الحديث عن الديمقراطية والحرية والانتخابات الرئاسية والمبادئ الدستورية, تستطيبه الآذان وتطرب له القلوب وتهفو إليه أفئدة من ذاقوا مرارة الاستبداد!! حديث جري علي ألسنة الباحثين عن غد أفضل لأرض الكنانة, ومن لهم باع طويل في فنون العرض والتقديم, ومن عانوا الحرمان السياسي, وأصحاب الأجندات الخاصة التي حدد ملامحها الممول, وأتباع الفكر الجامد, ورواد مدرسة التعصب الأعمي الذي يخالف صحيح الإسلام, الكل يتحدث ولا أحد يسمع الآخر!! تشنج وصراخ علي شاشات الفضائيات, واتهامات متبادلة في البيانات والندوات والمؤتمرات والصحف, تارة بالاستفراد, وأخري بالاستحواذ, وثالثة بالاستقراء أو الإقصاء, وهي في كل الأحوال, تهم جاهزة للاستعمال لتشويه الخصوم, وهؤلاء كما يري علماء الدين, ليس لهم رؤية ولا رأي, فهموا خطأ معني الحرية, وتجاهلوا قواعد وآداب الحوار التي نادي بها الإسلام, والتي وردت فيها آيات قرآنية وأحاديث نبوية. وينتقد الدكتور الأحمدي أبو النور, وزير الأوقاف السابق وعضو مجمع البحوث الإسلامية, لغة الخطاب السائد في المشهد السياسي, والتي يري أنها سبب في كثير من الأزمات التي تشهدها البلاد, ويقول: يجب النظر عند التعامل مع المتحاورين علي أنهم إخوة أشقاء شركاء وليسوا فرقاء, وأن تعلو المصلحة العامة للوطن علي كل ما دونها من مصالح خاصة ضيقة, وإذا انطلقنا من هذا المبدأ فعلينا الالتزام بالرفق واللين والاستماع لكل الآراء واضعين نصب أعيننا قول الله تعالي وجادلهم بالتي هي أحسن.. كما أنه يجب علي كل صاحب حق أو وجهة نظر أن يطلب حقه بالأصول المتعارف عليها شرعا وقانونا حتي لا تشيع ثقافة قانون الغاب واخذ الحق بالذراع كما يقال, وليعلم الجميع انه ما ضاع حق وراءه مطالب, وفوق الكل الله الحق العدل الذي ينصر المظلوم ولو بعد حين يقول الله في الحديث القدسي عن دعوة المظلوم وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين حتي يطمئن الجميع انه إذا غابت عدالة الأرض فلن تغيب عدالة السماء. أما الدكتور طه أبو كريشة, نائب رئيس جامعة الأزهر الأسبق, فيوضح أن فقه الاستماع هو جزء أصيل من أدب الحوار, وهو الذي يلتزم فيه المتحدث بكل ضوابط التعبير التي تتلخص في حسن الكلمة التي ينطق بها اللسان, وحسن النظرة التي تنظر بها العين, وحسن الإنصات لمن يتحدث دون أن تكون هناك مقاطعة أو تعليق أو استهزاء أو تحقير أو إقلال من قيمة المتحدث, وهذه الضوابط العامة هي التي نري شواهدها في القرآن الكريم وسنة النبي صلي الله عليه وسلم, ففي القرآن الكريم نري الأمر الإلهي والتوجيه الرباني في قوله تعالي: وقولوا للناس حسني وقوله وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن وقوله يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول وتناجوا بالبر والتقوي واتقوا الله الذي إليه تحشرون وقوله تعالي يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسي أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسي أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابذوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون وقوله تعالي لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما وهذه الشواهد تتعلق فيمن يتكلم بين الناس أي لابد أن يلتزم بآداب التحدث. وأعرب الدكتور طه أبو كريشة عن أسفه لغياب ضوابط وآداب الحوار حديثا أو استماعا, مطالبا بالعودة إلي تعاليم ديننا لنطبقها علي أنفسنا وداخل بيوتنا وخارجها وفي ميادين العمل والمصالح الحكومية واجتماعات الناس والأسواق والمواصلات, كما طالب بالعودة إلي فهم حقيقة الدين والقواسم المشتركة في كل ما نقوم به من أعمال لأنه لا صلاح ولا نجاة إلا باتباع ما جاء في القرآن الكريم وسنة النبي صلي الله علي وسلم ولقد قال الله تعالي: وقل اعملوا فسيري الله عملكم ورسوله والمؤمنون. ويحذر الدكتور علوي أمين خليل,أستاذ الفقه بجامعة الأزهر, من التعصب للرأي واقصاء الآخر, ويقول: ان التعصب جمود في العقل وخلل فكري يدفع بعض الناس إلي التوهم بأنه أفضل من غيره, ولا يسمح بالتعددية الفكرية, وهو جاهلية مقيتة قضي عليها الإسلام من جذورها, لما لها من تعارض مع الأسس التي وضعها الإسلام للمساواة بين البشر والتي تتجلي في قول الله تعالي: يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلنكم شعوبا وقبائل لتعارفوا( الحجرات13). و ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة( هود118), وفي ذلك قال رسولنا صلي الله عليه وسلم: ليس منا من دعا إلي عصبية, وليس منا من قاتل علي عصبية, وليس منا من مات علي عصبيته. ويرجع الدكتور علوي خليل, حالة التناحر الفكري التي تسود مصر علي مختلف الأصعدة إلي الجهل العام بنظام الإسلام أو بنظام العقل البشري ومنطقه. من جانبه طالب الشيخ محمود عاشور, عضو مجمع البحوث الإسلامية, بنشر ثقافة وآداب الحوار التي تتمثل في ألا يتطاول احد علي احد, وان يستمع الناس جيدا للمتكلم, وإذا كان هناك رد فيجب أن يكون منظما وعلميا ليس فيه تطاول أو خروج أو سب أو شتم وإنما رد مقنع حتي يتم التواصل بين المتحاورين فيقنع بعضنا بعضا في جو من الود والاحترام بين كل المتحاورين, لا أن يتحول الحوار إلي معركة وعراك لا يتم الوصول فيه إلي شيء ولا نخرج منه بموضوع بل نخرج أعداء وليس أصدقاء.