شروط القبول بمدارس التمريض بكفر الشيخ للحاصلين على الشهادة الإعدادية    رئيس حزب النور: مشاركتنا في الانتخابات تنطلق من ثوابت الهوية ودعم استقرار الوطن    وزارة العمل: 80 فرصة عمل للمعلمين فى مدرسة لغات بالمنوفية    ميناء أكتوبر الجاف يعزز التجارة ويخفف الضغط على الموانئ والطرق    أول تعليق من نتنياهو على مقتل وإصابة جنود إسرائيليين في غزة    فلسطينيون ينظمون مسيرة حاشدة شمال رام الله لصد هجمات المستوطنين    ب6 ملايين دولار.. أول عرض رسمي لوسام أبو علي    فريدة خليل وملك إسماعيل تتأهلان لنهائى كأس العالم للخماسى الحديث    جريمة غامضة.. العثور على جثة سيدة مذبوحة داخل شقتها في مصر الجديدة    عمر كمال يشارك الفرقة القومية بحفل البيت الفني للفنون الشعبية    رامي جمال يحتل التريند الرابع بأغنية "محسبتهاش" عبر "يوتيوب" (فيديو)    ياسمين رئيس تشارك كواليس أول يوم تصوير فيلم الست لما    وكيل صحة الدقهلية: إجراء مايزيد عن 230 قسطرة قلبية بمستشفى ميت غمر خلال 6 أشهر    نتيجة الدبلومات الفنية 2025 برقم الجلوس الدور الأول.. استعلم فور ظهورها    السيطرة على حريق محدود بصندوق كهرباء في مدينة قنا الجديدة    بالأسماء.. إصابة 7 أشخاص فى حادث تصادم ميكروباص مع جرار زراعي بالغربية    «قصة الإيجار القديم في مصر».. 16 قانونًا و100 عام حائرة بين المالك والمستأجر (تقرير)    أئمة وخطباء بالمنيا يؤكدون على السلام والمحبة بين أبناء الوطن    منتخب الطائرة البارالمبي يفتتح مشواره في البطولة الإفريقية بالفوز على جنوب أفريقيا 3-0 «صور»    «مكنش بينا أي عداوة».. فردوس عبدالحميد تكشف تفاصيل علاقتها بطليقها نبيل الحلفاوي (فيديو)    ما هي السنن النبوية والأعمال المستحب فعلها يوم عاشوراء؟    دعاء يوم عاشوراء 2025 مكتوب.. الأفضل لطلب الرزق والمغفرة وقضاء الحوائج    الوطنية للانتخابات: تنسيق كامل مع الخارجية لتسهيل مشاركة المصريين بالخارج في التصويت    حالة الطقس غدا السبت 5 - 7- 2025 في محافظة الفيوم    ذكرى موقعة حطين.. كيف أعاد صلاح الدين الأيوبي وحدة المسلمين وحرّر القدس من قبضة الصليبيين؟    شهيدان ومصابون في استهداف الاحتلال مخيم النصيرات وسط قطاع غزة    جهاز تنمية المشروعات يتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في مصر    يوفنتوس يواجه أزمة مع فلاهوفيتش... اجتماع حاسم قد ينهي العلاقة    أندية المنيا تهدد بتجميد نشاطها الرياضي احتجاجا على ضم الجيزة لمجموعة الصعيد    خطيب المسجد الحرام: التأمل والتدبر في حوادث الأيام وتعاقبها مطلب شرعي وأمر إلهي    بابا الفاتيكان يعرب عن دعمه لضحايا انفجار محطة الوقود بروما.. فيديو    أوس أوس: اتعلمت من السقا الجدعنة.. وفيلم "أحمد وأحمد" هيكسر الدنيا | خاص    علاء عابد: القائمة الوطنية تجسّد ظاهرة إيجابية لتعزيز تمثيل الشباب    بعد وفاة أحمد عامر.. حمو بيكا يكشف حقيقة اعتزاله الغناء| فيديو    محافظ أسيوط يتفقد دير الأمير تادرس الشطبي بالجبل الشرقي    سعر الخضروات اليوم الجمعة 4-7-2025 فى الإسكندرية.. انخفاض فى الأسعار    حريق فى كاليفورنيا يدمر أكثر من 52 ألف فدان فى 24 ساعة.. فيديو    أرسنال يفسخ عقد مدافعه اليابانى تومياسو رسميا    رئيس الاتحاد الدولي يشيد بدور مصر في نشر الكرة الطائرة البارالمبية بإفريقيا    لماذا تتشابه بعض أعراض اضطرابات الهضم مع أمراض القلب.. ومتى تشكل خطورة    تناول طبق عاشوراء بهذه الطريقة.. يعزز صحة قلبك ويقوى مناعة طفلك    "فرانكنشتاين".. تحذير من متحور جديد في بريطانيا    وزارة البترول: إعلانات التوظيف على مواقع التواصل وهمية وتستهدف الاحتيال    وزير الخارجية الروسي: يجب خفض التصعيد وتقديم المساعدات الإنسانية لقطاع غزة    45 يومًا لهذه الفئة.. زيادات كبيرة في الإجازات السنوية بقانون العمل الجديد    مصدر أمني: جماعة الإخوان تواصل نشر فيديوهات قديمة    إخلاء سبيل طالبة بالإعدادية تساعد طلاب الثانوية على الغش بالمنوفية    باشاك شهير يقترب من ضم مصطفى محمد.. مفاوضات متقدمة لحسم الصفقة    "الزراعة" إصدار 677 ترخيص لأنشطة ومشروعات الإنتاج الحيواني والداجني    18 يوليو.. أنغام تفتتح الدورة الثالثة لمهرجان العلمين الجديدة 2025    محافظ المنوفية: تحرير 220 محضرًا تموينيًا خلال يومين من الحملات التفتيشية    مصرع طفلة وإصابة 3 أشخاص صدمهم أتوبيس فى الدقهلية    أسعار الدواجن والبيض بأسواق القليوبية اليوم الجمعة 4-7-2025    حملات بالمدن الجديدة لضبط وإزالة وصلات المياه الخلسة وتحصيل المتأخرات    ننشر كل ما تريد معرفته عن «يوم عاشوراء»    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 4-7-2025 في محافظة قنا    الهلال يُكرم حمد الله قبل موقعة فلومينينسي في مونديال الأندية    ترامب: برنامج إيران النووي دمر بالكامل وهذا ما أكدته وكالة الطاقة الذرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شريد المنازل رواية تبحث عن نظام للحياة
نشر في الأهرام اليومي يوم 10 - 04 - 2012

اصدرت أخيرا عن دار الساقي في لبنان الطبعة الثانية من رواية شريد المنازل للكاتب اللبناني جبور الدويهي وكانت الرواية من بين الروايات التي نافست علي جائزة البوكر العربية لهذا العام. وحظيت طبعتها الاولي باهتمام نقدي كبير نظرا لتميزها الفني اذ تشكل نصا استثنائيا بين النصوص عالجت موضوع الحرب الاهلية اللبنانية, وهو الموضوع الاول في الرواية اللبنانية منذ ربع قرن لكن رواية شريد المنازل تنصب بطلها نظام العلمي أيقونة من أيقونات هذه المرحلة الصعبة من تاريخ لبنان, تبقيه في مكانة الشاهد علي حلم التنوع الذي انتهي.
تعيد الرواية كتابة تاريخ الصراع الطائفي الذي كان سببا في الحرب ولكن من زاوية انسانية بالغة الرقة تخلص هذا التاريخ من السياسة وتضعه في قلبها في نفس الوقت.
تقوم الرواية علي ما يمكن تسميته مجازا بسرد المحليات اذ يغطي نصفها الاول تقريبا فترة تحولات عاشتها مدينة طرابلس اللبنانية مع تحولها الي مصيف وتعطي اشارات بالغة الاهمية عن طبيعة الحراك الاجتماعي الذي عاشه لبنان بين نهاية الخمسينيات وأوائل السبعينيات. وفي هذه المسافة نري ايضا حجم الانشغال بحلم القومية وغروبه مع غياب جمال عبد الناصر, ونتابع تلك التحولات المريرة ونحن نقرأ سيرة محمود العلمي وطموحه الذي بدأه بقراءة كتب التاريخ التي لا يفهمها ثم واصل العمل في تنظيم البرامج السياحية قبل ان يتورط في تجارة المخدرات, الامر الذي يقلب حياة اسرته رأسا علي عقب.

ومع سجنه تبدأ اسرة جاره المسيحي توما في رعاية وتعهد ابنه نظام الذي يقدم ما يمكن اعتباره صورة لبنان المرجوة, فهو ولد جميل وذكي ونابه قادم من أسرة مسلمة ليعيش في كنف اسرة مسيحية, ولا يجد نفسه حائرا في هويته, واختباراتها اليومية في بلد كان يجرب انقسامه.
ينحاز نظام منذ طفولته إلي هوية حرة, تعبر الحواجز والحدود ولا يجد تناقضا من اي نوع بين حبه لأمه بالميلاد والحب الذي قدمته له رخيمة المسيحية التي نصبها أما بالاختيار. كما يشعر بالالفة سواء كان في مسجد او في كنيسة.

تذكر سيرة نظام في الرواية بشطرة في بيت شعر كتبه المتبني علي قلق كأن الريح تحتي وتشكل ملامحه في الرواية كابن موت, فهو المحبوب من الجميع, لا نعرف له مستقرا, انه شريد المنازل لا يرضي بالإقامة قي مكان.
ينجح نظام بعد ان انسلخ تماما من بيته الأول وبقي مع أسرته المسيحية في السفر إلي بيروت يقنع أمه رخيمة بالبقاء هناك لدراسة الحقوق وهي حجة مكنته من العيش في مدينة مفتوحة تتيح له التنقل والتسكع باستمرار لكنه وافق علي دفع الثمن وهو ان يتعمد كأي مسيحي غير أنه اشترط في المقابل ان تبقي هذه الخطوة سرية لكيلا لاتحتج عماته المسلمات اللاتي كن يراقبن وجوده مع توما بعدم الارتياح.

تقبل رخيمةالام التي لا تنجب بالصفقة علي أمل الاحتفاظ بنظام لكنه يضيع بيروت, المدينة التي كانت فاترينة العالم وفيها عاش نظام مدللا كمراهق ثري يستقبل العالم ببراءة وعدم اكتراث, يراه بعين الطائر من شرفة فندق فقير سرعان ما تحرر منه عندما تعرف علي صديقته يسرا التي ذهبت به إلي بيروت أخري منشغلة بالنقاشات السياسية اكثر من الانشغال بعلب الليل.

وفي محاولة للاستقرار استأجر نظام شقة أولغا اللبنانية من أصل روسي والتي كانت علي سفر لمطاردة عاشق تمنت لو عاشت معه وفي تلك الشقة التي أوصته صاحبتها بالحفاظ علي تمثال ل ماري جرجس يستمع لنقاشات لم يكن طرفا فيها, لكنه كان بحاجة الي الضجيج القادم منها ليقتل وحدته ويتخلي عن ترفه, لكن تلك النقاشات غذت قلقه ولم تقدم له اجابة.
في نهاية الرواية يقتل نظام أمام حاجز أمني وتهمته الوحيدة أنه آمن بالحب وعاش هويات متعددة في مجتمع الهويات القاتلة وقدم تصوره الخاص عن الهوية اللبنانية التي يتمناها هوية حرة فعندما سأله الجندي الواقف امام الحاجز عن هويته, رد واصفا عين جنان حبيبته الرسامة التي جاء اليها ليرمم تمثال ماري جرجس وفي مرسمها وجد المستقر الذي تمناه وربما كانت الوانها المتعددة هي ذاتها اللوحة التي يبحث عنها لبلد لم يتحمل نظامه فسحة الأمل التي كان يمثلها ويرغب في الدفاع عنها.
في الرواية مساحات سرد, مكتوبة بشجن عميق, والنص ذاته يبدو مثل مقطوعة موسيقية, كتبها جبور الدويهي لتلعبها آلات كثيرة في تناغم لافت, فنحن عندما نقرأ مشهد أولجا الروسية, وهي تقف علي حاجز أمني عرضه للاغتصاب وإلي جوارها وقف عاجزا عن التدخل, نتألم لها, لكننا سنجد ردا علي هذا الالم بألم أكبر في مساحة سرد تقدم ذات المقطوعة بآلة أخري حيث تعيش أولجا المشهد ذاته وهي تري نظام عاجزا عن تأكيد هويته علي حاجز أمني آخر يمثل هوية مضادة, وتعيد أولغا تأدية الدور الذي أداه معها لتعبر به هذه اللحظة.
وفي قلب هذا الالم يضيء الكاتب بلغة استثنائية علاقة نظام مع جنان وهي علاقة يتحقق فيها لأول مرة, لكن جنان تقطع شرايينها احتجاجا علي غيابه, وردا علي فشله في العبور بين بيروت الشرقية وبيروت الغربية.
كما يقدم الكاتب في الصفحات الأخيرة وصفا بديعا لجنازة نظام الذي لم يضف عليه الكاتب أية ملامح ايديولوجية وأبقي صورته ناصعة البياض, في الجنازة نري اخته ميلسون وهي تنقل جثته من بيروت إلي طرابلس ثم إلي حورا لتمكنه من وداع أخير يضمن له العبور فوق المنازل التي تشرد منها وتنتهي الرواية وقد استقرت جثته أخيرا في بستان كأنما هو زهرة لا يتبقي لنا منها غير العبير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.