بيروت التى طالما تغنى ساكنوها بأنها باريس الشرق وست الدنيا لم تعد كذلك منذ الأسبوع الماضى وحتى الآن ،إذ غرقت المدينة الجميلة القابعة بين كورنيش البحر المتوسط والجبل الأخضر على امتداد البصرفى أكوام من القمامة والمخلفات من البيوت والمطاعم والمصانع وبعد أيام من بداية أزمة القمامة انتشرت الروائح الكريهة لتزكم الأنوف فى موسم صيفى ينتظره اللبنانيون على أحر من الجمر لاستقبال السياحة العربية كل صيف، فباتت الطرقات مقطوعة من المواطنين الغاضبين الذين عبروا عن رفضهم للظاهرة تحت شعار"صحتنا مش زبالة"، بعدما إمتنعت الشركة المسئولة عن جمع القمامة عن العمل، فهددت الحكومة بالسقوط لدرجة أن أخبارا كثيرة تداولتها الصحف والمواقع الإلكترونية تؤكد أن رئيس الوزراء اللبنانى تمام سلام كتب استقالته ولوح بتقديمها مالم يتكاتف الجميع مواطنين ومسئولين لحل المشكلة التى تتراكم يوما بعد يوم دون حل يبدو فى الأفق. شركة "سوكلين"المسئولة عن جمع نفايات لبنان أوقفت أعمالها بعد إغلاق مطمر- مقلب قمامة- مدينة الناعمة من ضواحى بيروت الجنوبية بعد استنفاد المهلة الزمنية لإغلاقه والمظاهرات المتكررة من الأهالى مدعومين من الزعيم الدرزى النائب وليد جنبلاط ،بالإضافة إلى عدم استيعاب معامل تدوير النفايات بالمناطق المختلفة لكمية القمامة التى كانت تذهب لمطمر الناعمة،ويوما بعد يوم ازدادت كميات القمامة فى الشوارع وهى تقدر بآلاف الأطنان. وبالرغم من إنتهاء مدة العقد الموقع مع شركة "سوكلين" المكلفة بجمع ومعالجة النفايات فى منطقة بيروت وجبل لبنان، لم يتم تكليف شركة جديدة بالقيام بالمهمة. وزير البيئة اللبنانى محمد المشنوق كان قد أكد فى تصريحات سابقة، أنه استنفد كل الحلول الممكنة لمنع المشكلة من التفاقم، مقترحاً فتح مطامر خارج بيروت، لاستقبال نفايات العاصمة، ولكن البلديات رفضت هذا الحل المؤقت. كما أن مشكلة القمامة المتراكمة فى الشوارع والميادين فى بيروت وغيرها من المدن اللبنانية جاءت عقب التصعيد السياسى الذى أطلقه زعيم التيار الوطنى الحر العماد ميشال عون حليف حزب الله داعيا جماهيره إلى النزول إلى الشارع من أجل استعادة حقوق المسيحيين المهدرة منذ إقرار اتفاق الطائف أوائل التسعينيات والذى انهى 15عاما من الحرب الأهلية فى لبنان، فأحاط المتظاهرون بالسراى الحكومى وحدثت إشتباكات دامية بين المتظاهرين وقوى الأمن منذ اسبوعين، ولم يستجب أحد لمطالب الجنرال عون، وظلت مطالبه كما هى ، وسط انقسام حاد بين القوى السياسية المتصارعة على كعكة السياسة فى لبنان،وفشل سياسى حاد للعام التالى على التوالى فى إختيار رئيس للجمهورية يملأ الفراغ الرئاسى بعد انتهاء مدة حكم الرئيس ميشال سليمان. نواب كتلة المستقبل السنية والتابعة لرئيس وزراء لبنان الأسبق سعد الحريرى طالبوا الحكومة بالاجتماع فوراً لايجاد حل، بينما اعتبر نواب التيار الوطنى الحرالتابعين لعون أنهم لن يخضغوا لابتزاز القمامة وان يفرض عليهم ما لا يريدون عبر النفايات، وبين تعنت الفريقين تراكمت القمامة وتعفنت وزكمت روائحها أنوف المارة والسكان على حد سواء. من جانبه استقبل رئيس الوزراء تمام سلام الخميس الماضى وزير البيئة محمد المشنوق والنائبة بهية الحريرى لبحث سبل استعمال معمل صيدا لجزء من نفايات العاصمة، ونقل ما أمكن من نفايات بيروت والضاحيتين الجنوبية والشرقية إلى معمل صيدا لمعالجة النفايات وإلى أماكن أخرى، وبالفعل بدأت شاحنات نقل النفايات تتوافد إلى صيدا، منذ صباح الجمعة الماضي، لكى تلقى بها فى معمل معالجة النفايات عند مدخل صيدا الجنوبي. النائب خالد ضاهر المحسوب على تيار المستقبل والمتهم بدعم داعش والنصرة فى جبهة طرابلس الشمالية عقد مؤتمراً صحفياً فى منزله بطرابلس،أكد خلاله أن رائحة القمامة تفوح منها رائحة السابع من أيار-وهو اليوم الذى شهد سيطرة حزب الله على بيروت بقوة السلاح- وارتباطها بمصالح فى بيروت ورائحة الصفقات والسمسرة وروائح العبث بأمننا السياسى والاقتصادى والأمنى وأمننا الإجتماعى حتى وصل الأمر بحقنا فى الحياة، ولو كانوا صادقين بمعالجة هذا الملف فمصنع منطقة الكرنتينا ببيروت موجود لكن تكاليف معالجة النفايات مرتفعة قليلا فهم من أجل أن يوفروا بعض المال لجيوبهم، يريدون إرسال كل أنواع الأمراض والنفايات إلى مناطق أخري. من جانبه قال السيد حسن نصرالله الأمين العام لحزب الله فى كلمة تليفزيونية له مساء السبت إن التهديد باستقالة رئيس الوزراء لن يحل المشكلة بل سيزيد الأمور تعقيدا ،إذا انفرط عقد الحكومة فى ظل الشغور الرئاسي ونظرا لتصاعد حدة الأزمة وكمية النفايات بالشوارع أصدرمكتب رئيس الوزراء تمام سلام، بيانا السبت 25يوليو أكد فيه أنه بعد الاتصالات المكثفة التى أجراها سلام بكل من: رئيس مجلس النواب اللبنانى نبيه بري، ورئيس اللقاء الديمقراطى النائب وليد جنبلاط ورئيس الحكومة الأسبق سعد الحريرى تم التوصل إلى صيغة حل مرحلى فورى ومؤقت لمعضلة النفايات فى بيروت وضواحيها ومناطق فى جبل لبنان تقضى برفع النفايات من هذه المناطق فورا، الى مواقع تم تحديدها من قبل وزارة البيئة. وأضاف البيان أنه سيستكمل العمل على تقييم العروض الخاصة بالمناقصات، التى تم إطلاقها تطبيقا لقرار مجلس الوزراء ،على أن يليها، فى أسرع وقت ممكن. وبعد تصعيد العماد عون لجماهيره مطالبا بحقوق المسيحيين وفى ظل الشغور الرئاسى وتشبث كل فريق برأيه السياسى حتى وإن كان ضد مصلحة المواطن هل تستطيع حكومة تمام سلام تنظيف بيروت وضواحيها من آلاف الأطنان من القمامة التى فاحت روائحها الكريهة وشوهت منظر باريس الشرق، أم ان القمامة ستكون القشة التى تقصم ظهر بعير الحكومة فتستقيل تاركة لبنان فى الفراغ الدستورى الذى سيجر البلاد حتما إلى النفق المظلم؟