لا أحد ينكر أن هناك معارك مفروضة علي المنطقة التي نعيش فيها لكن يبدو أن معركة داخلية ليست سهلة وإن لم تكن دموية يجب أن تخاض ضد التطرف والتعصب في العالم العربي، وفي هذا الصدد نرصد القضايا التالية: في كل ثقافة من الثقافات هناك مكونات تطرف، ومكونات اعتدال، وإذا ترك لمكونات التطرف أن تنمو ببطء وبخاصة في فضاء العملية التعليمية والتربوية فإن النتيجة ستكون «داعشية المذاق» وهو ما نحصده في هذه المرحلة، ففي حقب سابقة سيطرت مكونات الاعتدال والتعايش والاعتراف بالأخر علي ثقافات المسلمين فأنتجت حضارات مزدهرة في الأندلس، والهند، وآسيا، بالإضافة إلي «حواضر» التقدم في بغداد ودمشق.. في كل هذه »الحواضر« حافظ غير المسلمين علي أديانهم وحقوقهم في ظل الحضارة الإسلامية التي لجأ إليها المظلومون من كافة أنحاء المعمورة. منحنيات التعصب التي انحطت إليها المنطقة منذ عقد الثمانينات علي الأقل والتي تسببت فيها صراعات ومنافسات الخومينية الشيعية، والسلفيات السنية استهلكت الإرث التعايشي العميق عند شعوب المنطقة. وتحالفت «الإسلاماوية المتطرفة» بتنوعاتها المختلفة مع تلك الصراعات وعملت علي تديين المناخ العام علي طريقتها وتلوين أفكاره وسلوكيات الناس بالنظرة الدينية الضيقة المناقضة للنظرة المواطنية، وكانت الضحية الأولي والأهم لهذه الصراعات هي فكرة المواطنة والتعايش داخل أوطان مازالت في طور التشكل ومازالت الأسس المدنية والدستورية والمواطنية المكونة لها طرية، لم تترسخ بعد وعلي ذلك فإن الجزء اليسير من الطريق الذي قطع باتجاه دولة المواطنة والمتباين تبعا للبلد المعني تم إيقافه وإجبار الناس علي العودة إلي الوراء بحثا عن ولاءات وهويات ما قبل الدولة الحديثة وما قبل المواطنة. علي الرغم من أن الولاياتالمتحدةالأمريكية تحاول أن تلقي باللائمة علي داعش وأخواتها في زعزعة استقرار المنطقة العربية فإن سياساتها هي التي أفرزت تلك الجماعات الإرهابية عندما قامت وساعدت علي تدمير دول بكاملها كالعراق وسوريا وليبيا، فعندما يتم هدم دعائم ومقومات الدولة في تلك البلدان ويتم تسريح جيش قوامه أكثر من مائة ألف جندي في العراق فماذا ننتظر من هؤلاء العسكريين المسلحين؟!. بالطبع هم كانوا اللبنة الأولي للكيان الداعشي ولكن هذا بالطبع لا ينفي مسئوليتنا عن توغل الداعشية في منطقتنا، فالبيئة الحاضنة موجودة أصلا وتسمح بتمدد هذه الجماعات. إحدي آليات التطرف تكمن في التعليم ومناهجه ومناظيره وهو التعليم الذي تم فيه إقحام الدين والتدين وهو ما أنتج خلال عقود طويلة أجيالا مشوهة من أشباه متدينين فاقدي معني ومفهوم المواطنة، وعلي ذلك يمكن القول إن جزءا ليس باليسير مما تقترفه داعش عمليا هو مُدرس نظريا لطلابنا في شكل أو آخر ربما بطريقة أقل خشونة لكنه متوحد في ذات الجذر الفكري الذي يظهر الذات متفوقة ومتعالية علي الآخرين لكونها الذات المؤمنة الوحيدة علي الأرض وغيرها غير مؤمن وغير جدير بالبقاء علي قيد الحياة أصلا!. لقد رأي العالم هذا في نظريات التفوق الأوروبي العنصري التي أنتجت هتلر ونازيته التي اعتقدت أن الجنس الآري يتربع فوق البشر كلهم وهو أحق بقيادة البشرية والأمر ذاته عكسته نظريات التفوق الياباني التي أنتجت عنصرية مدمرة وإبادية في آسيا ضد الصينيين والكوريين والمنطقة. عندما تتعزز مكونات التطرف في الثقافة وتتغلغل الداعشية في مناهج التربية والتعليم بشكل خاص وتنتج سياسيين داعشيين فإن النتيجة لن تكون غير «سيادة الداعشية والإسلاماوية المتطرفة»، وعندما يتعلم طلاب المدارس أن غير المسلمين مجرد كفار لا يستحقون سوي الاحتقار فإن نهج داعش وأخواتها هي قناعات راسخة وخفية في التربية الدينية الضيقة والاقصائية المدسوسة في مجتمعاتنا، أضف إلي ذلك أن كثيرين من شيوخ التطرف الذين يخطبون في الجمع ينطقون بخطاب داعشي ولكن لا يملكون السيف الذي تملكه داعش لكي يطبقوا عمليا ما هم مقتنعون به نظريا. د. عماد إسماعيل