كنت أنظر إلى البشر دوما باعتبارهم أفضل من الحيوانات، إلى أن ثبت لي بالدليل القاطع أن بعضهم في مرتبة الحيوانات، بل هم أضل، لأنهم لا يرتكبون ما ترتكبه من رذائل وموبقات فقط، بل يرتكبون ما هو أسوأ، مع أن الله تعالى فضلهم عليهم بنعم العقل، والشعور، والإدراك. هكذا أصبحت أوقن أن بعض البشر، ممن حولنا، أسوأ من الحيوانات بالفعل، ووجدت دليل ذلك في آيتين من كتاب الله تعالى، الأولى قوله: "وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ".(الأعراف: 179). وتتحدث الآية عن أهل النّار، بالقسم والتوكيد: "وَلَقَدْ".. "ذرأنا": مشتقّة من "ذَرَأَ"، و"الذرء": الإظهار بالايجاد للخلق بعد العدم. "لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا".. "القلب" هو: الفكر، والروح، والعقل.. وهؤلاء القوم لديهم قلوب لكنهم كالبهائم فاقدو الشعور، والإِدراك. "وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا".. لا يبصرون بها طريق الحق والرشاد.. "وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا".. أي: لا يسمعون بها مواعظ القرآن. "أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ".. في أن همتهم هي الأكل والشرب والشهوة.. كما قال الإِمام علي: "كالبهيمة المربوطة: همّها علفها، أو المرسلة: شغلها تقممها". "بَلْ هُمْ أَضَلُّ": لأن الأنعام تميز بين الضرر والنفع, فلا تقدم على المضر, لكن هؤلاء يقدمون على النار، مع العلم بالهلاك. "أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ".. وهذه الغفلة قد تنطبق على الفرد، كما قد تنطبق على الأُمة. الآية الثانية قوله تعالى: "أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا".(الفرقان: 44). أي: لا تظن أَنَّ "أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ"، فإنهم لا يسمعون الحق، ولا يعقلون ما يعاينون من الحجج. "إِنْ هُمْ": ما هم.. "إِلا كَالأنْعَامِ".. الإبل والبقر والغنم، في عدم سماع الحق، وإدراكه، لأنهم عطلوا قوتهم الإدراكية. "بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا".. أي: أبعد عن فهم الحق، وإدراكه. تساءل الزمخشري: "كيف جُعلوا أضل من الأنعام؟ وأجاب: "لأن الأنعام تنقاد لأربابها التي تعلفها وتتعهدها، وتعرف من يحسن إليها ممن يسيء إليها، وتطلب ما ينفعها، وتجتنب ما يضرها، وتهتدي لمراعيها ومشاربها، وهؤلاء لا ينقادون لربهم، ولا يعرفون إحسانه إليهم، ولا يطلبون الثواب الذي هو أعظم المنافع، ولا يتقون العقاب الذي هو أشد المهالك". وفي الختام: بشريتنا تملي علينا: التسامح والعفو، وكف اليد واللسان, ونُصرة الحق والعدل، ولزوم البر والإحسان، والدفع بالتي هي أحسن، مع الدعاء بدعاء الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "اللهمَّ اغفرْ لقومي فإنَّهم لا يعلمونَ".(السلسلة الصحيحة). [email protected] لمزيد من مقالات عبدالرحمن سعد