في لحظة فارقة، اختار أن يكون مسافراً في بلاد الله، حاملاً جوازه الأخضر، مفتوناً بمصريته، باحثاً عن علم ينفع وطريق يصلح أن يبدأ منه المشوار، ذكاؤه زاده، وطموحه محركه، وصمت عمله أحدث ضجيجا للنتائج. د.حاتم زغلول، مواطن مصري رسم مشواره مع رفيق دراسته وصديق عمره د. ميشيل فتوش، فكونا سوياً فريقا علمياً ( مسلم / مسيحي)، وجاء اختراعهما الذي بنيت على أساسه تقنية ال»واي- فاي» الحديثة لتفيد ملايين البشر دون أن نعلم إلى الآن إن أصل الحكاية مصري! ( الواي- فاي هي التقنية التي تتيح الاتصال اللاسلكي عالي السرعة بين الأجهزة الإلكترونية وبعضها البعض مثل الهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر والاتصال بالإنترنت من أي مكان لاسلكياً). عن بداية الرحلة ومسارها ومنتهاها سألناه، فاصطحبنا معه في مشواره الخاص جداً والمشرف جداً، وكان هذا اللقاء: « السفر للمصريين: إما لجوء علمي أو لجوء اقتصادي» من خلف بوابة كلية الهندسة جامعة القاهرة، بدأت الحكاية مع الحصول على درجة البكالوريوس في الهندسة الإلكترونية عام 1979، ثم دراسة الرياضيات التطبيقية في جامعة عين شمس، مروراً بفترة أداء الخدمة العسكرية في الجيش المصري، ثم العمل كمهندس متخصص في قياس خصائص الآبار النفطية بإحدى كبرى شركات الأبحاث البترولية العالمية. عن أولى خطوات المشوار حدثنا د. زغلول معترفاً :» حقيقةً لكلية الهندسة دور كبير في كل شيء أعلمه إلى الآن، كان العلم جيداً ومازال جيداً لمن يريد الدراسة والتفوق دون التوقف عن السؤال عن كل ما يجهله في المجال». بعد تجربة العمل بمجال البترول والتي يرى د. زغلول إنه تعلم خلالها الضبط والربط -تماماً مثل الجيش- وكيفية تحديد الوقت اللازم لأداء أي مهمة والالتزام به، كان المسافر على موعد مع بلد آخر عاش به الجزء الأكبر من حياته وحصل على جنسيته ونال ما ناله من التقدير والشهرة على أرضه. كندا، كانت وجهة السفر عام 1984 للحصول على درجة الماجستير، يليها الدكتوراه في الفيزياء من جامعة كاليجري كبرى مدن مقاطعة البرتا الكندية. ولأنهما قطعا سنوات الكلية بمصر معاً، كان د. زغلول على لقاء مع صديقه د. ميشيل فتوش الذي سبقه في الحصول على الدكتوراه من الجامعة ذاتها، حيث شهدت تعاونهما في الدراسة والتدريس. يتذكر صاحب الرحلة صداقة دامت سنوات، نتج عنها نجاحات عدة سارداً: « ميشيل من أحسن الباحثين الذين قابلتهم في حياتي، أما أنا فأسلوبي تطبيقي، ولأنه حصل على درجة الدكتوراه في الاتصالات، بينما كانت دراساتي في الموجات الكهرومغناطيسية، صرنا معا خبيراً ممتازاً في الاتصالات اللاسلكية بطريقة نادرة». خلال جلسة استغرقت ساعتين ونصف، توصلنا لاختراع يعد أكفأ نظام اتصالات إلى الآن, لا تأتي الأمور صدفة، لكنها دوما ترتيبات القدرة الإلهية، فخلال عمله بشركة «تيلوس» الكندية للاتصالات في 1989، قامت الشركة بتأسيس قسم جديد للأبحاث، صار د. زغلول على رأسه، حيث قاد فريق من الباحثين على مستوى عال من الخبرة، ما أعطاه الفرصة لتعلم كل شيء عن الاتصالات اللاسلكية في أجهزة الهواتف المحمولة. هنا، يلتقط د. زغلول أطيافاً من ذاكرته، موضحا كيف بدأت سلسلة الاختراعات المشتركة مع د.فتوش وصولاً لل «واي-فاي» :« في هذه الفترة، عملنا كثيراً ميشيل وأنا على العديد من الأبحاث، وبدأنا في التفكير في كيفية التوصل لنظام اتصالات جديد يزيد من سرعتها بصورة كبيرة.. وخلال جلسة استغرقت ساعتين ونصف، توصلنا لنظام (WOFDM)، الذي بناءً عليه زادت سرعة الاتصالات في أجهزة الكمبيوتر والهواتف المحمولة بصورة لاحدود لها وهو النظام الذي بنيت على أساسه تقنية الواي– فاي» في صورتها الحديثة. كانت الخطوة التالية مباشرةً هو تسجيل الاختراع في مكتب براءة الاختراعات بالولايات المتحدةالأمريكية، حيث كان من أسرع الحالات التي تمت الموافقة عليها بعد عام وشهرين فقط في مارس 1992 وهو حاليا يعد أكفأ نظام اتصالات بالعالم. «وسط حشد من العلماء.. ساد الصمت المكان وجاءت لحظتي تحت الضوء».. مع ثبوت قوة الاختراع ومدى أهميته، بدأ العالمان في محاولة بيع المشروع للشركات الكبرى في هذا المجال، ثم قاما بتأسيس شركة (WLAN) لتسويق اختراعاتهما كمنتجات تجارية، وهي الشركة التي حققت مكاسب ضخمة في مجال الاتصالات ومنها جاءت شهرة د. حاتم زغلول في مقاطعة البرتا الكندية بصفته رئيس مجلس إدارة أكبر شركة في هذا المجال بالمقاطعة آنذاك، حيث عرض عليه أيضاً أن يكون حاكماً للمقاطعة وهو الأمر الذي رفضه حفاظا على خصوصية حياته العائلية وهدوئها. قُضي الأمر، وبدأ الحديث ينتشر في أوساط خبراء الاتصالات عما توصل له العالمان المصريان، في ظل محاولات الجميع تطوير تكنولوجيا الاتصال بصفة مستمرة. وفي يوليو 1998 خلال اجتماع منظمة (IEEE) وهي منظمة عالمية تضع المواصفات القياسية في الاتصالات، تم ذكر الاختراع الجديد وجاءت اللحظة التي انطبعت في ذاكرة المخترع المثقف فاستدعاها قائلا»: « وسط حشد من كبار الخبراء في المجال، ساد الصمت القاعة، وحانت لحظتي تحت الضوء عارضاً انجازنا، وشروطنا كي تتمكن الشركات الكبرى من استخدامه وهي : المساواة، والعدل، والسعر المناسب للجميع». كبرى الشركات العالمية حاربتنا واستغلت الاختراع دون الرجوع إلينا..في هذا الوقت لم يكن التعامل في سوق الاتصالات خالياً من العوائق، حيث تعرضت الشركة التي أسسها العالمان المصريان لمحاربة شديدة من كبرى الشركات العالمية نظراً للطفرة التي أحدثها الاختراع والفوائد الاقتصادية المهولة المترتبة عليه، وكأن النجاح على أي أرض يجد أعداء ً له، ما يقول عنه د. زغلول: «دون مبالغة ما تحدثنا عنه في المشروع هو ما يحدث حالياً بالحرف الواحد، فقد شرحنا كيف ستتقدم تكنولوجيا الهواتف المحمولة، وكيف ستتصل أجهزة الكمبيوتر ببعضها البعض وكيف ستكون سرعة الاتصال مهولة بهذا الشكل..وقد استغلت بعض الشركات العالمية الاختراع دون الرجوع الينا ما استدعى رفع قضايا تعويض عليها فتصالح معنا البعض ومازال البعض الآخر في طور التقاضي.» كعادتها، يأتي تقدير أبنائها من خارجها، ويظهر تفوقهم خارج اطار حدودها، وتلك آفة بلادنا التي لم تتغير بعد، فخلال مشواره المثمر، حصل د. زغلول على جوائز عدة مثل جائزة مدينة كالجري للمهاجرين المتميزين عام 1998، وجائزة Fraser Milner Casgrain لما قدمه في مجال ريادة الأعمال، كما اعتبرته مجلة «Canadian Computer wholesaler الكندي المتميز تقنياً عام 1999، فضلاً عن اختياره مجلة McLean's « الكندية له عام 2000 كواحد من أعظم 10 كنديين. وبصفته مسلماً في داخل المجتمع الكندي، كان للدكتور حاتم زغلول نشاط بارز في الجالية الإسلامية بمدينة «كالجري»، فلعب دوراً رئيسياً في توحيد أبناء الجالية من العرب والباكستانيين لتصبح المساجد كلها في كالجري مختلطة بينهم، معبرة عن صوت مسلم واحد. وكما انطلق قطار رحلة دكتور. زغلول منذ زمن بين محطات كثيرة، لازال يعود دوماً لمرفئه الأصلي حيث يقضي أكثر من نصف وقته بمصر محاولاً الاستمرار في عطائه بعبقرية في التفكير وبساطة في التعامل.