الفلاحون ينتظرون «الإنصاف» رئيس اتحاد مصدرى الاقطان : الدولة هى الخاسر الوحيد من توقف إنتاج القطن
كنا نحن الرواد مالكو ثروة من «الذهب الأبيض» تتهافت علينا الأسواق الخارجية طلبا لطويل التيلة، الذى تميزنا به زراعة وإنتاجا وصناعة بدأت عريقة فى القرن التاسع عشر وازدهرت وانتشرت وتعملقت، ولكن للأسف بمرور السنين تدهورت.. أوجاع القطن المصرى ومعها الفلاح المصرى وأوجاع صناعة الغزل والنسيج فى مصر ليست وليدة الساعة وإنما هى تراكم سياسات وقرارات متغيرة ومتضاربة، أفسحت المجال للمستورد على حساب المحلي، مما دعا البعض للتشكيك بوجود مؤامرة لصالح رجال أعمال يستفيدون من تدهور الصناعة المحلية .. فى هذا الملف تفتح «الأهرام» كل الجروح العميقة والعثرات والعقبات، وتناقش سلبيات السياسات القطنية والتسويقية المتبعة.. من أجل إحياء صناعة يقوم عليها الآن إقتصاد دول كبيرة، بينما نجد أنفسنا مهددين بالتوقف التام.
اختفت فرحة يوم الحصاد الذى كان يشبه العيد للفلاح المصرى ، وحلت محلها من الهموم والأحزان بسبب معاناته مع السياسات الخاطئة والقرارات المتضاربة التى أضرت ضرراً بالغاً بالاقتصاد الوطنى لأنها جاءت ضاربة عرض الحائط بالنص الدستوري، الذى يلزم الدولة بشراء المحاصيل الزراعية بسعر مناسب يحقق هامش ربح للفلاح، وبسبب أن الحكومة هى التى تسمح باستيراد الأقطان الأجنبية الأقل جودة، على حساب القطن المحلى وقبل تصريفه وكأنها تدعم الفلاح الأجنبى فى مواجهة الفلاح المصري. نرصد فى هذا التحقيق مجدداً أزمة ملك المحاصيل مع المسئولين بدقة وصدق لنضع الجميع أمام مسئوليته الوطنية فى هذه المرحلة الحرجة التى تمر بها البلاد والعباد، بعد أن تفجرت الأوضاع، وبلغت أقصاها، وهنا وجب السؤال أيهما أهم المحافظة على القطن المصرى أم الأجنبي؟ ولماذا يترك الفلاح وحده يواجه سياسات أجنبية تستهدف القضاء عليه؟ ولماذا لا نضع رؤية واضحة لزراعة وتجارة وصناعة وتصدير القطن ونحافظ عليه كأحد أهم المحاصيل الاستراتيجية لما له من علامة تجارية مميزة ومعروفة تاريخياً فى كل أسواق الدنيا.! فى البداية يقول بهاء عطا سليم رئيس الاتحاد التعاونى الزراعى المركزى :قام الفلاحون بزراعة أصناف الأقطان المعتادة على ضوء ما أعلن من ضوابط من قبل وزارة الزراعة، وفى حدود الأصناف والتقاوى المعتمدة والمتاحة، وجاءت محصلة المساحة المزروعة من القطن 250 ألف فدان متوقع وصول إنتاجها من مليون و750 ألف قنطار قطن إلى 2 ملايين قنطار، بالإضافة إلى مليون قنطار فضلة من العام الماضى لم تسوق حتى الآن. بدأت الأزمة عندما علمنا أن هناك قرابة المليون و500 قنطار من الأقطان تم استيرادها من الخارج خلال هذا العام، بخلاف الأذونات السابق إصدارها والتى تفوق ما تم استيراده سلفاً . وهنا بدأ الفلاح يشعر بالقلق لأنه بذل كل الجهد مادياً ومعنوياً وجسدياً حتى يستطيع أن يحصل على عائد مجزٍ له بعد جنيْ المحصول الجديد الذى انتهت صورته بأنه لم يستطع أن يقوم بتصريفه أو تسويقه, وتعالت الأصوات والصرخات لإنقاذ الفلاح ومحصوله حتى جاء قرار وزارة الزراعة بشأن إعادة تنظيم إجراءات استيراد الأقطان من الخارج، وكان القصد منه ليس المنع على إطلاقه، وإنما تنظيم عملية الاستيراد حتى يتم تصريف محصول القطن الجديد وفضلة العام الماضي.. وتلك حقوق والتزام على عاتق الدولة يجب أن تؤديها وفقاً للنص الدستوري.. وهى فى مصلحة الفلاح والتاجر، ومن ثم فى مصلحة الوطن؛ لأن زراعة القطن تمثل جزءاً كبيراً من الاقتصاد الوطنى والدخل القومي، وعصب الحياة الاجتماعية والاقتصادية للفلاح. وما لبث الأمر حتى جاء قرار رئيس مجلس الوزراء بإلغاء قرار الزراعة وإعادة فتح باب الاستيراد مجدداً للقطن من الخارج، واشتعلت الأجواء دفاعاً عن القطن والفلاح، وحزناً على إهدار الحقوق الدستورية. « مؤامرة على القطن « ويرى بهاء عطا سليم وجود مؤامرة على القطن المصرى تُدار بفكر استراتيجى منذ سنوات بدليل تقليص المساحة المزروعة، ودعم الفلاح الأجنبى فى مواجهة المصري، حتى يستطيع مستوردونا الحصول على تلك الأقطان بأسعار منخفضة للغاية، ويقبلون عليها رغم أنها أقل جودة من الأقطان المصرية. ويطالب رئيس الاتحاد التعاونى الزراعى المركزي، بضرورة إعادة النظر فى تلك السياسات الاستيرادية، التى تضر بمصالح الأمن القومى فى المقام الأول والفلاح ثانياً، والإعلان من قبل الصُنَّاع عن الأصناف التى يقولون إنها تناسب مصانعهم، حتى تتم زراعتها، وكذلك الأمر بتطوير المعدات لتناسب أصناف الأقطان عالية الجودة، التى يتم تصديرها.. علماً بأن هذه الأصناف قام الصُنّاع باستلامها العام الماضي، بعد أن قدمت الدولة لهم دعماً بواقع 350جنيهاً للقنطار، فقاموا باستلام مليون قنطار قطن خلال 10 أيام، مما يؤكد صلاحية جميع الأصناف المنتجة لدينا، وتشغيلها بتلك المصانع .. فالموضوع قضية سعر فقط.!! ويتذكر بهاء عطا سليم التاريخ فيقول: طلبت أمريكا من الرئيس عبد الناصر ترك زراعة القطن مقابل تمويل السد العالي، وهو ما رفضه عبد الناصر لما للقطن المصرى من أثر وطقوس تاريخية..مشيراً إلى أن أقصى مساحة كانت مزروعة من القطن تزيد على 3 ملايين فدان، تنتج 9 ملايين قنطار قطن، تستهلك المصانع المحلية منها 5 ملايين قنطار.. فى وقت كان تعداد السكان نحو 30 مليون نسمة.. والنكبة الكبرى الآن أننا قاربنا على ال100مليون نسمة، ونتيجة لسوء المنظومة الزراعية والصناعية وعدم التنسيق نزرع 250 ألف فدان فقط، بعد أن خرج علينا كل متشدق بالوطنية وهو ما يؤكد رجوعنا إلى الخلف لمصلحة الفلاح الأجنبي.!! « غياب السياسة القطنية « أما فاروق رجب عضو مجلس إدارة تجارة القطن بالداخل فيقول عن الأزمة الحالية: نحن دولة تزرع القطن ولا تصنّعه، وتصنع قطناً لا تزرعه، والسبب فى ذلك هو أن القطن فى مصر جسد بلا رأس لغياب السياسات القطنية الواضحة.. وأرى أن وزير الزراعة نفذ القانون 210 لسنة 94 بإصداره القرار الوزارى بوقف الاستيراد لحين تصريف الفضلة من القطن، والمحصول الجديد القادم على الأبواب، بناءً على طلب ومذكرة من لجنة تجارة القطن بالداخل.. فإذا برئيس الوزراء يلغى لجنة تنظيم تجارة القطن بالداخل بإلغائه قرار وزير الزراعة.. وهو «القرار الأزمة»، والذى أشعل الدنيا، وبناءً عليه قررت اللجنة بالإجماع تأجيل العمل بضوابط الموسم الحالى للقطن لحين وضوح رؤية الحكومة فيما يخص عملية التسويق..كما قررت اللجنة أيضاً إنشاء صندوق موازنة أسعار القطن وتحديد سعر ضمان يضمن هامش ربح، وتشكيل لجنة مصغرة لمقابلة رئيس الجمهورية لعرض الأمر عليه والتوصل لحلول تضمن المحافظة على القطن وزراعته وتصنيعه. « مجلس وزارى مُصغّر» ويؤكد فاروق رجب أن لجنة تجارة القطن بالداخل طالبت الجميع بتشكيل مجلس وزارى مُصغّر بهدف وضع سياسة قطنية ثابتة لا تتغير بتغير وزير أو حكومة، وهذا يعنى أن الدولة وحدها هى المعنية بوضع هذه السياسة، وللأسف الشديد لم يستجب لنا أحد. ويرى أن السياسة القطنية المناسبة فى رأيه هى وضع تصور عام للسياسة الزراعية بداية من المساحة والتقاوى والأصناف، وتحديد ما هو مطلوب للتصدير، وما هو للغزل المحلي. ثانياً: وضع سياسة تسويقية للقطن سواء كان غزلاً أو تصديراً. ثالثاً: الاتفاق على سياسة سعرية ترضى المنتج والمستهلك ومصانع الغزل آخذة فى الاعتبار الأسعار العالمية، فالمتضرر الوحيد هى الدولة وعليها وضع الحلول بسرعة لتصريف الفضلة من القطن قبل بدء جنى المحصول الجديد ، وإلا ستكون الكارثة. الملف الزراعى فى خطر ويرى مجدى الشراكى رئيس مجلس إدارة الجمعية العامة للإصلاح الزراعى والذى قام برفع دعوى قضائية بوقف تنفيذ قرار رئيس مجلس الوزراء الخاص بفتح باب استيراد الأقطان وإلغاء قرار وزير الزراعة: إن هناك مؤامرة على الملف، خاصة القطن، يقودها بعض رجال الأعمال لمصلحة الدول الأوروبية ، بدليل أن كل الزراعات الآن لا تعود على الفلاح بهامش ربح يساوى مجهوده وعرقه طوال العام ، وهو أمر له تداعيات خطيرة ، منها تحويل الأرض الزراعية إلى كتل سكانية ، كما أننا نزرع 5 ملايين فدان غير قادرين على تصدير منتجاتها ، ونحن نستورد فقط ، فالملف الزراعى يحتاج إلى حسم فى رؤيته وإدارته ، مشيراً إلى أن قيادات وزارة التجارة هى من قديم الزمن، ولا جديد فيها، وهذا يمثل مشكلة لوجود علاقات قديمة مع المستوردين. ويؤكد أن اتفاقية التجارة الحرة تقضى بعدم دعم المحصول المستورد ، وكل الدول التى نستورد منها تدعم الزراعة بها، وخاصة القطن، وهذا يؤدى إلى إغراق السوق المصرية، ومع ذلك نجد الإصرار من الجميع حكومة ومصنعاً على الاستيراد بالمخالفة لنصوص الاتفاقية كما أننا لا ندعم الزراعة وكل مستورد له شركة غزل يعمل معها منذ زمن مع شركات قطاع الأعمال العام، والأهم المصالح الخاصة، وليس مصلحة الوطن أو المحاصيل أو الفلاح. والاستيراد من الأقطان الأجنبية يتم بطرق غير معلومة، وأسعار غير واضحة. ويتساءل مجدى الشراكي: لماذا تستورد الشركات ذاتها احتياجاتها من الأقطان؟ خاصة أن شركة مثل شركة المحلة تستهلك ما يعادل مليون قنطار سنوياً، تستورد منه فى حدود 90%، والباقى من الإنتاج المحلي.. علماً بأن النسبة قبل ذلك كانت عكسية. ويطالب الدولة بضرورة تشكيل لجان لفحص الأقطان المستوردة لمعرفة السعر والجودة ونسبة الفاقد منها. ويرى أن ما يتم حالياً فى شأن القطن المصرى يخدم الكويزالتى تخدم القطن الإسرائيلى والأمريكي، ويؤكد أنه قام برفع قضية أمام القضاء الإدارى لدق ناقوس الخطر لانقاذ الزراعة، ليس الهدف منها العائد المادي؛ لأن الفلاح المصرى يخسر منذ 4 سنوات بصفة عامة، علماً بأننا لا نستورد إلا أسوأ الأنواع من الخارج، وعندما نصدر نصدر أحلى ما لدينا من إنتاج، وكأن الشعب كُتب عليه نفايات العالم من الإنتاج. « الدولة هى الخاسر» ويؤكد الدكتور مفرح البلتاجى رئيس اتحاد مصدرى الأقطان أنه فى حالة عدم زراعة القطن ستتحمل الدولة أجور العاملين فى صناعة الحليج وشركات التصدير والحلج والعلف والنقل، وأجور العاملين بهيئة التحكيم واتحاد مصدرى الأقطان، وجزءا كبيرا من شركات الغزل وتقدر أجورهم ب500 مليون جنيه سنوياً، فضلاً عن وجود شركات استثمارية جديدة قائمة على القطن المصرى تصدر سنوياً نحو مليون قنطار ب 200 مليون دولار..عبارة عن غزل، ومفروشات وأقمشة قطنية بمليارى جنيه. وتحتاج إلى عملة صعبة تقدر ب500 مليون دولار تكلفة استيراد 3 ملايين قنطار قطن احتياجات المغازل المحلية سنوياً. مشيراً إلى أن معارضى قرار وزير الزراعة هم الذين اصطنعوا الأزمة الحالية، وكان من الممكن تفاديها الآن، خاصة بعد الإعلان عن إلغاء السياسة التعاقدية التى أعلنت عنها وزارة الزراعة فى بداية العام، وعلى أساسه زرع الفلاحون 250 ألف فدان من القطن. « تصريف الفضلة « أما المهندس وليد عبد الرشيد الباحث فى تقييم أصناف القطن فيتساءل: هل محصول القطن ليس من المحاصيل الاستراتيجية التى نص عليها الدستور؟ مؤكداً أن الأقطان الموجودة فى المخازن مشتراة من الفلاح بأموال من البنوك لصالح شركات التجارة..فهل أخطأت شركات التجارة عندما اشترت من الفلاح المحصول بدلاً من الدولة؟ وماذا لو تم القضاء على شركات تجارة الأقطان؟.. فمن الذى سيقوم بالشراء من الفلاح ويقوم بتسويق القطن فى الداخل والخارج؟، خاصة أن هذه الشركات عندما تحقق خسائر لا تترك تجارة الأقطان للعلاقة التاريخية والوطنية، على اعتبار أن القطن أحد أهم السلع الاستراتيجية للدولة.!! ومطالبا رئيس مجلس الوزراء بالتدخل السريع بتصريف المليون قنطار المكدسة بالمحالج لدى شركات التجارة حتى تتمكن هذه الشركات من سداد مديونياتها للبنوك وتسويق موسم 20152016 خاصة أنه على الأبواب. ويطالب الدكتور عادل عزى بضرورة وقف استيراد القطن من الخارج تماماً ونهائياً لحين الانتهاء من استهلاك كامل إنتاج القطن المحلي، مشيراً إلى أن هذه ليست بدعة، وإنما أسلوب متبع فى كل دول العالم..وضرورة إنشاء صندوق لموازنة الأسعار على أن تساهم الدولة ب500 مليون لمرة واحدة، وباقى عناصر العملية الزراعية والتجارية تساهم ب500 مليون..على أن يحدد هذا الصندوق الحد الأدنى للأسعار، وفى حالة نزول السعر سيدفع الصندوق فرق الأسعار. كما يطالب عزى بضرورة الاهتمام بالأقطان المصرية كماً وكيفا، وإنتاج أصناف جديدة من حيث النوع ومتوسط الإنتاج والنوعية، وضرورة عودة الدولة لنظام التجمعات الزراعية لتنظيم إنتاج وزراعة القطن ويطالب الجميع بالتمسك بحظر الاستيراد من الأقطان الأجنبية هذا العام والعام المقبل، حتى يتم حل الأزمة الحالية فى تسويق محصول القطن. وأعلن عن تشكيل لجنة تتكون من رؤساء الجمعيات العامة والمحاصيل الاستراتيجية على أن تكون فى حالة انعقاد دائم تقوم بعمل مذكرة تفصيلية بالأزمة عن القطن من بدايتها حتى جنيْ القطن وإرسالها للرئيس ويدعو الدولة لعمل منظومة زراعية صناعية تجارية متكاملة .