(1)تقول الأسطورة إن جمال عبد الناصر بعد تولى الرئاسة قرر مساندة المقاومة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسى ، فأرسلت له أمريكا 6 ملايين جنيه عربون محبة لقائد مصر الجديدة ،لكن البنكنوت كان يحمل رسالة ضمنية واضحة تقول « هذه رشوة مستترة و خليك فى حالك». تقول الأسطورة إن ناصر قبل المبلغ و قرر أن يستغله فى تقديم درس جديد من دروس الكرامة للمصريين و بالمرة « يعلّم على الأمريكان». قال ناصر : هاتوا لى .. ناعوم شبيب .
(2) كان ناعوم شبيب وقتها حديث مصر كمهندس ومقاول ،فقبل عام1950 لم تكن فى العاصمة المصرية مبان تعلو على اثنى عشر طابقا ، ومع ذلك كانت عند نعوم شبيب الجرأة الكافية لإنشاء أول ناطحة سحاب ،عمارة سكنية من 22طابقا. كانت بناية ناعوم مثار هجوم البعض مثل رجال الدفاع المدنى الذين صرحوا فى الصحف بأنهم لا يمتلكون معدات تسمح لهم بإطفاء أى حريق يشب فى هذه الأدوار العليا ، و تبرع بعض المعمارين المشهورين بتحذير سكان هذه العمارة من خطر الزلازل ، و صرح مدير عام مرفق المياه بأن المرفق لا يمتلك أجهزة تسمح بوصول الماء لهذه الأدوار العليا ، كان الهجوم شبه منظم إلا أن ذلك لم يمنع إقبال الناس على السكن فيها. كان ناعوم مهندسا بارعا بالفعل ، يقوم فكره على أن البناء يتجاوز مسألة الجدران إلى مسارات الطاقة فى السكن و الشعور بالراحة ، وأن المبنى يعبر عن ثقافة شعب ، وأن الجمال فى البناء ينعكس على شعور قاطنيه و شعور كل من يمر به . لخص ناعوم فلسفته كلها يوم وقف أمام طلبة الهندسة قائلا « التشييد هو عمل الإنسان لمصلحة أخيه الإنسان» ، هكذا كان يرى مسألة البناء كمهندس ومقاول .. خدمة البشرية .
(3) كانت فكرة ناصر استخدام فلوس الأمريكان فى بناء برج يرد به على صفاقة الرشوة ،صفعة على القفا للذكرى . تقول الأسطورة إن ناعوم شبيب عرض على ناصر تشييد البرج فى أرض الجزيرة، وتقول الأسطورة إنه تم تفسير اختيار الموقع بانه يقع مقابل السفارة الأمريكية على الجهة الأخرى من النيل، وهكذا كلما أطل السفيرمن مكتبه يرى البرج فتصله الرسالة . فيما بعد ومع بداية المشروع وضع المصريون لمستهم على الرسالة، فقبل أن يتفقوا على تسميته «برج القاهرة» أطلقوا عليه اسمين،واحد حماسى « شوكة عبد الناصر » ، والآخر ساخر « وقف روزفلت» ،وهكذا اكتملت الرسالة قبل أن يكتمل البناء . قبل أن يبدأ البناء سأله ناصر كم سيبلغ ارتفاع البرج، فقال شبيب : أعلى من الهرم الأكبر، ابتسم ناصر و ربت على كتف شبيب معجبا بخفة دمه . كانت خطة ناعوم شبيب أن يكون المبنى بسيطا تماما، خاليا من أى زخارف، ومحاطا بجدار خرسانى خفيف و أنيقا، و يخلو من أى عناصر غير ضرورية ، وكان التحدى صعبا لأكثر من سبب، الأول أن السائد فى أعمال البناء وقتها كان الاعمال اليدوية أكثر من المعدات ، والثانى قدرة الأرض الطينية فى الجزيرة على تحمل مبنى من هذا النوع و تم علاج الأمر بصب القواعد فوق فرشة عبارة عن صخرة خرسانية تم وضعها على عمق 25مترا، والثالث كان العدوان الثلاثى على مصر عقب إعلان ناصر تأميم قناة السويس، فكان أن توقف العمل فى البرج ثلاث سنوات (56-59). ثم استيقظ على تليفون من الرئاسة يخبره بأن 500 عامل فى موقع البرج فى انتظار إشارة معاودة العمل. عندما انتهى العمل كان البرج أطول من الهرم الأكبر ب42مترا. (4) أصيب شبيب ببعض الإحباط عندما اعتذر ناصر عن حضور افتتاح البرج وأناب عنه كمال الدين حسين وصلاح نصر ، لكن هذا لم يثن شبيب عن إلقاء كلمته كأن ناصر موجود، أعجبتنى من كلمته هذه المقاطع : «أقدم فيها مبنى تعتز به أنفسنا، فهو عربى فى تصميمه، عربى فى إنشائه، عربى فى كل مرحلة من مراحل تنفيذه «. «ولا يفوتنا أن نسجل كفاح العامل المصرى وصبره ومهارته فى العمل من هذا الارتفاع الشاهق رغم الظروف الجوية العصيبة التى كان يتعرض لها.» (5) من اشهر مبانى ناعوم شبيب مبنى جريدة الأهرام فى شارع الجلاء ، وسينما على بابا ، لكن تظل «قبة شبيب» اهم اختراعاته. «قبة شبيب» اختراع هندسى حل لعالم البناء مشاكل بناء القباب الرقيقة بالخرسانة المسلحة أيا كانت مساحتها ، هذا الإختراع العالمى كان يقف خلفه صنايعى مصرى يهودى . ناعوم شبيب مهندس مصرى يهودى ، اخترع أسهل طريقة ممكنة لبناء القباب الإسلامية ، وقام بتطبيق اختراعه لأول مرة فى بناء كنيسة سانت تريز ببورسعيد. (6) منذ قرأت الكلمة التى القاها شبيب فى افتتاح برج القاهرة لا يفارقنى مشهد عمال البناء المعلقين فى الهواء على ارتفاع 187مترا ، على خلفية مقولته « التشييد هو عمل الإنسان لمصلحة أخيه الإنسان».