أول تحرك برلماني بعد واقعة صفع مسن السويس    جامعة المنصورة تستقبل وفد المجلس العربي للاختصاصات الصحية    شيخ الأزهر يدعو لإنشاء لجنة من حكماء إفريقيا لتخفيف حدة النزاعات بالقارة    أسعار الذهب في السعودية مساء اليوم السبت    حكاية منظمة (4)    مسؤول أمريكي: واشنطن تعد عقوبات جديدة تستهدف قطاعات إستراتيجية بالاقتصاد الروسي    الدوري الإنجليزي، نيوكاسيل يخطف فوزا مثيرا من فولهام بنتيجة 2-1    القبض على 3 أشخاص بحوزتهم 440 طربة حشيش وأسلحة نارية بالإسماعيلية    ضربها بالخرطوم في الشارع، حكاية فتاة التجمع الخامس مع سائق النقل الذكي تثير الغضب (فيديو)    معرض النيابة العامة للكتاب بطرابلس يناقش دور الثقافة والمعرفة في بناء الجسور بين الشعوب.. مشاركة واسعة لممثلي صحف عربية وإفريقية.. ومقترح بإطلاق جائزة لأفضل إصدار بمجالات الأدب والبحث العلمي    مديرة صحة العاشر تتفقد الخدمات الطبية بمركز طبى 15 القديم بالشرقية    الصناعة: طرح 1128 قطعة أرض صناعية مرفقة بمساحة 6.2 مليون متر    البابا تواضروس والمجمع المقدس ينعيان الأنبا أنطونيوس مرقس مطران جنوب إفريقيا    طلاب من أجل مصر تستلهم روح أكتوبر في ندوة وطنية بجامعة كفر الشيخ    مصر تواصل جهودها السياسية والدبلوماسية والإنسانية لدعم الشعب الفلسطيني    الرئيس السيسي يبحث مع رئيس أركان الجيش الباكستاني تعزيز التعاون العسكري وجهود دعم الاستقرار الإقليمي    منح الصحفية الشهيدة مريم أبو دقة جائزة أبطال الصحافة لعام 2025    تفاصيل جديدة في واقعة «طفل اللبيني»    موعد مباراة فالنسيا وفياريال في الدوري الإسباني والقنوات الناقلة    كومباني يعلن تشكيل بايرن ميونخ لمواجهة مونشنجلادباخ في الدوري الألماني    أبو ريدة يستقبل وزير الرياضة ويبحثان دعم خطط وبرامج تطوير كرة القدم    الدماطي: منظومة الأهلي تشبه الهرم.. ومشروع الاستاد الحلم الأكبر    «بحوث الصحراء» يلتقي بمزارعي جنوب سيناء لدعم التنمية    اسعار اللحوم اليوم السبت 25اكتوبر فى مجازر وأسواق محافظة المنيا    جهود قطاع الأمن العام خلال 24 ساعة    انطلاق الحملة الثالثة للتحصين ضد مرض الحمى القلاعية بالسويس    رئيس الهيئة الوطنية للصحافة: المتحف المصري الكبير هدية مصر للعالم    توجيهات جديدة ل السيسي بشأن حفل افتتاح المتحف المصري الكبير    أجواء فرح واحتفال بنجاح "لينك".. ونجومه يرقصون على "كاجولوه"    بعد إعلان زواجهما.. منة شلبي وأحمد الجنايني يتبادلان رسائل الحب على السوشيال ميديا    وزير الإسكان يوجه بتسريع وتيرة العمل في مشروع حدائق تلال الفسطاط    مواقيت الصلاه اليوم السبت 25 أكتوبر 2025 في المنيا    وزير الإسكان يتفقد الطرق والمرافق بمنطقة الأمل بمدينة العبور الجديدة    وحدة السكتة الدماغية بجامعة عين شمس تستقبل خبراء من السعودية وكينيا في ورشة عمل    تحرير محضر ضد مدرس وصاحب عقار استخدما سطح مبنى مركزًا للدروس الخصوصية بالشرقية    محافظ أسوان: حل مشكلة تسجيل وتحديث بيانات مواطنين بأبو سمبل في منظومة التأمين الصحي    برينتفورد ضد ليفربول.. سلوت يشعل حماس محمد صلاح برسالة غير متوقعة    غارة إسرائيلية تستهدف سيارة قرب مدرسة جنوب لبنان    ربة منزل تتهم زوجها بضرب ابنتهما وتعذيبها بسبب 1200 جنيه فى كفر الشيخ    فيلم السادة الأفاضل يتخطى 8.5 مليون جنيه خلال 3 أيام عرض بالسينمات    الحكومة المصرية تدير 7 مراكز لوجستية رئيسية لتعبئة شاحنات المساعدات إلى غزة    جدول امتحان شهر أكتوبر لطلاب الصف السادس الابتدائى فى الجيزة    طريقة التقديم للحج من خلال الجمعيات الأهلية بالخطوات    انطلاق الحملة القومية لتحصين 248 ألف رأس ماشية بكفر الشيخ    رئيس اتحاد الإسكواش لليوم السابع: تألق أمينة عرفي دليل تواصل الأجيال    الأوقاف: المشاركة في الانتخابات واجب وطني.. والمساجد ليست مكانًا للترويج السياسي    الصحة: فحص 1.5 مليون طالب ضمن مبادرة الكشف المبكر عن الأنيميا والسمنة والتقزم    اتهامات تزوير تلاحق رمضان صبحي.. وجنايات الجيزة تؤجل نظر القضية ل22 نوفمبر    بعد انخفاض الكيلو.. أسعار الفراخ اليوم السبت 25 أكتوبر 2025 في بورصة الدواجن    نابولي يسعى لمداواة جراحه بإيقاف سلسلة انتصارات إنتر    التضامن: تحسين منظومة الكفالة وتطبيق إجراءات الحوكمة عند تسليم الأطفال    اللواء محمد الدويري: أحد قيادات حماس البارزة لجأ لأبو مازن لحمايته من قصف إسرائيلى    بعت نصيبي من ورث والدي فقاطعني إخوتي هل عليا ذنب؟ الإفتاء ترد    الإفتاء تُجيب| «المراهنات».. قمار مُحرم    «الأزهر العالمي للفتوى» يرد| قطع صلة الرحم.. من الكبائر    الإفتاء تُجيب| تحديد نوع الجنين.. حلال أم حرام؟    تفاصيل اصطدام باخرة سياحية بكوبري كلابشة في أسوان.. ماذا حدث؟    "لا تستمع لأي شخص".. بانزا يوجه رسالة ل محمد السيد بعد انتقادات الجماهير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ماذا حدث للعالم؟
نشر في الأهرام اليومي يوم 16 - 08 - 2015

لفت نظرى مثال نشر فى الأسبوع الماضى فى جريدة بريطانية أسبوعية وكتبه متخصص فى الأدب الفرنسى إذ راعه ما حدث من تغير فى الحياة الثقافية فى فرنسا خلال نصف القرن الماضى، وقدم أمثلة لما حدث فيها من تدهور بعد الازدهار الذى شهدته السنوات التالية للحرب العالمية الثانية.
ذكّرنا المقال بتلك الأسماء التى كانت على لسان الجميع خلال الخمسينيات والستينيات مثل جان بول سارتر وسيمون دى بوفوار وألبير كامى وميشيل فوكو.. الخ، حين كان يشتد الجدل حول ما تطرحه كتبهم وتصريحاتهم من أفكار: هل الوجودية مذهب جدير بالاعتناق حقا؟ وإلى أى حد تختلف وجودية كامى عن وجودية سارتر؟ هل غيّر سارتر رأيه فى الشيوعية والنظام السوفيتى بعد احداث المجر؟ وما موقف اليسار الفرنسى من الخلاف الذى وقع بين الزعيم الصينى ماو تسى تونج والزعيم السوفيتى خروتشوف ..الخ.
وصف المثال ما أصاب الحياة الثقافية فى فرنسا من جدب بالمقارنة بحيوية وخصوبة تلك الأيام لكنه لم يحاول تقديم أى تفسير لهذا التغير.
ذكرّنى المقال بما كان يدور فى الحياة الثقافية فى مصر فى تلك الأيام ايضا: تذكرت كيف اهتم المثقفون المصريون بزيارة سارتر مصر فى منتصف الستينيات، بل الأهمية الكبيرة التى علقتها القيادة السياسية فى مصر فى ذلك الوقت على ما يمكن أن يكون رأى سارتر فى التوجهات السياسية للنظام المصرى، وكيف ابتهجت هذه القيادة بما أدلى به سارتر من تصريحات إيجابية امتدح فيها اشتراكية النظام وبناء السد العالى.
كان لابد أيضا أن يثير هذا المقال فى ذهنى ذكريات عن الحياة الثقافية فى بريطانيا فى الفترة التى عشتها فى أثناء بعثتى إلى انجلترا، فتذكرت اشياء مماثلة جدا لما وصفه الكاتب من خصوبة الحياة الثقافية فى فرنسا فى الفترة نفسها، كانت اسماء مفكرين وأدباء كبار تتردد فى الصحف بل يستضافون فى التليفزيون كما كان المسرح الانجليزى لايزال يعرض مسرحيات برنارد شو وأوسكار وايلد، بالاضافة بالطبع إلى شكسبير وموجات جديدة من المسرحيين الجادين الذين اثبتوا نظريات حديثة لمشكلة الصراع الطبقى أوالعلاقات الإنسانية مثل هارولد بنتر مع استمرار إنتاج مسرحيات تشيكوف وبريخت باخراج جديد مع حركة نقد أدبى ومسرحى بالغة الحيوية..الخ.
ثم تذكرت ما حدث من أفول وانحسار لهذا التوهج الثقافى مازال هناك بالطبع إنتاج فكرى ومسرحى وسينمائى جديد لكن يبدو أن شيئا مهما قد حدث اقترن باختفاء القامات الكبيرة التى كانت تخطف ابصارنا خلال ربع قرن التالى وانتهاء الحرب العالمية وكأن عزوفا عاما قد حدث عن إثارة القضايا المهمة أو كأن الاهتمامات الثقافية قد تعرضت لمنافسة قوية من الاهتمام بمشكلات جارية، سياسية وأمنية وعلى الاخص مشكلات اقتصادية.
لاشك عندى فى أن هذه الظاهرة عامة حدثت فى أوروبا كما حدثت فى أمريكا وروسيا، وفى الدول الأقل تقدما اقتصاديا وثقافيا مثلما حدث فى الأكثر تقدما. لابد إذن أن يكون السبب عاما ايضا فما هى ياترى تلك السمات التى تميز بها هذا العصر الجديد مما يمكن أن يؤدى إلى هذه النتيجة التى تبدو مؤسفة للغاية؟
خطرت لى عدة احتمالات وأنا احاول الاجابة عن هذا السؤال خطر لى أولا أن السبعين عاما التى مرت منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية يمكن وصفها ب العصر الأمريكى لقد ورثت الولايات المتحدة الدولتين الاستعماريتين القديمتين، بريطانيا وفرنسا وتحولت مستعمراتها إلى صورة أو اخرى من الخضوع للنفوذ الأمريكى بل خضعت الدول الاستعمارية القديمة نفسها بما فى ذلك اليابان للنفوذ الأمريكى ايضا، وقد اتسمت الثقافة الأمريكية بتراجع الاهتمام بنوع المشكلات الفكرية التى شغلت المفكرين الأوروبيين فى سنوات ما قبل الحرب واستمرت تشغلهم لبعض الوقت بعدها ثم تركت مكانها لمشكلات أقرب إلى الحياةاليومية ومطالب الناس العاجلة.
لكن خطر لى ايضا أنه خلال الأربعين أو الخمسين عاما الماضية انتشر فى العالم المتقدم اقتصاديا ومنه إلى بقية انحاء العالم، ولو بدرجات متفاوتة، ما سمى المجتمع الاستهلاكى، حيث تغلبت الطموحات المتعلقة بزيادة ما يحوزه المرء من سلع على غيرها من الطموحات والآمال وزاد تقدير الناس لمن ينجح فى تحقيق هذه الطموحات الاستهلاكية عن تقديرهم للناجحين فى مجالات أخرى، ألم يكن من المحتم والحال كذلك أن يضعف التوهج الفكرى الذى كان سائدا قبل الحرب وفى العقدين التاليين لها مباشرة؟
أم أن لهذه الظاهرة علاقة بما حدث ايضا فى الأعوام الاربعين الماضية مما نطلق عليه اسم العولمة؟ هل كان لهذا التوهج الفكرى علاقة بقوة الشعور بالولاء للدولة القومية، فلما بدأ الضعف يتسرب إلى الولاء من جراء انفتاح كل دولة على العالم الواسع نشأت اهتمامات تتعلق اساسا بتلك المجالات التى حققت فيها العولمة أكبر قدر من النجاح: سرعة انتقال المعلومات وثورة الاتصالات ونمو التجارة وارتباط كل ذلك بنمو ما عرف بالشركات متعددة الجنسيات؟ هل كان لابد أن يتحول الاهتمام أكثر فاكثر إلى موضوعات لها صلة باتساع نطاق تبادل المعلومات والسلع أكثر من صلتها بالمشكلات الفكرية المجردة؟
هل للأمر إذن علاقة بما يمكن اعتباره حلول الشركة العملاقة محل الدولة؟ هل نحن نعيش منذ أربعة أو خمسة عقود عصر الخصخصة حيث يحل الخاص محل العام بما فى ذلك المشكلات الفكرية العامة؟
ام أن الأمر أعمق من كل هذا واخطر؟ وان كل هذه الاوصاف التى اطلقناها على هذا العصر : العصر الأمريكى أو المجتمع الاستهلاكى أو عصر العولمة أو عصر صعود الشركات العملاقة ليست إلا مظاهر لشىء واحد أبعد غورا، هو حلول الاهتمامات المادية محل الاهتمامات الاخلاقية؟ هل الانسب وصف هذا العصر بانه عصر الاقتصاد حيث كاد يصبح كل شىء قابلا لان يقيم بالنقود، وقابلا للبيع والشراء وأصبحت نهضة الأمة تقاس بتقدمها الاقتصادى دون غيره، وفى عصر كهذا لابد أن ينحسر الاهتمام بما يسمى مشكلات أخلاقية إذ أن الاخلاق اصبحت هى نفسها خاضعة للتقييم النفعى أو المادى؟
هل كان هذا إذن هو ما قصده الاقتصادى الشهير مينارد كينز عندما وصف المبدأ الشهير الذى جاء به جيريمى بيتنام منذ نحو قرنين من الزمان ويعرف بمبدأ المنفعة بأنه كالدودة التى تنهش فى احشاء الحضارة الغربية؟ إذ يحكم على كل شىء وكل عمل على أساس المقارنة بين منافعه القابلة للقياس وبين مضاره؟
ربما كان الأمر كذلك فعلا فإذا كان كذلك فنحن نحتاج إلى أكثر من اصلاحات جزئية هنا وهناك وإلى أكثر من مجرد الدعوة إلى تجديد الفكر سواء كان فكرا دينيا أو غير دينى وإلى أكثر من مجرد إصلاح اقتصادى. اظن أن المطلوب يستحق أن يوصف بالثورة الروحية.
لمزيد من مقالات د. جلال أمين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.