الحصر العددي، تقدم الرحماني وعطا سليم والقبطان بجولة الإعادة بدائرة المنتزه بالإسكندرية    الوطنية للانتخابات تشكر الإعلاميين والناخبين على نجاح الانتخابات    العمل: تغطية نسبة ال 5% من توظيف ذوي الهمم تحتاج إلى مزيد من الجهد    الشروط المطلوبة للحصول على معاش الطفل 2026، والفئات المستحقة    يديعوت أحرنوت: واشنطن طلبت من إسرائيل تحمل مسئولية إزالة الدمار في غزة    واشنطن تصعّد الضغوط على كاراكاس.. تحركات لاعتراض سفن جديدة تحمل النفط الفنزويلي    تصريحات خطيرة من أمين عام الناتو تثير غضبا سياسيا في ألمانيا    القيادة المركزية الأمريكية: توسيع فريق التنسيق لغزة إلى 60 دولة ومنظمة شريكة    كالاس تعلق على فضيحة احتيال كبرى هزت الاتحاد الأوروبي    بولونيا يهزم سيلتا فيجو 2-1 في الدوري الأوروبي    الدوري الأوروبي.. روما يصعق سيلتيك بثلاثية نظيفة    مرصد الأزهر مخاطبا الفيفا: هل من الحرية أن يُفرض علينا آراء وهوية الآخرين؟    وائل رياض يشكر حسام وإبراهيم حسن ويؤكد: دعمهما رفع معنويات الأولاد    بعد استبعاد عبد المنعم، 5 محترفين فقط بقائمة منتخب مصر بأمم أفريقيا    العثور على جثة مجهولة لشخص بشاطئ المعدية في البحيرة    طلاب الأدبي في غزة ينهون امتحانات الثانوية الأزهرية.. والتصحيح في المشيخة بالقاهرة    الدفع ب 5 سيارات للسيطرة على حريق بمخزن نادي الترسانة في إمبابة    بالأسماء| إصابة 10 عمال زراعيين إثر اصطدام سيارتين وتوك توك بالنوبارية    الإعدام شنقًا للمتهم بقتل عاطل ونجله في نجع حمادي    ياسمين عبد العزيز تبكي على الهواء: العمرة بتغسلني من جديد.. والحياة ولا حاجة    رحيل الشاعر والروائى الفلسطينى ماجد أبو غوش بعد صراع مع المرض    أشرف زكي يكشف تطورات الحالة الصحية للفنانة عبلة كامل    طريقة عمل كيكة السينابون في خطوات بسيطة    أولياء أمور مدرسة الإسكندرية للغات ALS: حادث KG1 كشف انهيار الأمان داخل المدرسة    التعليم يكذب قرار زيادة المصروفات فى المدارس الخاصة    سيلتك ضد روما.. الذئاب تخطف ثلاثية أمام بطل أسكتلندا فى الدوري الأوروبى    قفزة في سعر الذهب بأكثر من 65 جنيها بعد خفض الفائدة.. اعرف التفاصيل    محافظ الجيزة يتفقد موقع حادث انهيار عقار سكنى في إمبابة.. صور    قائمة منتخب مصر في أمم إفريقيا 2025    القوات الإسرائيلية تجدد اعتداءها على الأراضي السورية    كامل الوزير: النصر للسيارات أنتجت 300 أتوبيس خلال عام.. وأول ميني باص كهربائي بعد 6 أشهر    ياسمين عبد العزيز: ندمت إني كنت جدعة مع ناس مايستاهلوش    أليو ديانج يقود قائمة منتخب مالى الرسمية استعدادا لأمم أفريقيا 2025    مدير الصحة العالمية: رصدنا سلالة جديدة من كورونا نراقبها    حرمانها من بناتها.. أحدث شائعة طاردت شيرين عبد الوهاب في 2025    لحظة دخول ياسمين عبد العزيز ستوديو معكم منى الشاذلي    كامل الوزير: ندرس حاليا إنشاء مجمع صناعات معدنية.. وهنعمل مصانع بفكر وتكنولوجيا جديدة    ضبط شخصين بحوزتهما دعاية انتخابية ومبالغ مالية بمحيط إحدى اللجان في المنيا    انطلاق فرز الأصوات بالدائرة الثالثة بالفيوم    في ذكرى ميلاد نجيب محفوظ.. «الحرافيش» درة التاج الأدبي المحفوظي    أيهما الزي الشرعي الخمار أم النقاب؟.. أمين الفتوى يجيب    محمد رمضان ل جيهان عبد الله: «كلمة ثقة في الله سر نجاحي»    تعزيز التعاون الدوائي بين مصر والصين.. مباحثات موسعة لزيادة الاستثمار ونقل التكنولوجيا في قطاع المستلزمات الطبية    جيمي كاراجر يهاجم صلاح ليتصدر التريند.. مدافع ليفربول السابق لم يفز بالدورى الإنجليزى وسجل 10 أهداف منها 7 فى نفسه.. ميسى وصفه ب"حمار".. رونالدو تجاهله على الهواء.. ومورينو: أنت نسيت الكورة.. فيديو    وزير الصحة يتفقد مقر المرصد الإعلامي ويوجه باستخدام الأدوات التكنولوجية في رصد الشائعات والرد عليها    إطلاق قافلة طبية علاجية شاملة لقرية أربعين الشراقوة بكفر الشيخ    فوز مشاريع تخرج كلية إعلام جامعة 6 أكتوبر بالمراكز الأولى في مسابقة المجلس القومي للمرأة    أشرف زكى عن عبلة كامل : مختفية عن الأنظار .. ونشكر الرئيس على رعاية كبار الفنانين    حبس عاطل بتهمة التحرش بفنانة شهيرة أثناء سيرها بالشارع في النزهة    «المشاط» تبحث مع بنك الاستثمار الأوروبي نتائج زيارته لمصر    الهيئة الوطنية للانتخابات تعلن فوز مصطفى البنا وحسام خليل بالدائرة الثانية بأطسا    حكم كتابة الأب ممتلكاته لبناته فقط خلال حياته    رئيس الوزراء يتابع الموقف التنفيذي لمشروع تطوير مدينة النيل الطبية    بث مباشر الآن.. مواجهة الحسم بين فلسطين والسعودية في ربع نهائي كأس العرب 2025 والقنوات الناقلة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 11-12-2025 في محافظة الأقصر    أسعار الفضة تلامس مستوى قياسيا جديدا بعد خفض الفائدة الأمريكية    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم الخميس 11 ديسمبر 2025    دعاء الفجر| (ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تكلفة بناء برج القاهرة وصلت قرابة الستة ملايين جنيه مصرى
نشر في الشروق الجديد يوم 01 - 10 - 2013

فى الحلقات الثلاث الأولى من كتاب «برج القاهرة.. أول مهمة لجهاز المخابرات العامة المصرية» الذى سيصدر قريبا، روى مؤلفه اللواء عادل شاهين، وكيل جهاز المخابرات العامة المصرية الأسبق قصة المليون دولار التى أرادت المخابرات الأمريكية، تقديمها كرشوة للرئيس الراحل جمال عبدالناصر، مقابل وقف دعمه لحركات التحرر الوطنى فى أفريقيا، وخطة الرد التى أعدتها الإدارة المصرية على هذا التطاول الأمريكى، وتضمنت استغلال هذا المبلغ فى بناء برج سياحى على نيل القاهرة بمنطقة الجزيرة، ليظل شاهدا على عزة وكرامة الشعب المصرى، وبعد ذلك عثرت المخابرات العامة التى تم تكليفها ببناء البرج على المهندس نعوم شبيب الذى نجح فى تصميم وبناء البرج بشكله الحالى، وتغلب على مشكلات التربة فى منطقة الجزيرة التى كانت تهدد البناء فى هذا الموقع.
وفى هذه الحلقة، الرابعة والأخيرة، ينقل لنا المؤلف قصة الانتهاء من بناء البرج فى ظل واقع سياسى متأزم تسبب فى توقف أعمال البناء لبعض الوقت، وبالرغم من ذلك يؤكد على أن حركة البناء سارت بجدية بالغة سواء كان ذلك من المهندس نعوم شبيب ورفاقه من المعاونين أو من جانب فريق المخابرات العامة برئاسة المرحوم يسرى الجزار الذى كان يتولى الإشراف الكامل يوميا على جميع العمليات المصاحبة للبناء خاصة ضمان استمرار إمداد الموقع بخامة أحجار الجرانيت المستقدمة من محاجر أسوان وكذا استمرار تدفق خامة الأسمنت من أحد المصانع التى خصص إنتاجها بالكامل لإمداد المشروع.
كما كان يتوافد على الموقع من آن لآخر زكريا محيى الدين المشرف العام على المخابرات العامة للوقوف على تقدم العمل وحل أى معوقات قد تصادف فريق العمل المنفذ برئاسة المهندس نعوم شبيب.
وما إن أعلن الرئيس جمال عبدالناصر قرار تأميم قناة السويس فى 26 يوليو 1956 حتى ثارت موجة من الغضب فى كل من فرنسا وبريطانيا، وصدر قرار سريع فى كل منهما بأن سيطرة عبدالناصر على القناة لا يمكن قبولها، هذا مع أن القناة كان مقدرا لها أن تعود إلى مصر فى عام 1968، وكان الخوف الذى سيطر على هاتين الدولتين يتركز فى أن خطوط ناقلات البترول لغرب أوروبا ستكون بهذا القرار تحت رحمة مصر.
ورغم أن عبدالناصر كان قد أعلن تعهد مصر بضمان تنفيذ اتفاقية القسطنطينية وضمان حرية الملاحة فى القناة كما كانت من قبل إلا أن حالة الغضب الهيستيرية سيطرت على كل من فرنسا وانجلترا، وبالذات فرنسا لأنها تملك الأكثرية فى أسهم قناة السويس دفعتهما إلى اتخاذ العديد من الإجراءات العقابية المبدئية على مصر منها قيام «إيدن» بتجميد أرصدة مصر من الاسترلينى، ومنع السفن البريطانية من دفع رسوم عبور القناة فى مصر، بل قام أيضا بإصدار قرار باستدعاء خمسة وعشرين ألف جندى احتياطى للقوات البريطانية، مما كان يعد مؤشرا واضحا لجمال عبدالناصر على أن انجلترا ستلجأ إلى العدوان المسلح على مصر، وقد عزز هذا الاعتقاد قيام انجلترا بتحريك وحدات من القوات البحرية والطيران والجيش من انجلترا إلى كل من قاعدتى قبرص ومالطة فى البحر الأبيض المتوسط.
وخلال تصاعد وتيرة الاحتجاج على قرار عبدالناصر اجتمع «دالاس، وجى موليه، وإيدن» فى لندن فى أوائل أغسطس وأصدروا بيانا مشتركا أعلنوا فيه قرار دولهم الثلاث بضرورة «توفير إدارة دولية للقناة». وفى نفس الوقت أكد الرئيس إيزنهاور» ضرورة الوصول إلى حل سلمى وذلك فى اجتماع غير عادى لزعماء الكونجرس، كما أرسل إلى الرئيس عبدالناصر يطمئنه بأنه لن يلجأ إلى فرض تسوية على مصر.
أما الاتحاد السوفييتى فى هذه الفترة فكان مشغولا بإخماد ثورتين فى كل من بولندا والمجر ولكنه أعلن «أن القناة يجب أن تظل مفتوحة لكل سفن العالم بما فى ذلك إسرائيل». وتوالت التحركات السياسية من للدول الغربية التى كانت فى الواقع تعطى غطاء للدول الثلاث «انجلترا وفرنسا وإسرائيل» إلى أن تستكمل استعدادها لخوض حرب لتحرير قناة السويس من قبضة عبدالناصر على حد تعبيرهم آنذاك.
وخلال هذه التحركات السياسية أرسلت لجنة برئاسة «روبرت منزيس» رئيس وزراء استراليا وعضوية ممثلين عن الولايات المتحدة والسويد وإيران والحبشة إلى مصر حيث قابلت جمال عبدالناصر، وكان منزيس حاقدا على جمال عبدالناصر، وكان رأيه معروفا إزاء التأميم فقد أعلن قبل حضوره لمصر رأيه بقوله: «لو تركنا مصالحنا الحيوية تحت رحمة نزوة رجل واحد، فإن ذلك يعد بمثابة انتحار لنا.. إننا لن نستطيع أن نقبل شرعية ما قام به جمال عبدالناصر».
وهكذا فشلت مهمة منزيس منذ يومها الأول وأطلقت الصحف المصرية وقتها عليه لفظ «فشل مهمة البغل الاسترالى» فقد كان منزيس يحاول إقناع عبدالناصر بقبول فكرة «الإشراف الدولى» على تسيير القناة، ولكن عبدالناصر رأى فى مشروع منزيس ضياعا لسيادة مصر على جزء أصيل من الإقليم المصرى ومن ثم أنهى اجتماعه مع منزيس رافضا كل ما حمله رفضا قاطعا.
مع تحرك الأحداث بديناميكية سريعة وتوالى إرهاصات تؤكد التوجه نحو احتمالات وقوع الحرب توقف العمل فى بناء البرج مؤقتا ريثما تتضح الأمور هل ستحل مشكلة الدول الغربية مع مصر سلميا وسياسيا أم ستكون هناك حرب قادمة.. وكانت المؤشرات والمعلومات التى ترد من المخابرات المصرية ومن سفارات مصر بالخارج خاصة فى عواصم: واشنطن، ولندن، وباريس بالإضافة إلى ما كان يتضح يوميا من رصد استعدادات لإسرائيل على الحدود الدولية توحى بل تؤكد أن حربا وشيكة ستقع حتما لا محالة.
اتخذ زكريا محيى الدين المشرف العام على المخابرات العامة ومساعديه ومن بينهم بالطبع النائب الجديد له صلاح نصر عدة إجراءات احترازية للمحافظة على وثائق المخابرات العامة وأمر جميع رؤساء الوحدات والتشكيلات بالإقدام على تجميع وحرق الوثائق التى بحوزتهم متى بدأت الحرب خوفا من احتمال تمكن قوات المعتدين من الوصول إلى القاهرة ووقوع هذه الوثائق فى أيديهم. وتوقف العمل فى مشروع بناء البرج. وقد امتثل لهذا القرار جميع رؤساء الوحدات. وما أن بدأت الحرب وتداعت الأحداث وتمكنت قوات العدوان المتواطئة مع إنجلترا وفرنسا وإسرائيل من احتلال شبه جزيرة سيناء قام العديد من المسئولين بتنفيذ العمليات وحرق الوثائق المهمة.
ومضت الأحداث السياسية العالمية والاقليمية تدين بشدة هذا العدوان وتحركت الزعامة المصرية المتمثلة فى الرئيس جمال عبدالناصر نفسه وطاقم الدبلوماسية المصرية برئاسة محمود فوزى وزير الخارجية، والقوى الاقليمية والدولية خاصة تلك التى كانت معروفة بتأييدها للرئيس جمال عبدالناصر كزعيم عربى يعمل لصالح بلده قامت بشجب هذا العدوان والتنديد به عبر التجمعات السياسية الإقليمية والعالمية وفى أروقة الأمم المتحدة ومجلس الأمن. واتخذ الرئيس الأمريكى إيزنهاور قرارا سياسيا بإدانة العدوان هذا بالإضافة إلى نجاح الرئيس جمال عبدالناصر ومن خلال خُطبه السياسية فى حشد وتأييد الشعب المصرى وكذا الشعوب العربية.
وأخذت أزمة العدوان الثلاثى على مصر أهمية بالغة إقليميا وعالميا وانتهت بقرار من مجلس الأمن يلزم إسرائيل وانجلترا وفرنسا بوقف الحرب وانسحاب إسرائيل من شبه جزيرة سيناء وهو ما تم بالفعل. ومضت الأحداث واستؤنف العمل فى مشروع البرج بنشاط كبير فى الموقع وبدا جميع المهندسين والعاملين فى الموقع متفائلين، واستأنف قطار البضاعة المخصص لنقل أحجار الجرانيت من أسوان رحلاته المخططة شهريا وبانتظام، كما تواصل تشغيل مصنع الأسمنت المخصص لإنتاج الأسمنت بكامل طاقته الإنتاجية.
وكثيرا ما كان حسن التهامى، وزكريا محيى الدين يحضران معا أو كل على حدة للوقوف على متابعة العمل وحل أى مشكلات أو عقبات قد تواجه القائمين على التنفيذ كما أن الرئيس جمال عبدالناصر يحاط علما بتقدم العمل أولا بأول.
كما كان يسرى الجزار يواظب على السفر إلى أسوان مرة كل شهر حيث يمضى هناك أسبوعا يتابع عن قرب ومن خلال تجوله فى مواقع المحاجر الوقوف على تنفيذ عمليات تجهيز أحجار الجرانيت وتقطيعها فى الموقع بالمقاسات المطلوبة ثم ينتقل إلى محطة سكة حديد أسوان ليشرف بنفسه وخلال فترة الزيارة على عملية تعبئة عربات القطار بالأحجار والاطمئنان على العمل ثم العودة إلى القاهرة حيث يقدم تقريرا بذلك لزكريا محيى الدين.
اكتمل بناء البرج فى شكله النهائى بارتفاع يصل إلى 187 مترا وهو أعلى من الهرم الأكبر بحوالى 43 مترا، ويتكون من 16 طابقا وقد تكلف بناؤه قرابة الستة ملايين جنيه مصرى واشترك فى بنائه أكثر من 500 مهندس وعامل وتمت مراجعة مراحل الإنشاء كافة من خلال لجان فنية معمارية من أمهر المهندسين المعماريين فى ذلك العهد وبتكليف من المخابرات العامة، وقدمت التقارير الفنية التى تفيد تمام تنفيذ البناء على أعلى درجة من الاتقان.
ورفعت هذه التقارير بواسطة صلاح نصر، رئيس جهاز المخابرات، إلى الرئيس جمال عبدالناصر الذى أمر بافتتاح هذا الصرح السياسى العالمى فى القاهرة وأناب عنه كمال الدين حسين نائب رئيس الجمهورية لحضور مراسم الافتتاح وكان ذلك فى 11 ابريل 1961.
المهندس نعوم شبيب
لم يفت مؤلف الكتاب اللواء دكتور عادل شاهين، الحديث عن المهندس المعمارى الذى حمل على عاتقه مهمة التخطيط الهندسى والمعمارى لإنشاء البرج، إذ أورد فصلا كاملا تحدث فيه عنه بعنوان «إطلالة على تاريخ ومسيرة بانى برج القاهرة .. المهندس نعوم شبيب». وتضمن الفصل عرضا تعريفيا موجزا للمهندس شبيب الذى أبدع برج القاهرة، أطول مبنى خرسانى فى العاصمة المصرية وأحد أشهر المعالم السياحية بها، بل هو أجمل مبانيها السياحية على الإطلاق.
بحسب المؤلف فإن نعوم شبيب هو بحق أحد أهم رواد العمارة المصرية الحديثة الذى أثرى المعمار المصرى المعاصر بأفكار تقدمية غير مألوفة فى عصره، كما أنه أحد أهم رواد العمارة المعاصرة التى تنتهج من البساطة والبعد عن الزخارف والإبداع فى التشكيل فى قالب المبنى نفسه، الذى كانت تمثل حركة عالمية فى هذا الوقت، فكما كنا نرى المعمارى السويسرى «لوكور بيزيه Le Corbusier» على مستوى أوروبا والعالم، كان نعوم شبيب يعمل فى صمت فى مصر دون أن يفهم الكثيرون فكره السابق لعصره.
ونعوم شبيب Naoum Shebib أو Naoum Chebib كان يمتلك مكتبا خاصا فى الدور الأرضى بالعمارة 13 شارع جامع شركس تحت اسم «نعوم شبيب للعمارة والإنشاءات والمقاولات» تأسست فى 1940، وكان يعمل فى مكتبه فى منتصف الخمسينيات عدد 5 مهندسين من كبار مساعديه وعدد من العاملين ينتشرون فى المواقع المختلفة التى كان يقوم على بنائها، وكان يتمتع فى مجال مهنة المعمار بسمعة طيبة وكان أبرز ما يوصف به هو فكره السابق لعصره وكفاءته المشهورة ونزاهته التى كانت محل تقدير من كل زملائه كمعمارى ومهندس إنشائى ومقاول، خلاصة القول كان رمزا مميزا فى مجال مهنته مما أذاع صيته فى ربوع مصر.
إن كفاءة ومهارة المهندس نعوم فتحت له آفاق العمل فى القاهرة والاسكندرية ومدن أخرى بمصر فبنى العديد من العمارات الشاهقة بارتفاع 14 طابقا، 22 طابقا، 13 طابقا بل والعديد من الكنائس والمدارس والمبانى التجارية.
كان مشهورا بالبساطة فى رسم التصميمات المعمارية التى تؤدى إلى الإجابة عن جميع العناصر المطلوبة خاصة تحقيق رفاهية المستهلك وبما يحقق سهولة الاستخدام وبساطته.
وفى عصره الذهبى فى الخمسينيات سجل نعوم شبيب براءة اختراع باسمه تحت اسم: «أقواس شبيب أو Voutes Chebib» فقد كان معروفا فى عصره بين المعماريين أن «تغطية الأسقف الخرسانية الرقيقة» كانت تمثل تحديا تقنيا كبيرا فى هذا الوقت، وكانت فى بعض الأحيان تغطى مساحات تصل إلى 800 متر مربع. فاخترع المهندس نعوم شبيب طريقة تنفيذ فريدة لم يسبقه إليها أحد فى اختراعها وتتمثل فى القيام بتشكيل الشكل المطلوب لقالب صب الخرسانة من تربة الأرض، ثم يقوم بوضع أسياخ الحديد وتشكيلها طبقا للتصميم الإنشائى فى قلب القالب، ومن ثم يتم صب الخرسانة فوقها، وبعد تماسك الخرسانة يتم رفعها بالروافع لتوضع فى مكانها على ارتفاعات وصلت إلى 12 مترا.
كما ابتكر نعوم شبيب حلا معماريا للتربة غير القادرة على تحمل الأحمال المركزة وذلك بتصميم قواعد إنشائية فريدة تعتمد على توزيع الأحمال على أكبر قدر ممكن من مسطح الأرض عن طريقة زيادة عدد نقاط الاتصال، فهذا النوع من القواعد الطائرة كانت تبنى على «قطع مكافئ Hyperbolic Paraboloid» من الخرسانة المسلحة الرقيقة بارتفاع متر تقريبا التى كانت تنفذ بنفس طريقة «أقواس شبيب» من قوالب على الأرض فكان استخدام هذه «القواعد الطائرة» يوفر نقاط اتصال واسعة بين القواعد والأرض تستمد قوتها من هذا القطع المكافئ «وقد طبق هذا عند إنشاء أساسات برج القاهرة».
ومن أبرز أعماله المعمارية فى زمانه سينما ومسرح على بابا، ومبنى كايرو موتور لتجارة السيارات، والكنيستان سانت كترين، وسانت تريز، ولقد كانت هذه المبانى ولاتزال تعبر بوضوح عن الانسجام المعمارى للأقواس والقباب الخرسانية تلك بمنحنياتها الناعمة التى تدعو إلى التأمل. وبالإضافة إلى مشاريعه المعروفة فقد بنى عمارات سكنية «4 حتى 11 طابقا».
وفى اعتقادى والحديث للمؤلف أن أهم ما كان يتمتع به المهندس نعوم شبيب بالإضافة إلى قدرته المعمارية الفائقة التى تميزت فى عصره هو أنه على الجانب الشخصى والإنسانى، كان محسنا، فقد كرس الكثير من وقته بغير مقابل لخدمة مجتمعه فتراه يستجيب لاحتياجاته متبرعا لمختلف المشاريع ومن هذا العطاء، فقد بنى مدرسة القللى الخيرية فى أحد أحياء القاهرة الفقيرة وصمم ثلاث كنائس: الكاتدرائية المرقسية سانت تريز Therese .St، وسانت كاترين بهليوبوليس Catherine .St، ومبنى جريدة الأهرام القديم ورفض أن يتقاضى أى مقابل عندما بنى برج القاهرة.
أما عن التعليم، فقد نهل كل مراحل تعليمه فى مصر التى عاش محبا لها وفيا مخلصا لمجتمعه، فبعد مراحل التعليم الأساسى والثانوى التحق بكلية الهندسة جامعة القاهرة وحصل على بكالوريس فى الهندسة المعمارية مع مرتبة الشرف سنة 1937، ثم حاصل على الماجيستير فى هندسة الميكانيكا والتربة سنة 1954، ثم على ماجيستير فى الهندسة الإنشائية سنة 1956 وكان مقيدا عضوا بارزا فى «قصر سام كيبيك للمهندسين» فى كندا.
ومن الجدير بالذكر أن المهندس نعوم شبيب ذلك المعمارى الفذ فى عصره كان ميلاده فى 28 نوفمبر 1915 بالقاهرة بمصر، وأنه عاش بمصر فترة شبابه وعطائه ثم هاجر إلى كندا فى عام 1971 مع زوجته «أرليت شبيب» وأطفاله الأربعة، كما وافته المنية فى 13 مايو سنة 1985 ودفن بمونتريال فى كندا.
وهكذا فإن مسيرة المهندس نعوم شبيب تعد مثالا رائعا ونموذجا مشرفا ينبغى أن يتمثل بها شباب اليوم خاصة شباب المهندسين بل وشيوخهم وأن يعودوا بهذه المهنة إلى التحلى بالتمسك بالقيم والعمل الجاد والتفانى فى خدمة المجتمع المصرى الذى قدم ويقدم عبر تاريخه كل ما يملك فى سبيل توفير كل فرص التعليم لهم.
بعد تجاوز البرج عتبة الخمسين عاما منذ الإنشاء، يتحدث المؤلف اللواء عادل شاهين، عن رمزية هذا المبنى التاريخى بالنسبة للدولة ولجهاز المخابرات العامة. ويتطرق الفصل الخامس من الكتاب للبرج فى ثوبه الجديد، مشيرا إلى أن الدولة والمخابرات العامة بصفة خاصة مازالت تضع البرج فى مكانه اللائق من حيث الأهمية والعناية، كأحد أهم المعالم السياحية بمصر.
وكما رأينا سابقا، والحديث مازال للمؤلف، أن برج القاهرة كان قد افتتح رسميا فى يوم 11 ابريل عام 1961، وظل يؤدى خدماته السياحية منذ هذا التاريخ إلى أن تقرر إجراء عمليات صيانة وترميم كبرى تناولت كل مكوناته واستغرقت حوالى سنتين كاملتين انتهت فى يوم السبت 11 ابريل سنة 2009.
وقد تكلفت عملية الترميم والإصلاح قرابة 15 مليون جنيه مصرى ونفذتها شركة المقاولون العرب، وقد تضمنت معالجة وترميم خرسانة البرج وإضافة عدد «4» أدوار هياكل معدنية أسفل البرج ودور آخر أعلى المدخل الرئيسى مباشرة، وإنشاء سلم للطوارئ ومصعد للزائرين، كما شمل التطوير أيضا مدخل البرج وكذا تشطيب واجهات البرج وإضافة إضاءة خارجية جديدة وحديثة.
فى خاتمة الكتاب، يقدم المؤلف إجابته عن سر فخر المصريين ببرج القاهرة، متحدثا عن عدة حقائق تاريخية أهمها أن مصر وزعامتها فى بداية الخمسينيات كانت تشكل إزعاجا كبيرا لقوى الاستعمار والقوى الكبرى التى كانت لا تطيق أن تستمر مصر فى نهج مقاومة الدول الاستعمارية كما لا تطيق أن تستمر مصر فى مساندة ودعم الشعوب والثوار الذين يجاهدون فى سبيل نيل الحرية.
كما أن شخص جمال عبدالناصر فى حد ذاته كان مثار قلق واضطراب للقوى التى تساند الكيان الصهيونى ومن ثم فالتخلص منه كان أمرا مطلوبا مهما كلف هذا القوى، ومن ثم جاءت محاولات عدة للخلاص منه أو لوضعه فى وضع يكون فيه محل ازدراء من شعبه وأمته بمحاولة إغرائه بالمال. ولكن ثبت أن معدن جمال عبدالناصر لم يكن هذا الشخص الذى يتنازل عن مبادئه وصدقه ووفائه لمصر ولأمته العربية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.