " ولا تملك " سوزوكى " إلا التعبير عن دهشتها مجددا تجاه ظاهرة العائلات الممتدة فى البرلمان المصرى حتى بعد الإصلاح الزراعى 9 سبتمبر 1952. وتوضح :" ظاهرة العائلة البرلمانية السياسية غير موجودة لدينا فى اليابان, وبخاصة بعد الاصلاح الزراعى عندنا فور نهاية الحرب العالمية الثانية" .