لقد من الله على عباده بأن بعث فيهم رسولاً من أنفسهم كي يبلغهم رسالة ربهم ويرشدهم إلى كل ما ينفعهم ويحذرهم مما يضرهم، وقد بلغ الرسالة وقام صلى الله عليه وسلم بمهمته على أكمل وجه وأتمه فدل أمته على كل خير وحذرها من كل شر ونصحها غاية النصح. ومن فضل الله تعالى أيضا على عباده أن اختار لصحبة نبيه وتلقي الشريعة عنه قومًا من أفضل هذه الأمة التي هي خير الأمم فشرَّفهم بشرف الصحبة وخصَّهم في الحياة الدنيوية بالنظر إليه وسماع حديثه من فمه الشريف، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. وها نحن اليوم نجد من يتطاولون على أسياد الدنيا كلها، بل وصل بهم الإجرام إلى لعن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في القنوات الفضائية، ناسين أو متناسين فضل هؤلاء العظام على البشرية كلها حيث حملوا مشعل النور ونشروا الإسلام بشريعته السمحاء في ربوع الأرض وبذلوا الغالي والرخيص فداء لدين الله. وقد بلَّغ الصحابة الكرام –رضي الله عنهم- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما بعثه الله به من النور والهدى على أكمل وجه وأتمه فكان لهم الأجر العظيم لصحبتهم رسولَ الله صلى الله عليه وسلم والجهاد معه في سبيل الله ومشاركتهم في حمل لواء الإسلام ونشر رسالته، ولهم مثل أجور من بعدهم لأنهم الواسطة بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا يُنقص ذلك من أجورهم شيئا، كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه. وقد جاءت مكانة الصحابة في القرآن الكريم عالية، حيث أثنى الله عليهم في كتابه العزيز وأثنى عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنته المطهرة وحسبهم ذلك فضلا وشرفا، فقال سبحانه تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}. وقال تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الأِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً}. وقال الله تعالى عن فضل الصحابة المجاهدين والمهاجرين في سبيل الله: {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} وقال تعالى في بيان مصارف الفيء: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ والَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ والَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ}. لمزيد من مقالات د . جمال عبد الناصر